الطمع أعمى القلوب والجشع لن يشبع البطون
الله -سبحانه وتعالى- يرزق من يشاء بغير حساب؛ فالمال استخلف الله -عز وجل- البشر فيه؛ لينظر كيف يعملون، ومن ذلك المواريث التي جعلها الله -عز وجل- تقسم بأحكام دقيقة جداً، وهي أحكام تعبدية مفروضة، ومن يتعدها يبؤ بإثمه، وقد كثرت المشكلات والقضايا في أروقة المحاكم؛ بسبب عدم توزيعها بطريقة صحيحة ودقيقة؛ فمن تأمل الآيات الثلاث الواردة في أنصبة الورثة، يجد أنها ختمت بالعلم؛ ففي الأولى: {فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما}.
- وفي الثانية: {وصية من الله والله عليم حليم}.
- وفي الثالثة: {يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم}.
فتوزيع المواريث لا توجد فيه مجاملة أو واسطة، أو رأي، أو هدي، بل هي شريعة محكمة، تولى الله -تبارك وتعالى- تحديد قسمتها حتى تُضفي الطمأنينة والرضا، فقال تعالى: {ومن أحسن من الله حكما لقوم يؤمنون}.
فكم من إنسان وثق بأحد أبنائه ليتولى شؤون ماله ثم لما مات أخذ الابن المال وكتم ولم يوزع إلا القليل، مستغلا ثقة الآب؟ وكم من امرأة حرمها ذووها بحجة أن زوجها سيأخذ ميراثها، وكم من يتيم استبيح ميراثه، قال تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} (النساء:2)، ولقد توعد الله -تبارك وتعالى- من استباح الأموال وأكلها بغير حقها؛ فتوعده الله -عز وجل- بعقاب رهيب؛ فالطمع أعمى القلوب، والجشع لن يشبع البطون، والمال سيطوق صاحبه يوم القيامة؛ ففي الحديث: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أراضين». أخرجه البخاري.
كيف لا وهي وصية من العزيز العليم؟ {يوصيكم الله...} ولا يجوز للمسؤول عن التركة أن يأخذها كاملة ثم يماطل في سدادها، كما جاء في الحديث: «مطل الغني ظلم»، بل كان صلى الله عليه وسلم حريصا على توزيعها وسرعة تسليمها إلى أصحابها؛ لأنها ستوسع عليهم الضنك والضيق الذي يعيشونه، وقد خصص رسولنا صلى الله عليه وسلم الصحابي زيد بن ثابت في دقة التوزيع؛ فقال: «أفرضكم زيد بن ثابت» وأمر بتعلم الفراض، والآن ولله الحمد خصصت وزارة العدل قسما لتوزيع المواريث بأنظمة دقيقة وحسبة عادلة، حتى لا يتحول ذوو القربى والأشقاء من إخوة متحابين إلى أعداء متناحرين، ولقد تكلم الأعداء كثيرا عن توزيع ميراث المرأة وأنها مظلومة، وطرحهم لمثل هذه الشبهات والمزاعم ينم عن جهل عظيم بدين الإسلام.ومن يستقصِ مسائل الميراث يعلم بأن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف ما يرثه الرجل.
وثماني حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل تماما.
وعشر حالات أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل.
وحالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجل.
وهناك من يلغي أسماء أقاربه في الخارج أو من يختلف معه في اسم العوائل والقبائل، وهذا لا يجوز، ومنهم أيضا من يفتح باب الاتهامات فينزع الشيطان بينهم لتتوارث القطيعة والعداوة، وقد تمضي السنون والتركة لم تقسم، ولو قسمت لأغنتهم عن السؤال.
ولذلك أحسنت بعض الدول؛ إذ أنشأت محاكم للأسرة، وفتحت مجالا لكتابة الوصية، ووضعت لوائح ونظماً وهيئات لحصر الورثة والاهتمام بالأيتام حتى لا تسلب وتنهب أموالهم، ويتضرر الورثة من ذلك.
فأقول للجميع: بادروا بقسمة الميراث حتى يبقى الود والحب والتسامح والعفو والتعاون، وأغلقوا باب النزاع والخلاف؛ لأنه يتسبب في الفشل والعداوة والقطيعة.
لاتوجد تعليقات