الطريق إلى الاصلاح الاقتصادي
المثل الصيني يقول: إن الأزمة فرصة للتطوير، ونحن في الكويت فعلا ننشط مع الأزمات للإصلاح الاقتصادي والإداري، ففي منتصف الثمانينيات انخفض النفط إلى ٥ دولار للبرميل؛ مما جعل الحكومة الكويتية تنشىء لجان التطوير الإداري لإصلاح الجهاز التنفيذي للدولة، وفعلا في ذلك الوقت وضعت هذه اللجان دراسات وتوصيات رائعة، ولكن النفط عاود إلى الارتفاع مرة أخرى فتم مع الأسف إهمال هذه التوصيات والعودة إلى الوضع السابق، وتم بعدها تكوين لجان واستدعاء خبراء مثل (بلير) رئيس الوزراء البريطاني السابق ووضعت دراسات، ولكنها مع الأسف استخدمت للاستهلاك الإعلامي، وذهبت إلى الأدراج مرة أخرى دون تنفيذ، والكويت تنعمت بعشر سنوات بفائض مالي كبير جدا يقدر ب ١٠٠ مليار، وكان المفترض أن تستخدم لإيجاد كويت جديدة وإنشاء خطة تنمية مستدامة، واقتصاد إنتاجي يكون بديلا للدخل النفطي.
ولكن مع الأسف تم استخدامها لإنشاء مبان وجسور بأسعار أقل ما يقال فيها: إنها أسعارٌ مبالغ فيها، ويتفاجأ العالم بالإنتاج الأمريكي للنفط الصخري الذي حولها من أكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم إلى دولة مصدرة للنفط؛ مما أصاب أسعار النفط في مقتل، وانخفضت الأسعار بطريقة قياسية أحالت الفائض المالي للدول المصدرة للنفط إلى عجز مالي، ومرة أخرى تقوم الكويت بوضع سياسة إصلاح اقتصادي مرة أخرى.
ولكن هذه السياسة أيضا كانت ردة فعل سريعة لانخفاض أسعار النفط، وواضح أن هدفها تخفيض المصروفات الحكومية وزيادة الرسوم ورفع الدعم، وليست سياسة إصلاح حقيقي للاقتصاد، فأي إصلاح للاقتصاد الكويتي بحاجة إلى استراتيجية متوسطة أو بعيدة المدى؛ لأن الإصلاح لاقتصادي كان يعتمد على الإيرادات النفطية منذ خمسين عاماً لا يمكن إصلاحه خلال سنة أو سنتين وأيضا لابد أن تكون الرؤية واضحة جدا، وهدف أساس وهو إيجاد مصادر بديلة للدخل النفطي، واقتصاد إنتاجي تنافسي حر بعيدا عن الاحتكار والإنفاق الحكومي، وتجارب كثير من الدول التي نجحت في تحويل اقتصادياتها بعيدا عن الموارد الطبيعية مثل ماليزيا ونيوزلندا والإمارات عملت من خلال استراتيجيات بعيدة المدي ونجحت في ذلك، والأهم في النجاح عند التحول الاقتصادي والإصلاح ثلاثة أمور مهمة جدا وهي: الإيمان التام والإخلاص من الإدارة العليا للحكومة بتبني الإصلاحات الاقتصادية مثل: (مهاتير) الذي آمن إيماناً كاملاً بالتحول الاقتصادي والإداري لدولته من مصدرة للموارد الطبيعية مثل النفط وزيت النخيل والمطاط إلى دولة صناعية غير معتمدة على تصدير الموارد الطبيعية، ونجح في ذلك من خلال استراتيجيته ٢٠٢٠، والقصد أن يكون لنا استراتيجية طموحة لا تقل عن استراتيجية (مهاتير) و(محمد بن سلمان)، و(إيمان تام)ومتابعة من رئيس الوزراء نفسه، والأمر الآخر الجهاز التنفيذي القائم على تنفيذ السياسات والاستراتيجية الاقتصادية وسياسات الإصلاح لابد من إعادة هيكلته؛ ليكون قادراً على تنفيذ الإصلاح والتغيير الاقتصادي بعيدا عن المزايدات السياسية وتعيين القياديين للولاء السياسي والعائلي والقبلي، والأمر الثالث والمهم الشراكة المجتمعية؛ إذ لابد من إشراك قطاعات المجتمع المختلفة بالتغيير الاقتصادي من خلال الشركات المساهمة ومن خلال توفير الوظائف للعمالة الوطنية، وإشراك المشاريع الصغيرة في جميع أعمال التغيير ودعمها دعماً حقيقياً وجعلها المكون الأكبر للاقتصاد الكويتي والقضاء على الاحتكار ومحاربة التضخم.
وجدير بالذكر أن أهم القواعد التي اتبعتها تاتشر في تحويل الاقتصاد البريطاني من اقتصاد حزب العمال الاشتراكي إلى اقتصاد تنافسي حر من خلال سياسات الخصخصة إلى أنها اتبعت سياسة الشراكة المجتمعية بأن أتاحت لجميع البريطانيين المشاركة من خلال أسعار مخفضة جدا، فشركة النفط البي بي كان سعر سهمها نصف جنية استرليني، فيجب أن يشعر المواطن أنه شريك في التنمية، ونتبع سياسة الشراكة المجتمعية من خلال الشركات المساهمة، وتوفير لآلاف الوظائف للعمالة الوطنية، والتنافس الحر والقضاء على الاحتكار وإعطاء الفرصة للمشاريع الصغيرة للمساهمة في مشاريع التنمية والبناء الاقتصادي الجديد ومحاربة التضخم في جميع احوالة وتطبيق القانون وتحولنا إلى دولة مؤسسات وقانون لا نقل فيها عن سنغافورة.
لاتوجد تعليقات