رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: رجب أبو بسيسة 10 أغسطس، 2017 0 تعليق

الطاعة والعبادة من أهم القضايا التي يُبنى عليها صلاح الشباب واستقامتهم

 

إن الطاعة والعبادة من أهم القضايا التي ينبني عليها صحة استقامة الشاب، وهي قضية لا ينبغي أن تهمل؛ ولذلك فالمربي له دور مهم جداً في غرس حب الطاعة وحب العبادة في نفوس الجيل الذي يربيه، حتى يكون جيلا قويا جلدا، يصبر أمام الفتن والمحن.

الانفتاح دون ضوابط

     فأنت ترى أيها المربي في الواقع الذي تعيشه الأمة الآن كيف أصبحت قضية العبادة والطاعة والتنسّك عند الأجيال في آخر الاهتمامات؟ وكيف ضعفت في زحمة الحياة المادية وصخبها؟ وأصبح اهتمام الشباب بمتابعة الموضة والفن والعلاقات العاطفية المحرمة، ومتابعة البرامج الهابطة والحوارات الساخنة، فضلاً عن العكوف على مواقع التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية.

     فظاهرة الانفتاح دون ضوابط شرعية تحتاج إلى وقفة وتأمل وتركيز في كيفية  ترشيدها، والتعامل الأمثل معها، فنقول: لا مانع من الانفتاح، ولكن بالمحافظة علي المنهج السليم واستقامة الفرد وحفظ هويته، وترتيب الأولويات، وإتيان الأهم فالمهم، مع تحذير المتربي من الذوبان في هذه الظواهر، وتنبيهه عل ألا يكون كالحمامة التي أرادت أن تقلّد الغراب في مشيته، فنسيت مشيتها، ولم تستطع أن تقلّده، فلم تحصّل هذا ولا ذاك!

     إذاً هذا أمر يستدعي منا يقظة وتوجيها وتفكيرا في مثل هذه الأمور؛ وبناء علي ذلك فإننا لا بد وأن نركز على معان بنائية ووقائية عدة أثناء تربية الجيل وتأهيله، فبدون إرشاده وتوجيهه بهذه المعاني نكون كمن ألقاه في اليم مكتوفا وقال له: إياك إياك أن تبتل بالماء!

ربط الشباب باليوم الآخر

     أن تربط الشاب باليوم الآخر، حتى يكون همه الآخرة وعدم الانشغال عنها بالدنيا ومتاعها، قال -تعالى-: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)} (الإنسان:8-12)، وانظر إلى ذلك المربي الفاضل أبي هريرة - رضي الله عنه- عندما دخل سوق المدينة، ورأى الناس قد انشغلوا بالدنيا، فأراد أن يحذرهم من حقيقتها، وينبههم لحقيقة الآخرة، فوقف في وسط السوق وقال: «يا أهل السوق، ما أعجزكم!» قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: «ذاك ميراث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قيسم، وأنتم ها هنا لا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه» قالوا: وأين هو؟ قال: «في المسجد» فخرجوا سراعا إلى المسجد، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا، فقال لهم: «ما لكم؟» قالوا: يا أبا هريرة، قد أتينا المسجد فدخلنا، فلم نر فيه شيئا يُقَسَّم. فقال لهم أبو هريرة: «أما رأيتم في المسجد أحدا؟» قالوا: بلـى، رأينا قوما يصلون، وقوما يقرؤون القرآن، وقوما يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة: «ويحكم، فذاك ميراث محمد -صلى الله عليه وسلم -».

فتعظيم الشاب لليوم الآخر وكثرة التفكير فيه يدفعه دفعا للعبادة والطاعة؛ لأنه سيفكر في مصيره غدا بين يدي الله -سبحانه وتعالـى.

هيئة العبادة وحقيقتها

- التفريق بين هيئة العبادة وحقيقة العبادة؛ فكل عمل له هيئة وله حقيقة، فعبادة الصلاة مثلا هي أداء أقوال وحركات مخصوصة بهيئة مخصوصة في أوقات مخصوصة، فهذه هيئة الصلاة، ولكن حقيقة الصلاة أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال -تعالى-: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} (العنكبوت: ٤٥).

     ومما يعينه على فهم هذا المعنى أن يسأل نفسه دائما بعد أداء الطاعة والعبادة: هل قبلت منه أم لا؟ فهذا التفكير يدفعه لتحقيق العبادة على أكمل وجه، فلا ينصرف ذهنه إلى أداء الحركات والهيئات فقط، بل يبحث عن أسباب القبول والرضا.

     وتأمل هذا الموقف! جاء سائل إلى ابن عمر -رضي الله عنهما-، فقال لابنه: أعطه دينارا، فقال له ابنه: تقبل الله منك يا أبتاه، فقال: لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة أو صدقة درهم واحد، لم يكن غائب أحب إلي من الموت! أتدري ممن يتقبل؟ إنما يتقبل الله من المتقين.

الورد اليومي

- أن تُعِّود الشاب على أن يكون له ورد يومي، ليس من القرآن فقط، بل من القرآن والأذكار والسنن والصيام والحفظ والمراجعة، وتقليل المباحات كالنوم والأكل والمخالطة.

     ثم اعلم أنه بجانب الأوراد اليومية لابد أن يتعود المتربي على الذاتية في الطاعة؛ فانظر-مثلا- إلى قول النبي -صلى الله عليه وسلم - لربيعة بن كعب عندما طلب مرافقته في الجنة، قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود»؛ فالمربي الماهر هو الذي يغرس فيمن يربيهم الحث الذاتي على فعل الطاعات وحب الأوراد والحفاظ عليها، وأن يجعل ذلك عند الطالب بمثابة المقياس لمدى التزامه واستقامته.

حراسة الخواطر

- حراسة الخواطر والحذر من الاسترسال فيها؛ ولابن القيم -رحمه الله- كلام بديع في التحذير من الخواطر السيئة والوساوس الشيطانية؛ حيث يقول -رحمه الله- في (طريق الهجرتين): «قاعدة في ذكر طريق يوصل إلى الاستقامة في الحوال والأقوال والأعمال، وهي شيئان: أحدهما: حراسة الخواطر وحفظها، والحذر من إهمالها والاسترسال معها، فإن أصل الفساد كله من قبلها يجيء؛ لأنها بذر الشيطان والنفس في أرض القلب، فإذا تمكن بذرها تعاهدها الشيطان بسقيه مرة بعد أخرى حتى تصير إرادات، ثم يسقيها حتى تكون عزائم، ثم لا يزال بها حتى تثمر الأعمال، ولا ريب أن دفع الخواطر أيسر من دفع الإرادات والعزائم، فيجد العبد نفسه عاجزا أو كالعاجز عن دفعها بعد أن صارت إرادة جازمة، وهو المفرط إذا لم يدفعها وهي خاطر ضعيف، كمن تهاون بشرارة من نار وقعت في حطب يابس، فلما تمكنت منه عجز عن إطفائها!».

وقال -رحمه الله- في الفوائد أيضا: «إياك أن تمكن الشيطان من بيت أفكارك وإرادتك؛ فإنه يفسدها عليك فسادا يصعب تداركه».

حقيقة الاستقامة

- حقيقة الاستقامة تظهر عند الخلوة وعند الأزمة؛ لأن بعض الشباب عندما يختلي بنفسه قد يضعف أمام المعاصي، قال تعالي: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} (النساء:108)، فما أجمل أن يراقب الشاب ربه في خلوته، وأن يسارع في مرضاته؛ فلا بد أن ننمي عند الشاب روح الذاتية، وأن نربيه على الرقابة؛ لأن فعل المعاصي حال خلوته سيجعل استقامته مجروحة!

     وكذلك عند حدوث الأزمات يتربى على أن يصبر وأن يحتسب، وأن يقول: «إنا لله وإنا إليه راجعون» وإذا لم يترب على هذا المعنى فستكون تلك الأزمات سبب سقوطه؛ لأن أغلب الناس عند العافية يظهر عليهم حُسن السمت والاستقامة، ولكن عند الأزمات يظهر وجه آخر وسلوك آخر، وصدق من قال: «الفتن كاشفة».

الوحي والهوى

- إن معركة الأمس واليوم والغد معركة بين الوحي والهوى، وهي مستمرة حتى قيام الساعة! قال -تعالى-: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} (ص:26)، فمن المهم أثناء عملية التربية أن نؤكد على قضية التعرف على الوحي والانحياز له والدفاع والذب عنه، وأن يحذر الإنسان من الهوى وأساليب الغواية؛ فإن صاحب الهوى كلما اشتهى شيئا أتاه، ولا يمنعه من ذلك شرع ولا دين! يقول ابن القيم -رحمه الله-: «الهوى شر داء خالط قلبا». وللمعلم والمربي دور أصيل في الوقاية من آفة اتباع الهوى وربط الشباب بالاستقامة على الوحي، فالمربي ينشيء شبابه على معنى قوله -تعالى-: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (الجاثية:18) ويغرس فيهم قوله -تعالى-: {فاستقم كما أمرت} (هود:112).

الوقت هو الحياة

- كل شيء له عوض إلا الوقت؛ فإنه إذا مضى لا يستدرك؛ فالأنفاس تعد، والرحال تشد، والعارية ترد، فكم يحتاج المعلم إلى غرس قيمة الوقت وأهميته في نفوس من يربيهم ، ولاسيما ونحن نعيش في زمن أصبحت سمته إضاعة الأوقات! ومواقع التواصل الاجتماعي أكبر شاهد على ذلك، وما واقع كرة القدم والاهتمام بمشاهدتها عنا ببعيد!

     فانظر إلى حجم الطاقات المهدرة، والأوقات المبعثرة التي تنبئ عن خلل ضخم في معرفة قيمة الأوقات، قال -صلى الله عليه وسلم -: «نعمتان مغبون فيهما كثيرم ن الناس: الصحة والفراغ»؛ فلابد أن نحذر الشباب من خطورة الفراغ، ونبين لهم كيف دمر تضييع الأوقات حياة الكثير من الشباب؟ وكيف ضيع على كثير منهم فرصا عظيمة؟! فالوقت هو رأس المال الحقيقي للإنسان، والذي إن لم يستغله في الدنيا استغلالا حسنا كان وبالا عليه في الآخرة، فقد قال -صلى الله عليه وسلم -: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل: عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه..» الحديث، وكان بائع الثلة في نيسابور يقول: «ارحموا من ضاع رأس ماله»؛ لأنه يدرك قيمة الوقت.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك