الطريـــق إلى النـــفـس المطمئــنة (4)-الخـوف مـن المــرض
د صلاح هارون أستاذ الصحة النفسية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
من الناس من يظن أن المرض نهاية المطاف فاستسلموا له وسيطر عليهم اليأس وتملكهم، ومنهم من انتحر ومنهم من اشتكى الخالق للمخلوق؛ ولذلك فإنني آثرت أن أتحدث مع كل مريض على حدة لنتعرف على طبيعة مرضه ، وسنساعده في الوصول إلى النفس المطمئنة الراضية بقضاء الله:
سيدنا أيوب عليه السلام
{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَـابِدِينَ} (الأنبياء: 83- 84) هو أيـــوب بن موص بن رعويل بن العيص ابن إسحاق بن يعقوب ، وقيل غير ذلك في نسبه، وحكى ابن عساكر أن أمه بنت لوط عليه السلام، وقيل: كان أبوه ممن آمن بإبراهيم عليه السلام يوم ألقي في النار فلم تحرقه، والمشهور الأول، ذكر الإمام القرطبي في تفسيره :
قوله تعالى: {وأيوب إذ نادى ربه} أي واذكر أيوب إذ نادى ربه {أني مسني الضر}، أي نالني في بدني ضر وفي مالي وأهلي. قال ابن عباس: سمي أيوب لأنه آب إلى الله تعالى في كل حال. وروي أن أيوب عليه السلام كان رجلا من الروم ذا مال عظيم، وكان برا تقيا رحيما بالمساكين يكفل الأيتام والأرامل ويكرم الضيف ويبلّغ ابن السبيل، شاكرا لأنعم الله تعالى، وقال علماء التفسير والتاريخ وغيرهم: كان أيوب رجلاً كثير المال من سائر صنوفه وأنواعه من الأنعام والعبيد والمواشي ، والأراضي المتسعة بأرض الثنية من أرض حوران، وحكى ابن عساكر : أنها كلها كانت له وكان له أولاد وأهلون كثير فسلب منه ذلك جميعه، وابتلي في جسده بأنواع من البلاء ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه، يذكر الله عز وجل بهما وهو في ذلك صابر محتسب ذاكر لله عز وجل في ليله ونهاره وصباحه ومسائه.
قوله: {مسني الضر} ذكر الرازي في تفسيره: روى ابن شهاب عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله[: «إن أيوب عليه السلام بقي في البلاء ثماني عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان ويروحان إليه، فقال أحدهما للآخر ذات يوم : والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ فقال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله تعالى ولم يكشف ما به، فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك لأيوب عليه السلام. فقال أيوب: ما أدري ما تقولون، غير أن الله تعالى يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله عز وجل فأرجع إلى بيتي فأكفّر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق»، وفي رواية أخرى: «أن الرجلين لما دخلا عليه وجدا ريحاً فقالا: لو كان لأيوب عند الله خير ما بلغ إلى هذه الحالة، قال: فما شق على أيوب شيء مما ابتلي به أشد مما سمع منهما ، فقال : اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت شبعانَ وأنا أعلم بمكان جائع فصدّقني، فصدّقه وهما يسمعان، ثم خر أيوب عليه السلام ساجداً ثم قال : اللهم إني لا أرفع رأسي حتى تكشف ما بي، قال: فكشف الله ما به».
مما سبق يتضح وقوع البلاء النفسي على سيدنا أيوب في كلام الناس عنه ولذلك فقد تعرض لكل أنواع البلاء ولكنه كان صابراً.
قوله تعالى: {فكشفنا ما به من ضر} ذكر الفخر الرازي فى تفسيره: {اركض بِرِجْلِكَ}، فالمعنى أنه لما شكا من الشيطان، فكأنه سأل ربه أن يزيل عنه تلك البلية فأجابه الله إليه بأن قال له: {اركض بِرِجْلِكَ} والركض هو الدفع القوي بالرجل، ومنه ركضك الفرس، والتقدير: قلنا له اركض برجلك، قيل: إنه ضرب برجله تلك الأرض فنبعت عين فقيل: {هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} أي هذا ماء تغتسل به فيبرأ باطنك، وظاهر اللفظ يدل على أنه نبعت له عين واحدة من الماء اغتسل فيها وشرب منها، والمفسرون قالوا نبعت له عينان فاغتسل من إحداهما وشرب من الأخرى، فذهب الداء من ظاهره ومن باطنه بإذن الله ، وقيل: ضرب برجله اليمنى فنبعت عين حارة فاغتسل منها ثم باليسرى فنبعت عين باردة فشرب منها.
وذكر القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: {وآتيناه أهله ومثلهم معهم}. قال مجاهد وعكرمة: قيل لأيوب[: قد آتيناك أهلك في الجنة فإن شئت تركناهم لك في الجنة وإن شئت آتيناكهم في الدنيا. قال مجاهد: فتركهم الله عز وجل له في الجنة وأعطاه مثلهم في الدنيا.
إن الكثير من الناس يعتقد أن بلاء أيوب الأصعب في فقدانه لصحته وأهله وماله ، ولكن هذا الاعتقاد يعد غير صحيحاً؛ لأن مرحلة الصحة والقوة والمال والولد هي الابتلاء الأصعب فى حياة سيدنا أيوب عليه السلام وقد نجح فيها لأنه {نعم العبد إنه أواب}، فلم يغتر بماله ولا بصحته بل استخدم النعم في طاعة الله عز وجل .
فإذا كنت تعاني الصداع أحب أن أُذكَرك بالأحاديث النبوية التي تضع كل مرضى الصداع في مرتبة النفوس المطمئنة الراضية، ويكفيك شرفا أن الحبيب النبي[ كان مصاباً بالصداع، فقد روى البخاري في كتاب الطب (5347)عن ابن عباس: احتجم النبي[ في رأسه وهو محرم من وجع كان به بماء يقال له لحي جمل، وقال محمد بن سواء: أخبرنا هشام عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله[ احتجم وهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به، وقد أخرج أحمد من حديث بريدة أنه[ كان ربما أخذته الشقيقة; فيمكث اليوم واليومين لا يخرج، وقد ذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي له أن هذا النوع كان يصيب النبي[ فيمكث اليوم واليومين ولا يخرج . وفيه عن ابن عباس قال: خطبنا رسول الله[ وقد عصب رأسه بعصابة، وفى الصحيح أنه قال في مرض موته: «وارأساه» وكان يعصب رأسه في مرضه .
يا الله، صلى الله عليك يا رسول الله، يمكث في بيته اليوم والاثنين من شدة الصداع الذي لحق به[، يا سعادة من أبتُلي بالصداع وصبر كصبر النبي[ وروى أحمد في مسنده (21221) عن أبي الدرداء يقول: سمعت رسول الله[ يقول: «إن الصداع والمليلة لا تزال بالمؤمن وإن ذنبه مثل أحد فما تدعه وعليه من ذلك مثقال حبة من خردل»، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله[ يقول: «ما ضرب على مؤمن عرق قط إلا حط الله عنه خطيئة وكتب له حسنة ورفع له درجة» رواه الطبراني في (الأوسط)وإسناده حسن .
وإذا كنت تعاني من الحمى وهناك جملة من الأحاديث التي ذكرها علاء الدين البرهان فوري في كتابه «كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال» ما يلي:
1- الحمى حظ كل مؤمن من النار، وحمى ليلة تكفر خطايا سنة.
2- إنما مثل المؤمن حين يصيبه الوعك والحمى كمثل حديدة تدخل النار فيذهب خبثها ويبقى طيبها .
4- أبشروا فإن الله يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار يوم القيامة .
5- «لا تسبي الحمى؛ فإنها تذهب خطايا ابن آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد».
6 - تجري الحسنات على صاحب الحمى ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق .
7 - «لا تسبي الحمى؛ فإنها تنفي الذنوب، كما تنفي النار خبث الحديد».
وفى اللقاء القادم إن شاء الله سنختم أسباب الاضطرابات النفسية بالخوف من الموت، ثم ننتقل إلى الشفاء بالقرآن لكل هذه الأمراض النفسية والاجتماعية والاقتصادية بطريقة نفسية إسلامية.
لاتوجد تعليقات