الطريق إلى الولد الصالح (4) القدوة الصالحة من أهم خطوات التربية الإسلامية
التربية الإسلامية المتكاملة:
على الآباء والأمهات أن يعلموا أن أمر التربية ليس بالأمر اليسير، وإنما هو المحرك الأساسي لسلوك الولد فيما بعد؛ ولذا كان يجب على المربين سواء كانوا آباء أم أمهات أم معلمين أن يهتموا بأمر التربية ويتقنوا أصولها، ولقد كان المسلمون الأوائل ينتقون لأولادهم أفضل المؤدبين علماً وأحسنهم خلقاً، وأميزهم أسلوباً وطريقة، وإليك طرفاً من أخبارهم:
روى الجاحظ أن عقبة بن أبي سفيان لما دفع ولده إلى المؤدب قال له: «ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح بني إصلاح نفسك؛ فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت، وعلمهم سير الحكماء، وأخلاق الأدباء، وتهددهم بي، وأدبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء، ولا تتكلن على عذر مني؛ فإني اتكلت على كفاية منك».
وروى ابن خلدون في (مقدمته) أن هارون الرشيد لما دفع ولده الأمين إلى المؤدب قال له: «يا أحمد، إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه، وثمرة قلبه، فصيِّر يدك عليه مبسوطة، وطاعتك له واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين، أقرئه القرآن، وعرفه الأخبار، وروّه الأشعار وعلمه السنن، وبصره بمواقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته، ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه، وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة».
وقال عبد الملك بن مروان ينصح مؤدب ولده: «علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، واحملهم على الأخلاق الجميلة، وروّهم الشعر يشجعوا وينجدوا، وجالس بهم أشراف الرجال وأهل العلم منهم، وجنبهم السفلة والخدم فإنهم أسوأ الناس أدبا، ووقرهم في العلانية وأنبهم في السر، واضربهم على الكذب؛ فإن الكذب يدعو إلى الفجور، وإن الفجور يدعو إلى النار».
وقال الحجاج لمؤدب بنيه: «علمهم السباحة قبل الكتابة؛ فإنهم يجدون من يكتب عنهم، ولا يجدون من يسبح عنهم».
وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل الشام يقول لهم: «علموا أولادكم السباحة والرمي والفروسية».
وقال أحد الحكماء لمعلم ولده: «لا تخرجهم من علم إلى علم حتى يحكموه؛ فإن اصطكاك العلم في السمع، وازدحامه في الوهم مضلة للفهم».
ومن وصية ابن سينا في تربية الولد: «أن يكون مع الصبي في مكتبه صبية حسنة آدابهم، مرضية عاداتهم؛ لأن الصبي عن الصبى ألقن، وهو عنه آخذ، وبه آنس».
وقال هشام بن عبد الملك لسليمان الكلبي مؤدب ولده: «إن ابني هذا هو جلدة ما بين عيني، وقد وليتك تأديبه، فعليك بتقوى الله، وأد الأمانة، وأول ما أوصيك به أن تأخذه بكتاب الله، ثم روه من الشعر أحسنه، ثم تخلل به في أحياء العرب، فخذ من صالح شعرهم وبصره طرفاً من الحلال والحرام، والخطب والمغازي».
أصول التربية:
لابد للمربين من معرفة أصول التربية الإسلامية والإلمام بجميع جوانبها؛ حتى يقوموا بها خير قيام ويعدوا لنا الجيل الذي يعود بالأمة المسلمة إلى سيرة الأسلاف الكرام الذين سادوا الأرض بعزة الإيمان، وهاكم أصولها:
أولاً- التربية الإيمانية:
المقصود بالتربية الإيمانية ربط الولد منذ صغره بأصول الإيمان، وتعويده منذ تفهمه أركان الإسلام، وتعليمه من حين تمييزه مبادئ الشريعة الغراء.
تعليمه أصول الإيمان مثل: الإيمان بالله سبحانه، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب، والإيمان بالرسل، الإيمان بسؤال الملكين، وعذاب القبر، والبعث، والحساب، والجنة والنار، وسائر المغيبات، وتعليمه أركان الإسلام مثل: الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج.
وتعليمه مبادئ الشريعة مثل: أقضية الإسلام، وأحكامه، وقوانينه، ونظمه، وينتج عن ذلك أمور عدة:
1- حب الله تعالى: وذلك بلفت نظر الطفل إلى نعم الله التي لا تعد ولا تحصى، فمثلاً لو جلس الوالد مع ولده على الطعام فقال له: هل تعلم يا بني من أعطانا هذا الطعام؟ فيقول الولد: من يا أبت؟ فيقول الأب: الله، فيقول الولد: كيف؟ فيقول الأب: لأن الله هو الذي رزقنا ورزق الناس جميعاً، أو ليس هذا الإله بأحق أن تحبه يا ولدي؟! سيجيب الولد: بلى.
ولو مرض الولد مثلاً فيعوده الوالد على الدعاء، فيقول له: ادع الله أن يشفيك؛ لأنه هو الذي يملك الشفاء، ثم يحضر له الطبيب ويقول له: هذا الطبيب سبب فقط ولكن الشفاء من عند الله، فإذا قدر الله له الشفاء يقول: اشكر الله يا ولدي، ثم يبين له فضل الله فيحبه؛ لأنه هو الذي أكرمه بالشفاء. وهكذا في كل مناسبة وعند كل نعمة يربطها بالمنعم؛ حتى يغرس حب الله في قلب الولد الصغير.
2- حب الرسول[: وذلك بتعليمه مواقف الرسول[ وشجاعته، ووفاءه، وحلمه، وكرمه، وصبره، وإخلاصه، وبهذا يحب الولد نبيه[.
3- مراقبة الله تبارك وتعالى: وذلك لأنه يعلم أن الله مطلع عليه في كل حركة وسكنة فسيراقبه، ويخشاه، ويخلص في عمله ابتغاء مرضاة الله.
4- أحكام الحلال والحرام: وذلك لأن المربي سيبين له الحرام حتى يجتنبه، والحلال المباح كي يفعله، والآداب الإسلامية كي يمتثلها.
وخلاصة القول أن مسؤولية التربية الإيمانية لدى المربين والآباء، والأمهات هي مسؤولية هامة وخطيرة لكونها منبع الفضائل ومبعث الكمالات، بل هي الركيزة الأساسية لدخول الولد في حظيرة الإيمان. وبدون هذه التربية لا ينهض الولد بمسؤولية، ولا يتصف بأمانة، ولا يعرف غاية، ولا يتحقق بمعنى الإنسانية الفاضلة، ولا يعمل لمثل أعلى ولا هدف نبيل، بل يعيش عيشة البهائم ليس له هم سوى أن يسد جوعته، ويشبع غريزته، وينطلق وراء الشهوات والملذات، ويصاحب الأشقياء والمجرمين.
فعلى الأب أو المربي ألا يترك فرصة سانحة تمر إلا وقد زود الولد بالبراهين التي تدل على الله، وبالإرشادات التي تثبت الإيمان وبالصفات التي تقوي جانب العقيدة.
وهذا أسلوب فعال في ترسيخ العقيدة في نفوس الصغار، ولقد استعمله رسول الله[، فها هو ينتهز فرصة ركوب عبد الله بن عباس خلفه على حمار فيقول له: «يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف». وهاهو يرى غلاماً تطيش يده في الصحفة أثناء تناوله الطعام فيقول له: «يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك».
لاتوجد تعليقات