رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 14 فبراير، 2022 0 تعليق

الطفل ريان المغربي نموذجًا – قواعد في التعامل مع الشدائد والابتلاءات

لا يُقدِّر الله -تعالى- شيئًا إلا لحكمة بالغة، وعاها من وعاها، وجهلها من جهلها، وكم في المحن من منح! وكم في المصائب من ألطاف! وكم في البلايا من عطايا! ولكن أكثر الناس لا يعلمون، لابد أن نوقن أنَّ النافع هو الله، ودافع الضر هو الله، وأن ما يقع لا يخفى عليه، بل كله تحت عينه، وأن رحمته سبقت غضبه، وأن الله أرحم بعباده من أمهاتهم، بل من أنفسهم، وأن أقداره -جل وعلا- فيها حِكَمٌ وأسرار تعجز قلوب البشر وعقولهم عن إدراكها.

     بعد أن احتلت قصة الطفل المغربي ريان الذي وقع في البئر صدارة عناوين وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وبعد أن تمكنت قوات الإنقاذ من إخراجه؛ حيث كان الصغير ذو الخمسة أعوام يلهو إلى جوار البئر المملوكة لوالده، ليسقط فيها على عمق 32 مترًا، ويصاب بجروح في رأسه، وقد ظن والداه في بادئ الأمر أنه اختطف قبل أن يعثروا عليه، لتبدأ عمليات إنقاذه التي كانت في غاية الصعوبة، وظل الطفل ريان داخل البئر دون طعام أو شراب لمدة خمسة أيام كاملة، وخلال المدة التي قضاها الطفل المغربي ريان داخل البئر، كان يفقد الوعي ثم يستعيده مجددًا.

قدر الله -تعالى

     لم يكن قدر الله في اختيار هذا الطفل البريء لهذا الابتلاء العظيم وهذه الوحشة المفزعة مجرد امتحان له ولأهله ولِذويه، لقد تجاوزت حكايته حدود بلده والوطن العربي ليتحول إلى قصة إنسانية، وحدت الإنسانية ولا سيما بعد خبر وفاته الذي مثّل صدمة كبيرة، تلقاها كل المتابعين بحزن وكمد شديدين، لكن في طيات هذه المحنة منحة غالية كشفتها لنا قصة هذا الطفل البريء.

رسالة ريان

     لقد فقدنا ريان، لكنه خلف وراءه رسالة إلى الدنيا كلها ألا وهي: أنَّ الابتلاء سنة ماضية، وطبيعة لازمة لكل مخلوق في هذه الدنيا، والإنسان خصوصا، قال -تعالى-: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ}(الإنسان: 2)، ويقول -سبحانه-: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(الملك: 2)، والناس يعرفون هذه المسألة نظريًا، ولو سألت كل إنسان لأخبرك بهذه الحقيقة، ولكن انظر إليهم عند وقوع الابتلاء، فسترى أن كثيرًا من الناس يرسب في هذا الاختبار، والسبب الأكبر في هذا أن معرفة هؤلاء لهذه الحقيقة كانت معرفة سطحية، لا تتجاوز حدّ المعلومة، ولم تتغلغل إلى القلب والعقل، فقليل من الناس من يتعامل مع هذه الابتلاءات وفق المنهج الشرعي، الذي يكفل لصاحبه -بإذن الله - التكيف مع هذه الابتلاءات، وتلقيها تلقيا يخفف من وطأتها، وأثرها.

قواعد في التعامل مع الابتلاءات

وثمة قواعد في تلقي الابتلاءات والشدائد، نشير إليها باختصار، لعلها تزيل الغشاوة عن بعضهم، وتنير الطريق في كيفية التعامل معها، وأول هذه القواعد:

القاعدة الأولى: لست وحدك

     لست وحدك، فمن ترى من الناس - على اختلاف عقائدهم ومشاربهم - لا يسلم أحد منهم من الابتلاء، ولو سلم أحد منهم من ذلك لكان أولى الناس به الأنبياء والمرسلون - صلوات الله وسلامه عليهم - قال سعد -رضي الله عنه-: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَي النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ «الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ؛ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» (رواه الترمذي وأحمد بسند صحيح)، ومعرفتك بأن غيرك يُبتَلى مما يسليك، ألم تسمع ماذا قالت الخنساء؟

وَلَولا كَثرَةُ الباكينَ حَولي

                              عَلى إِخوانِهِم لَقَتَلتُ نَفسي

وَما يَبكونَ مِثلَ أَخي وَلَكِن

                               أُعَزّي النَفسَ عَنهُ بِالتَأَسّي

إن الابتلاءات تصيب المؤمن والكافر والفاجر، ولكن الفرق في طريقة النظرة لهذه الابتلاءات، فالمؤمن ينظر لها نظرة أخرى، فهو يصبر عليها، ويحتسب الأجر، وينتظر الثواب من ربه، إذا هو صبر واحتسب.

القاعدة الثانية: لا يقدر الله تعالى شيئًا إلا لحكمة

تذكر جيداً أن الله -تعالى- لا يقدر شيئًا إلا لحكمة بالغة، فكم من شارد عن ربه، يبتليه مولاه بحادث، فيكون الحادث سبباً في توبته ورجوعه لمولاه!

القاعدة الثالثة: جالب النفع ودافع الضر هو الله

تيقن أن جالب النفع هو الله، ودافع الضر هو الله، وهذا يدعوك لأن تعلق قلبك بالله وحده، ترجوه، تُخبت له، تنطرح بين يديه.

القاعدة الرابعة: ما أصابك لم يكنْ لِيخطِئك

     تذكر جيدًا وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس -كما هي وصيةٌ للأمة كلها-: «أنّ ما أصابك لم يكنْ لِيخطِئك وما أخطأك لمْ يكنْ ليصيبك» فلِمَ الجزع؟ ولِمَ التسخط؟ ثم تأمل، ماذا جلَب الجزع والقلق على أهله؟ هل صلحت أحوالهم؟ هل رد قلقهم ما كتب عليهم؟ أبداً والله، بل خسروا كثيرًا.

القاعدة الخامسة: حقيقة الدنيا

اعرف حقيقة الدنيا تسترح، والعامة يقولون كلمة جيدة: ما عليها مستريح!

طُبِعَت عَلى كدرٍ وَأَنتَ تُريدُها

                                     صَفواً مِنَ الأَقذاءِ وَالأَكدارِ

وَمُكَلِّف الأَيامِ ضِدَّ طِباعِها

                                      مُتَطَّلِب في الماءِ جَذوة نارِ

وَإِذا رَجَوتَ المُستَحيل فَإِنَّما

                                      تَبني الرَجاءَ عَلى شَفيرٍ هارِ

     فمن عرف حقيقة الدنيا، استراح، ولم يستغرب شيئًا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لوْ أنَّ الدنيا تساوي عند اللهِ جناح بعوضةِ، ما سقى كافراً منها شربة ماءٍ» إنّ الدنيا عند اللهِ -تعالى- أهونُ من جناحِ البعوضةِ، وهذه حقيقةُ قيمتِها ووزنِها، فلِم الجزعُ والهلعُ عليها ومن أجلهِا؟

القاعدة السادسة: الفرج بعد الكربِ سنَّةٌ ماضيةٌ

تذكر -أيها المبتلى- أنَّ الفرج بعد الكربِ سنَّةٌ ماضيةٌ وقضيةٌ مُسلَّمةٌ، لا شكَّ فيه ولا ريب، فما عُرِفَ أن كربةً استحكمت استحكاماً لا فرج معه، بل لابد من فرج: إما فرج حسي، أو فرج معنوي.

وكل الحادثات إذا تناهت

                                  فموصول بها الفرج القريب

القاعدة السابعة: أحْسِن الظن بربك

أحْسِن الظن بربك؛ فإن هذه عبادة بذاتها: قال الله -عز وجل- في الحديث القدسي الصحيحِ: «أنا عند ظنِّ عبدي بي، فلْيظنَّ بي ما شاءَ».

أحْسِن الظن برب عوّدك

                               حسناً أمسِ، وسوّى أودك

إن رباً كان يكفيك الذي

                                كان بالأمس، سيكفيك غدك

القاعدة الثامنة: اختيار الله خيرٌ من اختيارك

     تذكر دائمًا أن اختيار الله خيرٌ من اختيارك لنفسك، هذه ضعها نصب عينيك؛ لأنها تورثك عبادةً أخرى، وهي: الرضى عن الله، والرضى عن الله عبادة جليلة، من فقدها فقد فَقَد خيراً كثيرًا، قال الأعمش -رحمه الله-: كنا عند علقمة فقرئ عنده هذه الآية: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}(التغابن: 11) فسئل عن ذلك فقال: «هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم».

القاعدة التاسعة: كلما اشتدت المحنة قرب الفرج

     كلما اشتدت المحنة فاعلم أنها علامة على قرب الفرج؛ فهذه سنة كونية، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «واعلم وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً». ومن تأمل في تعبير يوسف للرؤيا عرف كيف استخدم هذه السنة، وتأمل وتدبر قولَ ربك الذي بيد مفاتيح الفرج: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}(الشرح: 5- 6) قال ابن عباس وغيره: «لنْ يغلبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن»، فإذا اشتدَّ الحبلُ انقطَعَ، وإذا أظلمَ الليلُ انقشَعَ، وإذا ضاقَ الأمرُ اتَّسَعَ، وبعدَ الجوع شبَعٌ، وعقب الظمأِ رِيٌّ، وإثر المرض عافيةٌ، والفقرُ يعقبُه الغنى، والهمُّ يتلوه السرورُ، سَنَّةٌ ثابتةٌ، وتدبّرْ سورة {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} وتذكرْها عند الشدائدِ، واعلمْ أنها من أعظمِ الأدويةِ عند الأزماتِ، ولن يغلبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ.

القاعدة العاشرة: تجمَّل بالصبر وتحلَّ بالرضا

تجمَّل بالصبر، وتحلَّ بالرضا، واحتسب الأجر، وتذكر ما أعده الله لأهل البلاء، وفي الأثر: «يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاَءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ».

القاعدة الحادية عشرة: عليك بالدعاء

     عليك بالدعاء، فسهامه صائبة بإذن الله، إذا وقعت المصيبةُ، وحلّتِ النكبةُ وجثمتِ الكارثةُ، نادى المصابُ المنكوبُ: يا الله، وإذا أُوصدتِ الأبوابُ أمام الطالبين، وأُسدِلتِ الستورُ في وجوهِ السائلين، صاحوا: يا الله، وإذا بارتِ الحيلُ وضاقتِ السُّبُلُ وانتهتِ الآمالُ وتقطَّعتِ الحبالُ، نادوا: يا الله، وإذا ضاقتْ عليك الأرضُ بما رحُبتْ وضاقتْ عليك نفسُك بما حملتْ، فاهتفْ: يا الله، إليه يصعدُ الكلِمُ الطيبُ، والدعاءُ الخالصُ، والهاتفُ الصَّادقُ، والدَّمعُ البريءُ، والتفجُّع الوالِهُ، إليه تُمدُّ الأكُفُّ في الأسْحارِ، والأيادي في الحاجات، والأعينُ في الملمَّاتِ، والأسئلةُ في الحوادث، باسمهِ تشدو الألسنُ وتستغيثُ وتلهجُ وتنادي، وبذكرهِ تطمئنُّ القلوبُ وتسكنُ الأرواحُ، وتهدأُ المشاعر وتبردُ الأعصابُ، ويثوبُ الرُّشْدُ، ويستقرُّ اليقينُ.

ريان وأطفال المسلمين

     إن قصة ريان نبهتنا إلى مآسي مئات أطفال المسلمين المشردين حول العالم الذين لا بواكي لهم، فكم من ريان في بقاع عدة مات بالعطش والجوع والجفاف! وكم من ريان تعرض لعاصفة خلعته من يد أمه، أو مات في حفرة البحث عن ملجأ يقيم فيه، أو مات على الحدود بين دولتين، دولة طاردة له، وأخرى ترفض أن تستقبله، أو مات وقذفت به الأمواج إلى ساحلها شاهدًا على كون بأكمله تردد في نجدته! إنها مآسي مئات أطفال المسلمين المشردين حول العالم الذين لا بواكي لهم؛ فدموعهم تجمدت مع زخات قطع الثلج والبرد.

 

أطفال غزة

     ربما عاش أطفال غزة ويعيشون حالة مختلفة؛ إذ إن كثيرين منهم مرّوا بتجارب عدة للحروب، التي لم تنته بعد ويلاتها ومآسيها، وربما كبر بعضهم ممن نجوا من الحروب، وهم يحملون ندوبا (أنين وتوجع) نفسية غائرة، بفعل المشاهد التي مرت بهم خلال تلك الحروب، التي شاهدوا خلالها أقارب وجيران لهم يقضون، ويتحولون إلى أشلاء تحت القصف الإسرائيلي، في حين ما يزال كثيرون منهم يعيشون مشردين، أو يقيمون لدى عائلات أقاربهم بعد أن فقد أهلهم منازلهم خلال الحرب.

     وقد أظهرت عدد من تقارير حقوق الإنسان أن 9 أطفال من بين كل 10 -في قطاع غزة- يعانون مختلف أنواع الصدمات المتصلة بالنزاع، كما أدت الحروب المتكررة التي تتعرض لها غزة، إلى التأثير على العملية التعليمية، ومستقبل العديد من الأطفال، في وقت رصد فيه تقرير للأمم المتحدة العام الماضي 1031 انتهاكًا ضدّ الأطفال الفلسطينيين في عام 2020.

 

أطفال سوريا

      على مدى أكثر من عشر سنوات، ما يزال أطفال سوريا، الضحية الأكبر للحرب التي تشهدها بلادهم، وبجانب عشرات آلاف الأطفال الذين قتلوا خلال تلك الحرب، فإن هناك عشرات الآلاف الآخرين، ممن لايزالون يواصلون رحلة النزوح، وهم يفقدون خلالها كل فرص الحياة الطبيعية، من استقرار وتعليم منتظم بما يسهم في تحويلهم إلى ضحايا، وقد أثرت موجة الصقيع الأخيرة، التي ضربت منطقة الشرق الأوسط، أسوأ تأثير على حال الأطفال السوريين، الذين يعيشون مع عائلاتهم حياة مزرية، في مخيمات للنازحين شمال البلاد، وقد أكدت منظمات إنسانية عدة وفاة طفلتين، بسبب البرد القارس، خلال تلك الموجة الأخيرة، وعبرت عن صدمتها تجاه ما يعانيه الأطفال السوريون في مخيمات النازحين، التي تفتقر إلى أدنى مستويات الحياة الكريمة.

 

أطفال اليمن

     وبعد ما يزيد على ست سنوات من الحرب المدمرة، تشير تقديرات وزارة الصحة اليمنية، إلى أن هناك أكثر من مئة ألف طفل يمني، يموتون سنويا نتيجة الأمراض الفتاكة، في حين تكشف تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، عن أن نحو مليوني طفل، يعانون من سوء التغذية الحاد في بلد يصنف ضمن أسوأ البلدان لحياة الأطفال في العالم، وبجانب ما يعانية الأطفال اليمنيون من أمراض وجوع، وتشريد وقصف جوي، فإنهم يواجهون أخطارا أخرى، منها: خطر الألغام وظاهرة التجنيد القسري، ووفقا لأحد التقارير، التي كانت قد نشرتها صحيفة الجارديان البريطانية، فإنه -وبجانب الجوع وهجر مقاعد الدراسة- فإن الفتيات في اليمن يعانين أيضا من مأساة زواج الأطفال، ووفقا لمنظمة اليونيسف، فإن الأطراف المتحاربة في اليمن، هاجمت المدارس مئات المرات منذ عام 2015، وهو ما أسفر عن تدمير العديد منها، وكذلك أدى إلى تزايد المخاوف لدى الأطفال من التوجه للمدرسة.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك