رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: بهاء محمود 27 يناير، 2015 0 تعليق

الطب الشعبي في غزة..- علاج متوارث ويزيد الاعتماد عليه في وقت الأزمات

يدير حازم أبو جبل مع والده عيادة متخصصة في العلاج بالطب الشعبي وسط مدينة غزة؛ إذ يرتادها يوميًا العشرات من السكان المحليين بغية العلاج من أمراض طارئة ومزمنة، كالاضطرابات النفسية والخوف والصرع، التي تنجم غالبًا نتيجة ظروف الحصار الإسرائيلي الخانق منذ سبعة أعوام تخللتها ثلاثة حروب مدمرة.

     ويخضع المريض في عيادة أبو جبل لجلسات عدة  علاجية تنتهي في أغلب الأحيان بنتيجة إيجابية، ويتعدى الأمر مجرد معالجة من يعانون مشكلات خوف وأرق واضطراب نفسي، إلى حضور كثيرين ممن يعانون عدم الإنجاب.

     ويقول أبو جبل خلال حديثه لمجلة (الفرقان): «الكثير من أهالي قطاع غزة يأتون إلينا بهدف العلاج من مشكلات تكون طارئة وحتى مزمنة، وبعضهم يفضل العلاج في منازلهم، ومن بينهم أصحاب شهادات علمية مرموقة».

     ويؤكد أبو جبل أن الكثير ممن ترددوا على عيادته انتهت معاناتهم بفضل العلاج الشعبي، منوهًا إلى أنه بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة الصيف الماضي، أصبح الغالبية وجلهم من الأطفال يأتون بهدف العلاج من الخوف والتوتر والاضطرابات النفسية التي تسببت بها أصوات الانفجارات ومشاهد الأشلاء والدماء والدمار.

     الدكتور أيمن السحباني مدير قسم الاستقبال والطوارئ في مجمع الشفاء، أكبر مجمع طبي في قطاع غزة، يُعد العلاج بالطب الشعبي مجرد «طب شعبي يفتقر إلى الأسس العلمية السليمة». غير أنه أقر بأن هذا الطب يحظى بالتقدير لدى أطباء متخصصين، لكن مع ضرورة اللجوء إليه في حال فشل العلاج بمعرفة أطباء المستشفيات والعيادات الخاصة. ويؤكد أبو جبل من جهته، أن عيادته قائمة منذ أربعين عامًا، وقد اكتسب مهنته هذه من والده من خلال ملازمته الدائمة له واطلاعه على ما يقوم به من علاج للمواطنين.

     وقال: «اكتسبت هذه الخبرة عن والدي ووالدي بدوره ورثها عن جدي». من جهته، يؤكد الدكتور زكريا السنوار المتخصص في تاريخ الثقافة الفلسطينية والمحاضر بالجامعة الإسلامية بغزة، أن مهنة العلاج بالطب الشعبي قديمة في قطاع غزة منذ زمن الانتداب البريطاني لفلسطين.

     ويقول السنوار خلال حديثه لمجلة (الفرقان): بأنه رغم التطور الحاصل في بريطانيا آنذاك، إلا أن سلطات الانتداب لم تهتم بإنشاء المؤسسات الصحية في فلسطين؛ لذلك كان السكان الفلسطينيون يضطرون إلى البحث عن بديل آخر لعلاج أنفسهم، ومن هنا أوجد العلاج الطب الشعبي مكانًا له في صفوف عامة الناس، وشيئا فشيئا زاد الاعتماد عليه كثيرا.

     ويضيف: «كان السكان يستخدمون النباتات وبذورها وزيوتها فضلا عن الأعشاب، ولاسيما في الأرياف والقرى، في الوقت الذي كان يتوفر فيه في بعض المدن عدد قليل من المستشفيات لكن لا يقدم على العلاج فيها إلا من يمتلك الأموال وكانوا قلة قليلة».

     ويقول السنوار: إن الكثير من المرضى اعتادوا القدوم إلى شخص حكيم يمتلك الخبرة في المداواة بالطب الشعبي؛ حيث يأتي ببعض النباتات والأعشاب ويخلطها مع بعضها جيدًا، ويقدمها للمريض إما مأكولة أو مشروبة.

     وخلال فترة الانتفاضة الأولى عام 1987، شهد العلاج بالطب الشعبي إقبالًا ملحوظًا من جانب الفلسطينيين، حينما أقر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق (إسحق شامير) سياسة كسر عظام النشطاء الفلسطينيين بهدف إجهاض شرارة الانتفاضة ضد الاحتلال.

     ويقول السنوار: «كان جيش الاحتلال يلجأ إلى كسر عظام الشباب الفلسطيني بالعصوات أو الهراوات أو الحجارة بهدف ردعهم، وكان يلاحقهم داخل المستشفيات بعد إصابتهم؛ لذا كان الشبان يضطرون إلى إتيان المعالجين بالطب الشعبي سرا لتجبيرهم بطرائق بدائية».

     ويؤكد أن الأدوات المستعملة في العلاج كانت بسيطة لكنها ذات فعالية جيدة جدًا في العلاج، ويشير إلى وجود الكثير من المعالجين بالطب الشعبي ولكن لا يمكن تركيز الحديث على شخصية قديمة متخصصة في هذا المجال؛ فهذه المهنة انتشرت توارثيا من الآباء إلى الأبناء.

ويتابع: «يعدّ المعالج بالطب الشعبي بمثابة الصيدلي والطبيب والمجبر للكسور والمعالج للأمراض النفسية، وكان الناس يثقون به، ويلتزمون بما يقره لهم من علاجات مناسبة».

     ويروي السنوار قصة رجل من بين قصص كثيرة، عاش مدة خمسة عشر عامًا يعاني هزالاً في الجسم لدرجة أنه لا يقوى على المشي، دون أي سبب ظاهر، فشاهده رجل له خبرة في العلاج بالطب الشعبي، فقال له: ما تعانيه سببه «خوفة قديمة حدثت معك».

      ثم أخذه إلى بيته وأجرى له «قطع خوفة»، وما هي إلا ساعات حتى عاد الرجل إلى بيته يمشي مشيًا طبيعيًا. ويعتمد قطع الخوفة على التدليك الطبيعي للمناطق، التي تتجمع فيها الغدد الليمفاوية في الجسد، التي يستطيع المختصون في هذا النوع من العلاج معرفتها بسهولة.

     ويوضح حازم أبو جبل كيفية العلاج بالقول: «الخوف والحزن يسببان انتفاخا في الغدد الليمفاوية؛ الأمر الذي يقلل من ضخ الدم في الجسد، وتنتج عن ذلك أمراض ومضاعفات خطيرة إن لم يتم العلاج سريعا».

      ويؤكد أن العلاج بـ(قطع الخوفة) ليس أمراً جديداً «بل هو قديم جداً وربما يعود إلى عصور ما قبل التاريخ، وما يميّزه أنه يسهم سريعا في تحسين الحالة الجسدية والنفسية على حد سواء للمريض، من خلال قليل من التدليك الطبيعي المتخصص».

      ويشير السنوار من جهته، إلى أهمية (الداية) قبل قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994 وبداية بناء المستشفيات، وهي المرأة المتخصصة في توليد النساء؛ حيث كانت تأتيها حوامل القرية والقرى المجاورة إلى بيتها بهدف الوضع، كما كانت تقوم بالعناية بالطفل وتحميمه بعد ولادته، كما كانت تأتيها الراغبات في الحمل؛ حيث كانت تقدم لهن وصفات علاجية من الأعشاب، لكن دورها تلاشى مع ظهور المستشفيات والعيادات المتخصصة.

ويضيف السنوار: «كان الناس يتعاملون مع مهنة العلاج بالطب الشعبي من باب التوكل على الله».

      وينوه إلى أن الحلاق أو الرجل المسن الحاذق أو الداية هم الأشخاص الذين يقومون بمهمة العلاج، وكانوا يستشيرون العطار الصيدلي الشعبي للحصول على الدواء المناسب. ولاقت فكرة الحديث العلاج بالطب الشعبي في غزة استحسان السنوار. الفائز بجائزة الجودة العربية للتراث عن العام الماضي، وصاحب كتاب (العادات والتقاليد في حياة الإنسان الفلسطيني).

     يختم السنوار حديثه بالقول: «نحن بحاجة إلى اهتمام بدراسة التراث الفلسطيني والإسلامي؛ لأن التراث كنز للأجيال المتتابعة التي تفخر بتاريخها وتراثها»، مضيفا: «ليس له مكان أو وجود بين الأمم من لا يفخر بتراثه».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك