رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. عاطف الرفاعي 28 سبتمبر، 2020 0 تعليق

الطريق إلى الاستقامة (1) أعمدة الاستقامة

 

في الطريق إلى الاستقامة جاء التوجيه النبوي الشريف للمؤمنين في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وخذ من حياتك لموتك ومن صحتك لمرضك»، وكان ابن عمر - رضي الله عنه - يقول: «إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح»، فلابد للإنسان أن يتذكر دوما لماذا خُلق في هذه الحياة الدنيا؟ وعلى أي حال ينبغي أن يكون فيها؟

وهذا الحديث الشريف يُذَكِّر المؤمنين ويعظهم مَرَّاتٍ ومَرَّاتٍ كل يوم، وقد اشتمل على أمورٍ عدة:

 حالهم في الدنيا

- الأمر الأول: أن حالهم في الدنيا لا يخرج عن أحد حالين: إما أن يكون غريبًا فيها، مقيمًا في دار الغربة، كل همه أن يتزود للرجوع إلى أهله، ووطنه، وإلى آخرته، التي هي وطنه الأصلي، أو أن يكون مسافرًا يقطع المراحل حتى ينتهي إلى الموت، فيستصحب كل يوم زاداً يوصله إلى الآخرة، ويتخفف من كل زاد يقطعه عن السفر، وأن يحذر المعوقات من المرض والفقر والغنى والموت والساعة والدجال والفتن في أمر نفسه، وفي أمر الخاصة التي تنزل به فلا يستطيع أن يُعِدَّ ما يتجهز به للقاء الله -تعالى-، وكل ذلك حذَّر منه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأمر المؤمنين بأن يكونوا على أحد هذين الحالين السابقَيْن.

المبادرة بالأعمال الصالحة

- والأمر الثاني: أمرهم أن يبادروا بالأعمال الصالحة، قبل أن تكون الفتن، والانشغال عن أمر الله، ثم يُفاجَؤُون بالموت.

- والأمر الثالث: نبههم على قطع أملهم في الدنيا، وأنه ينبغي أن يحاسبوا أنفسهم؛ لأنه يوشك أن يرحلوا إلى الله -تعالى- في يومهم، أو في ليلتهم.

      ومن ثم كانت الموعظة مهمة لأهل الإيمان ليعودوا إلى ما ينبغي أن يكونوا عليه من الاستعداد للقاء الله -تعالى-، وأن يتنبهوا إلى أنَّ حالهم الذي يؤخرهم عن الله -تعالى-، ويبعدهم عنه، ويوقع في قلوبهم الغفلة، وطول الأمل، ويوقعهم في المراء، والجدال، والخصام، والشقاق، والتعصب، والتنابز، إلى غير ذلك مما وقع - لحال سيئ، ينبغي المسارعة إلى الخروج منه والابتعاد عنه.

وقفة تأمل

     وفي الطريق إلى الاستقامة - بالإضافة إلى حديث ابن عمر - رضي الله عنه -ما السابق - يجب الوقوف والتأمل للتوجيه الثاني من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن»، فهذه الوصيةُ وصيةٌ عظيمة، جامعة لحقوق الله، وحقوق عباده؛ فإن حق الله على عباده أن يتقوه حق تقاته، وأصل التقوى: أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه، ويحذره وقاية تقيه منه، فتقوى العبد لربه: أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه، وسخطه، وعقابه وقاية تقيه من ذلك، وهو فعل طاعته، واجتناب معاصيه.

     وتارة تضاف التقوى إلى اسم الله -عز وجل-، كقوله -تعالى-: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة: 2). فإذا أضيفت التقوى إليه -سبحانه- فالمعنى: اتقوا سخطه، وغضبه وهو أعظم ما يُتقي، وعن ذلك ينشأ عقابه الدنيوي، والأخروي: قال -تعالى-: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} (المدثر: 56) فهو -سبحانه- أهل أن يُخشى، ويُهاب، ويُجل، ويُعظم في صدور عباده؛ حتى يعبدوه، ويطيعوه؛ لما يستحقه من الإجلال، والإكرام، وصفات الكبرياء، والعظمة، وقوة البطش، وشدة البأس.

التقوى الكاملة

     ويدخل في التقوى الكاملة، فعل الواجبات، وترك المحرمات، والشبهات، وربما دخل فيها بعد ذلك فعل المندوبات، وترك المكروهات، وهي أعلى درجات التقوى، فقوله -صلى الله عليه وسلم-: «اتق الله حيثما كنت»، ومراده في السر والعلانية؛ حيث يراه الناس؛ وحيث لا يرونه، قال معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: يُنادى يوم القيامة أين المتقون؟ فيقومون في كنف من الرحمن، لا يحتجب منهم، ولا يستتر. قالوا له: من المتقون؟ قال قوم اتقوا الشرك، وعبادة الأوثان، وأخلصوا لله بالعبادة، وقال ابن عباس - رضي الله عنه -: المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدي، ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به، وقال الحسن البصري -رحمه الله-: المتقون اتقوا ما حرم الله عليهم، وأدوا ما افترض الله عليهم، وقال عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله-: ليس تقوى الله بصيام النهار، ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله، فمن رزق بعد ذلك خيرا، فهو خير إلى خير، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: في قوله -تعالى- {اتقوا الله حق تقاته } (آل عمران: 102). قال: أن يطاع فلا يعصي، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، وشكره يدخل فيه فعل الطاعات جميعها، ومعنى ذكره فلا ينسى، ذكر العبد بقلبه لأوامر الله، في حركاته، وسكناته، وكلماته فيمتثلها، ولنواهيه في ذلك كله فيجتنبها.

وأتبع السيئة الحسنة تمحها

     وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «وأتبع السيئة الحسنة تمحها» لما كان العبد مأمورا بالتقوى في السر، والعلانية، مع أنه لا بد أن يقع منه أحيانا تفريط في التقوى، إما بترك بعض المأمورات، أو بارتكاب بعض المحظورات، فأمره بأن يفعل ما يمحو به هذه السيئة، وهو أن يتبعها بالحسنة، قال الله -عز وجل-: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (هود: 114).

من صفات المتقين

     وذكر -سبحانه- من صفات المتقين فقال -تعالى-: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران:135). وصفهم بأنهم إذا فعلوا فاحشة، أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله؛ فاستغفروا لذنوبهم، ولم يصروا عليها، فدل على أن المتقين قد يقع منهم أحيانا كبائر، وهي الفواحش، وصغائر، وهي ظلم النفس، لكنهم لا يصرون عليها، بل يذكرون الله عقب وقوعها، ويستغفرونه، ويتوبون إليه منها، والتوبة هي ترك الإصرار، ومعنى قوله -تعالى-: {ذكروا الله} ذكروا عظمته، وشدة بطشه، وانتقامه، وما يُوعِد به على المعصية من العقاب؛ فيوجب ذلك لهم الرجوع في الحال، والاستغفار، وترك الإصرار.

معانٍ جليلة

     وقد اشتمل هذان الحديثان على معانٍ جليلة، شديدة الأهمية، هي الأساس المتين، والمدخل الواسع، إلى عالم الاستقامة، هذه المعاني إن أدركها المؤمنون، وصدَقوا في تلمس طرق النجاة من خلالها؛ فقد وضعوا أقدامهم على أول طريق الاستقامة، واستعدوا للدخول في سلك المستقيمين.

أعمدة الاستقامة

مما سبق يمكننا أن نحدد تلك الأعمدة التي تقوم عليها، استقامةَ المَرْء:

- معرفة الغاية من الخلق.

- التزام المؤمن لحال من اثنين: الغريب، أو المسافر، ولا ثالث لهما.

- المبادرة بالأعمال الصالحة الليل والنهار.

- قصر الأمل ومحاسبة النفس.

- تقوى الله، وهي فعل الواجبات والمندوبات، واجتناب المحرمات والمكروهات والشبهات.

- رعاية الأحوال بدوام التوبة والاستغفار وترك الإصرار على الذنب.

- كف الأذى عن الخَلْق وبذل الندى إليهم وهو غاية حسن الخُلُق.

 

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك