رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د صلاح هارون 6 ديسمبر، 2010 0 تعليق

الطريـــق إلى النـــفـس المطمئــنة (3)

 

د صلاح هارون أستاذ الصحة النفسية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة

أستكمل مع حضراتكم قضية الخوف من الرزق التي ما زلنا نبحث عنها لنصل إلى طريق الأمن والطمأنينة، فالخوف من الرزق أحد أسباب الاضطرابات النفسية والاجتماعية والسياسية ، فلو كان كل فرد راضياً عن ربه فيما أعطاه من النعم لزال الحقد والحسد من قلوب الناس جميعاً، فهيا بنا نحمد الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ، فإن كنت فقيراً أجب عن الأسئلة الآتية:


هل تقبل أن يأخذ منك الغني نعمة الريق بمليون دينار؟

 هل تقبل أن يأخذ منك نعمة التبول بمليون أخرى؟

هل تقبل أن يأخذ منك قدميك ويديك  بمليار دينار؟

 هل تقبل أن يمنع عنك الماء ولا تشرب أبدا ليشرب مكانك وتأخذ المال الذي تريد؟

هل تقبل أن تبيع عينيك لرجل غني وسيعطيك ما تطلب من الأموال، ما تريد؟

فإن كانت إجابتك: لا طبعاً مستحيل، فأنت من الأغنياء ولست فقيراً كما تدعى، فاحمد الله على كل هذه النعم، بالله عليك لو أعطيتك مالاً لتسد دينك فماذا ستصنع معي؟ بالطبع ستشكرني ولن تنسى الجميل. فاقرأ معي الآن قصة حاتم الأصم، التي ذكرها محمد أمين الجندي في كتابه «مائة قصة وقصة»  فلقد أراد حاتم الأصم أن يحج إلى بيت الله فقالت زوجته: ليس في البيت طعام ، أتتركنا بلا مأوى ؟ فقالت ابنته عبارة في قمة الروعة : اذهب يا أبت  إلى حج بيت الله فإنك  لست برازق ؟ وذهب حاتم إلى الحج ، وبعد أن رحل من بيته وهو في الطريق إلى مكة ، مر أمير بلدة حاتم على بيته وأراد الماء فجاؤوا له بكوب من الماء من بيت حاتم ، فقال الأمير: بيت من هذا؟ فقالوا: بيت حاتم الأصم، فقال: لابد أن نكرم صاحب هذا البيت في غيابه، فألقى نقوداً من الذهب وأمر جنوده بإلقاء المال في بيت حاتم، ففرحت الأم وأولادها فرحاً شديداً، فقالت الأخت لأمها وأخواتها جملة تقشعر منها الجلود والأبدان، جملة يجب أن ننظر فيها بعمق وحب معاً، قالت: يا أماه هذا مخلوق قد نظر إلينا بعينه ففرحنا فكيف لو نظر الخالق إلينا.

   مما سبق يتضح لنا بما لا شك فيه أن جزعنا وخوفنا من الرزق لا مسوغ له لأن الله ضمن لنا الرزق ونحن في بطون أمهاتنا فلا داعي للقلق ولابد أن نحمد الله على كل نعمه ونثق في ذلك لتطمئن نفوسنا.

يوم لك ويوم عليك

   يجب على كل صاحب نعمة أن يتقي الله عز وجل ويستخدم نعم الله في طاعة الله، ولا يستغلها في معصية الله، فكيف نستخدم النعمة في  معصية المنعم؟! وفي كتاب: «مائة قصة وقصة» حكاية رائعة تحكي لنا حقيقة الدنيا التي نلهث وراءها، بل تمادى كثير من الناس فظنوا أنهم سيخلدون فيها وتناسوا الموت، فقد حكى المؤلف أن رجلاً جلس يوماً يأكل هو وزوجته وبين أيديهما دجاجة مشوية فوقف سائل ببابه فخرج إليه وانتهره وطرده . ودارت الأيام وافتقر هذا الرجل وزالت نعمته حتى إنه طلق زوجته . وتزوجت من بعده برجل آخر فجلس يأكل معها في بعض الأيام وبين أيديهما دجاجة مشوية وإذا بسائل يطرق الباب، فقال الرجل لزوجته: ادفعي إليه هذه الدجاجة، فخرجت بها إليه فإذا به زوجها الأول فأعطته الدجاجة ورجعت وهي تبكي إلى زوجها، فسألها عن بكائها فأخبرته أن السائل كان زوجها وذكرت له قصتها مع ذلك السائل الذي انتهره زوجها الأول وطرده، فقال لها زوجها: ومم تعجبين وأنا والله السائل الأول؟!

أحاديث نبوية تطمئن القلب

يجب على كل مسلم أن يثق في كلام رسول الله[، وها هو الحبيب[ يطمئن النفس المضطربة التي تخاف من الرزق:

رزقك مكتوب وأنت جنين

في صحيح البخاري في كتاب الحيض (312)  «عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس بن مالك  عن النبي[ قال: إن الله عز وجل وكل بالرحم ملكا يقول: يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة، فإذا أراد أن يقضي خلقه قال: أذكر أم أنثى، شقي أم سعيد، فما الرزق والأجل؟ فيكتب في بطن أمه» اطمئني أيتها النفس الخائفة من الرزق فرزقك مكتوب وأنت في بطن الأم ما عليكِ إلا السعي .

عليك بالطاعة

 في صحيح البخاري في كتاب البيوع (1961) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:  سمعت رسول الله[ يقول: «من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه»، أيتها النفس المضطربة إذا ضاقت بكِ الدنيا فاذهبي إلى أحد الأقارب صلة للرحم ولتعلمي أن الكرب بمشيئة الله سينكشف وسيتحول العسر إلى يسر .

البعد عن المعصية والاجتهاد في الطلب

  وأخرج ابن ماجه والحاكم وصححه عن جابر رفعه: «أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب؛ فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته».

 وعن أبي الدرداء مرفوعاً: «إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله» وللبيهقي عن جابر رفعه: «لا تستبطئوا الرزق فإنه لم يكن عبد يموت حتى يبلغه آخر الرزق فأجملوا في الطلب».      

  وأما حديث ابن ماجه والترمذي والحاكم وصححاه عن عمر رفعه: «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطانًا» فقال الإمام أحمد: فيه ما يدل على الطلب لا القعود، أراد لو توكلوا في ذهابهم ومجيئهم وتصرفهم وعلموا أن الخير بيده ومن عنده لم ينصرفوا إلا سالمين غانمين كالطير ، ولكنهم يعتمدون على قوتهم وكسبهم وهذا خلاف التوكل.

النبيون قدوتنا

النبيون هم أفضل الخلق وبالرغم من اصطفائهم إلا أنهم كانوا يعملون ويكسبون من عمل أيديهم ولقد كان لهم عليهم الصلاة والسلام مهن وحرف صناعية شريفة، كمهنة نوح عليه السلام في صناعة السفن، وحرفة داوود عليه السلام في صناعته للدروع، واشتغل موسى عليه السلام برعي الغنم عند شعيب عليه السلام عشر سنين أجيراً في أرض مدين، واشتغل النبي عليه السلام بالتجارة في مال خديجة رضي الله عنها، وقبل ذلك كله عمل إدريس عليه السلام بالحياكة، وبذر آدم عليه السلام الأرض وحرثها وعمل فيها.

ماذا تريد؟

 كل إنسان على وجه الأرض يبحث عن المال وبعضهم لا يبالى إن كان حلالاً أو حراماً، ولذلك كان لابد أن أذكر نفسي وإياكم بأن القضية كلها ليست في المال ولكنها في حلاله أو حرامه، وعلينا أن نتذكر يوم القيامة بكل ما يحدث فيه وعلى كل غني أو طالب للمال أن يتذكر شخصين وعليه أن يختار مع من سيسير؟ عليه أن يختار بين سليمان عليه السلام وبين قارون، وأبدأ بسيدنا سليمان عليه السلام لنتعلم منه الشكر على الرزق الذي ساقه الله إليه والى والده النبى داوود عليهما السلام ونبدأ بإحصاء مختصر لنعم الله عليه:

نعمة الفهم أفضل من نعمة المال!

   نعمة الفهم من أعظم النعم التي منحها الله لسليمان عليه السلام حيث يقول الله عز وجل: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِين} (الأنبياء: 78 - 79) ذكر المفسرون: «أن زرعًا دخلت فيه غنم لقوم ليلاً فأكلته وأفسدته، فجاء المتخاصمون إلى داوود  عليه السلام  وعنده سليمان، وقصوا عليه القصة، فحكم داوود  عليه السلام بالغنم لصاحب الزرع عوضًا عن حرثه الذي أتلفته الغنم ليلاً، فلما خرج الخصمان على سليمان وكان يجلس على الباب الذي يخرج منه الخصوم، وهو ابن إحدى عشرة سنة قال: بم قضى بينكما نبي الله داوود  عليه السلام؟ فلما علم قال: انصرفا معي، فأتى أباه فقال: يا نبي الله إنك حكمت بكذا وكذا، وإني رأيت ما هو أرفق بالجميع، قال: وما هو؟ قال: ينبغي أن تدفع الغنم إلى صاحب الحرث فينتفع بألبانها وسمونها وأصوافها، وتدفع الحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه، فإذا عاد الزرع إلى حاله التي أصابته الغنم في السنة المقبلة. رد كل واحد منهما ماله إلى صاحبه، فقال داوود  عليه السلام : وفقت يا بني لا يقطع الله فهمك، وقضى بما قضى به سليمان».  وفى اللقاء القادم إن شاء الله نستكمل هذه النعمة العظيمة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك