الطريـق إلى النفـس المطمئـنة
الحمد لله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
فقد أشارت صحيفة الشرق الأوسط إلى أن إجمالي ما ينفقه المواطنون العرب على ممارسات الشعوذة المتنوعة يصل إلى خمسة مليارات دولار سنوياً، وأن هناك مشعوذاً لكل ألف نسمة وأن العالم العربي به أكثر من ربع مليون مشعوذ ودجال، وقد قام الدكتور محمد عبد العظيم بمركز البحوث الجنائية في القاهرة بدراسة حول السحر والشعوذة في العالم توضح أنَّ 250 ألف دجَّال يمارسون أنشطة الشعوذة في عموم الدول العربية، وأنَّ العرب ينفقون خمسة مليارات دولار سنويًّا في هذا المجال, وتؤكد الإحصائيات أنه يوجد في العالم العربي عرَّافٌ أو مشعوذٌ لكل ألف نسمة.
وفي دراسة أخرى أعدتها الدكتورة سامية الساعاتي عن السحر والشعوذة ونشرها موقع (الجزيرة) أكدت أنَّ 55% من المترددات على السحرة هنَّ من المتعلمات ومن المثقفات، و24% ممن يُجدن القراءة، وتعلق الدكتورة علياء شكري- أستاذ علم الاجتماع والفلكلور في جامعة عين شمس- على هذه الدراسة قائلةً: إنَّ هذه الأرقام كبيرة جدًا، ومن الصعب التحديد في هذه الموضوعات التي تأخذ طابعًا سريًّا في الغالب؛ ولذا فإنه من المتوقع أنَّ الأرقام قد تكون أكبر من ذلك بكثيرٍ جدًا!
ولأهمية هذا الموضوع أحببت أن أضع بين يدي القارئ العربي برنامجاً علاجياً يستطيع أن يطبقه على نفسه دون اللجوء للدجالين أو المشعوذين، وإذا عجز عن التطبيق فليذهب إلى أهل الطب والتخصص؛ ولذلك جعلت عنوان هذه السلسلة «الطريق إلى النفس المطمئنة»، سائلا ربي عز وجل أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال.
ما السبب؟
سؤال كلنا نسأله: ما السبب في هذه الاضطرابات النفسية والاجتماعية التي تعانيها البشرية جمعاء؟ وإليكم في البداية هذه الإحصائيات المفزعة التي تم نشرها على موقع منظمة الصحة العالمية:
1- مرض الفصام العقلي (الشيزوفرينيا): ويعد من أسوأ الاضطرابات العقلية من حيث تأثيره على التفكير والسلوك، ويبلغ عدد حالات الفصام في بلدان العالم 45 مليون إنسان، وتصل نسبة الإصابة إلى 1% من السكان في أي مجتمع ، ويمثل مرضى الفصام أكثر من 90% من نزلاء المصحات والمستشفيات العقلية.
2- الاكتئاب النفسي : يطلق على الاكتئاب مرض العصر الحالي، وهو أحد أكثر الأمراض النفسية انتشارا، ويقدر عدد حالات الاكتئاب في العالم بحوالي 340 مليون حالة، ونسبة الإصابة بالاكتئاب تصل إلى 7% من سكان العالم، ويؤدي إلى ما يقرب من 800 ألف حالة انتحار كل عام.
3- حالات الخرف: تحدث هذه الحالات عادة في الشيخوخة، وتصاحبها تغييرات في الجهاز العصبي لكبار السن تؤدي إلى تدهور الذاكرة والسلوك وكل العمليات العقلية، وعدد هذه الحالات في دول العالم حوالي 25 مليون شخص في الوقت الحالي، وينتظر أن يزيد هذا العدد ليصل إلى 80 مليون شخص بعد سنوات عدة.
4- التخلف العقلي: ينشأ التخلف العقلي عن نقص الذكاء وعدم اكتمال نمو العقل، وتتراوح هذه الحالات في شدتها ودرجاتها، وتصل نسبة الإصابة بالحالات المتوسطة والشديدة منها إلى 2-4% من السكان، ويقدر عدد الحالات بحوالي 100 مليون إنسان.
4- أمراض أخرى: من الأمراض النفسية والعصبية الأخرى التي وردت في إحصائيات منظمة الصحة العالمية والاضطرابات التي تسبب العجز والإعاقة العقلية مرض الصرع، وهو أحد أكثر الأمراض العصبية انتشارا، ويتميز بنوبات من فقدان الوعي والتشنجات، وله أنواع متعددة، ويقدر عدد الحالات بحوالي 40 مليون شخص في العالم
5- مرض الوسواس القهري الذي اعتقد الأطباء لوقت طويل أنه نادر الحدوث، لكن الأرقام تشير إلى نسبة انتشار عالية لهذه الحالات تقدر بحوالي 3% من الناس .
6- مرض السرطان: أصدر متخصصو الوقاية من السرطان تحذيرا شديد اللهجة من أن العالم سوف يشهد زيادة انتشار مرض السرطان خلال الـ20 عاما القادمة، ومن المقدر أن يصل عدد الحالات المصابة بالسرطان على مستوى العالم ما بين عامى (2008 و2030) إلى الضعف، من 12.4 مليون حالة جديدة كل عام إلى حوالي 26.4 مليونا.
7- مرض القلب: ومن موقع منظمة الصحة العالمية هذه الإحصائية المفزعة « من المتوقع أن يقضي 20 مليون نسمة نحبهم، بحلول عام 2015، جرّاء الأمراض القلبية الوعائية، وجرّاء أمراض القلب والسكتة الدماغية على وجه التحديد، ومن المتوقّع أن تظلّ هذه الأمراض في صدارة أهمّ مسبّبات الوفيات.
8- أمراض القلوب مثل الحقد والحسد والكراهية والغيبة والنميمة والقطيعة بين المسلمين وغيرها من الأمراض التي تحرق أصحابها قبل الآخرين.
كل هذه الأمراض وغيرها جعلتني أقف كثيرًا للبحث عن السبب ثم العلاج بطريقة علمية سليمة بعيدة عن الخرافات، وحتى لا أطيل في هذه النقطة أبدأ بعرض الأسباب التي أدت إلى انتشار هذا الكم الهائل من الأمراض، وذلك من خلال القرآن الكريم.
السر في آية الابتلاء!
يقول الله تعالى في سورة البقرة: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة: 155- 157)، إن المتأمل لهذه الآية المباركة يجد كل أسباب الاضطرابات النفسية والاجتماعية والسياسية التي تصيب العالم أجمع، ثم تضع للعالم كيفية النجاة من هذه الاضطرابات، ويمكن تقسيم الآية الكريمة إلى العناصر الآتية:
أولا: حقيقة الدنيا متمثلة في الابتلاء والاختبار.
ثانيا: طبيعة الاختبار والابتلاء: الخوف، الجوع، الفقر، الموت، والأزمات الاقتصادية.
ثالثا: العقلاء هم أصحاب الفكر الراقي الذين سينجحون في هذا الاختبار وهم الصابرون؛ لأن لكل شيء جوهرا وجوهر الإنسان العقل وجوهر العقل الصبر!
رابعا: طريق النجاة متمثل في القول الثابت الذي لا يقبل الشك {إنا لله وإنا إليه راجعون}.
خامسا: النتيجة الحتمية لكل ما سبق: صلوات من الله تعني المغفرة، والرحمة ثم الاهتداء إلى طريق الجنة والوصول إلى أرقى أنواع النعيم وهو التمتع برؤية الله عز وجل.
وفى اللقاء القادم إن شاء الله نستكمل أهم هذه الأسباب وطرق علاجها.
د صلاح هارون أستاذ الصحة النفسية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
لاتوجد تعليقات