رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 28 سبتمبر، 2022 0 تعليق

الطريق إلى تحقيق الأمن على النفس والعقل والعرض

يحتاج العبد إلى حفظ دينه، ويحتاج الحفاظ على نفسه التي يقوم بها الدين وهي محل التكليف، ويحتاج لحفظ العقل الذي هو محل تلقي الخطاب والعقل عن رب العالمين، كما يحتاج إلى امتداد نسله آمنا مطمئنا على عرضه وذريته، تلك من احتياجات النفس الإنسانية، وقد تكفَّل بها اللطيف الخبير، فمَن راوَغ عن شرع ربه أو زاغ عنه، فإنما يضر نفسه ويضيعها في الدنيا والآخرة. والعاقل مَن عقل عن ربه خطابه.

أولا: حماية النفس وحفظها

     يؤمّن الإسلام الفرد من كل اعتداء، قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة»، وقال يوم النحر في خطبة الوداع: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا...» الحديث.

ثانيا: القصاص

     وشرع الله -عز وجل- القصاص في قتل العمد، حفاظا على الأنفس، وحياةً لها. وذلك في قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 178-179).

     وتوعَّد الله -عز وجل- قاتل العمد بالعذاب العظيم يوم القيامة قال -سبحانه-: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء:93)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصِب دما حراما».

     كما شرَع الكفارة في قتل الخطأ وذلك في قوله -تعالى-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا..} الآية (النساء: 92).

ثالثا: حرمة الاعتداء على النفس

     كما حرم الله -عز وجل- الاعتداء على النفس فيما دون القتل كالضرب أو إتلاف عضو من أعضاء الجسد، وشرع في ذلك القصاص وذلك في قوله -تعالى-: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (المائدة: 45).

رابعا: عدم الإسراف

     الأمر بالأكل والشرب من غير إسراف، قال -تعالى-: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ..}  (الأعراف: 31-32) وذلك للحفاظ على بقاء الحياة، وقوة الجسم، وصحته.

     ومن ذلك إباحة أكل الميتة والمحرمات عند انعدام الأكل الحلال، من باب الضرورة، للحفاظ على النفس من التلف؛ قال -تعالى-: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (البقرة: 173).

خامسا: النهي عن الإشارة بالسلاح

     النهي عن الإشارة بالسلاح إلى المعصوم خشية إيذائه بجرح، أو إتلاف عضو، أو قتل عن طريق الخطأ والمزاح؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار».

سادسا: الأمر بالتداوي

     الأمر بالتداوي للمحافظة على عافية البدن، والنهي عن إيراد ممرض على مُصحّ، ولا سيما إذا جعل الله -عز وجل- في المرض خاصية العدوى. قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام»، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يورَدَن ممرض على مصح».

حماية العقل مما يتلفه أو يضره

أولا: تحريم كل مسكر

     تحريم كل مسكر ومخدر، ومُذهب للعقل، أو مضعف له قال الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} (المائدة: 90-91). وقد رتَّب الشارع حد الجلد عقوبةً لشارب المسكِر.

ثانيا: التحذير من الوساوس الشيطانية

     التحذير من الوساوس الشيطانية، والخواطر الرديئة التي إن فُسح لها المجال فإنها تؤذي العقل وتغتاله، وتجعله نهبا للأفكار والوساوس السيئة التي تقوده إلى الاضطراب والقلق والحيرة.

     كما شرع لحفظ العقل ما شُرع لحفظ الجسم ووقايته من الآفات؛ فكما أن الطعام والشراب ضروریان لحفظ النفس، فهما أيضا ضروريان لحفظ العقل والتفكير السليم.

ثالثا: تحريم كل ما من شأنه أن يتلف العقل

     تحريم كل ما من شأنه أن يتلف العقل، أو يُضعفه، أو يُصيّر صاحبه مجنونا أو سفيها، أو يجعله مصابا بالأمراض النفسية التي تحد من نشاطه؛ بحيث يكون سلبيا انعزاليا، أو تهيّجه؛ بحيث يكون عدوانيا متهورا. وهذه الآفات تأتي إما من الاعتداء على الرأس، وما يحويه من المخ والأعصاب، أو تناول المخدرات والمنبهات والمفترات، أو بتراكم الهموم والمصائب والأحداث التي لا يكون لصاحبها مخرج منها ولم يجد من يواسيه، ويفرّج عنه كربته، ويقضي حاجته مع القدرة على ذلك؛ ولذلك جاء في شرعنا المطهر الأمر بإغاثة الملهوف، وتفريج الكرب عن المكروبين، وتسلية المصابين، والتيسير على المعسرين، والانطلاق في حاجة المحتاجين، وهذه بدورها تخفف على أهل المصائب والكربات كرباتهم، وتضعف من تأثيرها الضاغط على العقل والتفكير، قال - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة».

رابعا: النهي عن مجالسة أهل الأهواء والشبهات

     النهي عن مجالسة أهل الأهواء والشبهات، أو القراءة في كتبهم؛ لما في ذلك من تلويث للعقل السليم، وسبب من أسباب انحرافه واضطرابه، واختلال موازينه وتفكيره.

حماية عِرض المسلم

أولا: تحريم التجسس على المسلم

     تحريم التجسس على المسلم، وإساءة الظن به، وتحريم الغيبة والنميمة؛ حمايةً لعِرض المسلم من أن يُنتهك، أو يمس بسوء، ولِما في ذلك من الإفساد والإحزان للمسلم. قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} (الحجرات:12).

ثانيا: تحريم السخرية والتنابز بالألقاب

     تحريم السخرية والتنابز بالألقاب؛ لما في ذلك من إحزان المسخور منه، ولما يترتب على ذلك من الشحناء والإحن والبغضاء. قال الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات: 11).

ثالثا: الأمر بغض البصر

     الأمر بغض البصر عن النساء الأجنبيات والرجال الأجانب حماية للعرض والنسل؛ وذلك لما يقود إلى الفتنة، والوقوع في الزنا الذي يدنس الأعراض ويخلط الأنساب والنسل؛ قال الله -تعالى-: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا..} الآيات (النور: 30-31).

رابعا: نهْي النساء عن التبرج

     نهْي النساء عن التبرج، وإظهار الزينة المحرَّمة للرجال الأجانب، وأمرهن بالحجاب حفاظا على عِرض المسلم والمسلمة، وصيانة لهما من الابتذال والاعتداء.

     وثمرة ذلك الشعور بالأمن والأمان على الأعراض والأنساب. قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (الأحزاب: 59).

ومن ذلك النهي عن الخلوة بالمرأة الأجنبية لقوله:«لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم».

خامسا: تحریم سب المسلم ولعْنه

     تحریم سب المسلم ولعْنه، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم مَن سلم المسلمون من لسانه ويده». وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر».

سادسا: تحريم الزنا

تحريم الزنا والعقوبة المغلظة لمرتكبِه؛ وذلك بالرجم حتى الموت للمحصَن، أو الجلد مائة جلدة للبكر مع التغريب.

سابعا: تحریم قذف المسلمين

     تحریم قذف المسلمين والمسلمات في أعراضهم، دون بيّنة شرعية؛ وفي ذلك صيانة لعِرض المسلم من الابتذال وإشعار له بالأمن والأمان؛ قال الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 4).

     ومن ذلك تحريم أذى الجار والاعتداء عليه في نفسه أو عرضه أو ماله؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: ومَن یا رسول الله؟َ قال الذي لا يأمَن جارُه بوائقَه». ولَمّا سُئل الرسول - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الذنب أعظم؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قلت: إن ذلك لعظيم، قال: قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم أيّ؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك».

الإسلام يحفظ الإنسان

     الإسلام بشموله وربانيته يحفظ الإنسان في أعلى مستوى من الإنسانية الكريمة والحفظ الأمين؛ فيحفظ له دينه ويحفظ له النفس العقل والعرض، ولن يجد الإنسان هذا الحفظ بهذا التوازن إلا فيما أنزله خالق الإنسان؛ ففي منهج الله كل تكريم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك