رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فَتْحي بِن عَبدِ الله المَوْصِليِّ 10 نوفمبر، 2020 0 تعليق

الضَوابِطُ الشَّرعِيَةُ في الدِّفاعِ عَنِ النَبيِّ – صلى الله عليه وسلم الحلقة الأولى

 

المطلوب من العباد في كل وقت هو بناء الدعوة على أصول جامعة وكليات عامة، وتأسيس الأعمال على الإخلاص والاتباع، والنهوض بأعباء الدين ببصيرة وعلو همة، وهذا المطلوب هو عنوان الكرامة والظفر ورمز العزة والفخر؛ لاسيما إذا تعلّق الأمر بنصرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره؛ إذ النُّصرة حقيقة جامعة لكل الوسائل والأسباب والأحوال المتاحة التي بها يتحقق الانتصار للنبي - صلى الله عليه وسلم- والدفاع عنه، وذلك بطاعة أمره، والسعي إلى نصرته وتعزيره، والجهاد في سبيل دينه والذب عنه، وبيان ما أُرسل به من الحق، وهي - عند الحقيقة - علامةُ الحب الواجب ودليلُ الوفاء الصادق.

التعزير والتوقير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم

     والمقصود المطلوب منها لا يتحقق إلا بالتعزير والتوقير معاً؛ إذ التعزير اسم جامع للنّصرة، والتوقير اسم جامع للتعظيم، كما قال -تعالى-: {لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (الفتح:9)، والآية قد اشتملت - كما نصّ على ذلك أهل التفسير- على طاعة الله ورسوله، وهي الطاعة المستلزمة للإيمان، والحق المختص بالله، وهو: الخشية والتقوى، والحق المختص بالرسول، وهو التعزير والتوقير.

النُّصرة الشرعية الممدوحة

     والنُّصرة الشرعية الممدوحة لا تتحقق - على أرض الواقع - إلا بوجود الضوابط الشرعية، والوقوف على المقاصد الدينية، واستخراج الأحكام من الأدلة الصحيحة، واستظهار النتائج من المقدمات العلمية، والاتصاف بالتوسط الشرعي في الأقوال والأعمال، وأن يكون التعامل مع الأحداث خارجاً مخرج الصدق والديانة والأمانة، وأن تعطى الشريعة حقها من الرعاية والصيانة، وهذا - في الواقع العملي والسلوك المنهجي - لا يكون إلاّ بإبراز مناهج العلماء في التأصيل، وإظهار طريقة أهل الحديث في التحقيق، ولزوم منهج الكبار في الاستقصاء والتحرير، وتغليب النفس العلمي في البيان والتقرير، وتعميم لغة الربانيين في الخطاب والتوجيه.

الدفاع عن النبي متعين شرعا

     من هنا صار الكلام في ضوابط الدفاع عن نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم - في وقتٍ تقهقرت فيه الثوابت وتكاثرت فيه المحن والنوازل، وتُنوسيت عنده الأصول والقواعد - متعيّناً شرعاً ومطلوباً من باب أولى قبل الشروع بالنّصرة؛ لهذا جاء ت هذه الدراسة -التي تكتب بقلم الشفقة على النفس وغيرها مما نسمع ونرى- تلبية ً لتلك المطالب ومشاركةً في إظهار تلك المقاصد، مع اعتراف كاتبها بالنقص والتقصير.

     وقد جعلت هذا الدراسة في مبحثين: في المبحث الأول: تناولت جانب التأصيل الشرعي للدفاع عن النبي - صلى الله عليه وسلم-؛ لأن معرفة ضوابط الأشياء وشروطها وقيودها تتوقف دائما على معرفة تأصيلها الشرعي وتصورها العلمي. أما في المبحث الثاني: فكان الكلام في الضوابط الشرعية للدفاع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل التفصيل.

المبحث الأول: التأصيل الشرعي والتكييف الفقهي للنّصرة

في هذا المبحث نشير إلى الجوانب التأصيلية للدفاع عن النبي - صلى الله عليه وسلم-، وأهمها:

- أولاً: الدفاع عن النبي - صلى الله عليه وسلم- داخل في حفظ ضرورات الدين.

الدفاع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والانتصار له بكل وسيلة شرعية من ضرورات الدين وقواعد الملة وكليات الشرع؛ فلا يُحفظ الدين بمجرّد الإيمان بهذا الرسول واتباعه اتباعاً مجرّدا عن تعزيره ونصرته وتوقيره والذّب عنه وعن سنته - صلى الله عليه وسلم-؛ لهذا جاء ذكر النّصرة في القرآن في سياق بيان ضرورات الدين وكلياته، كما قال -تعالى-: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} (الأعراف:157) , وقد أخذ الله من النبيين الميثاق بالدفاع عن هذا الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -؛ فقال -تعالى-: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} (آل عمران:81).

     قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: «يخبر -تعالى- أنه أخذ ميثاق كل نبي بعثه من لدن آدم -عليه السلام-، إلى عيسى -عليه السلام-، لما آتى الله أحدَهم من كتاب وحكمة، وبلغ أيّ مبلَغ، ثم جاءه رسول من بعده، ليؤمنَنَّ به ولينصرَنَّه، ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بعث بعده ونصرته».

عدم احترام النبي قدح في الدين

     لهذا كان عدم توقير النبي وترك احترامه وعدم مراعاة حقوقه قدحاً في الدين وتضييعاً للمصالح الكلية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «أما انتهاك عرض رسول الله فإنه منافٍ لدين الله بالكلية؛ فإن العِرض متى انتهك سقط الاحترام والتعظيم، فسقط ما جاء به من الرسالة فبطل الدين؛ فقيام المدح والثناء عليه والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله، وسقوط ذلك سقوط الدين كله، وإذا كان كذلك وجب علينا أن ننتصر له ممن انتهك عرضه».

انتقاص النبي نازلة جسيمة

     ولأجل مراعاة ضرورات الدين عَدَّ الشرع الحنيف أي نوع من أنواع انتقاص النبي - صلى الله عليه وسلم - نازلة جسيمة يجب إلحاقها بأشدّ المحرمات، وأعلى الجنايات؛ لما اشتملت عليه من المفاسد العظيمة، والأضرار الكبيرة على الإسلام وأهله، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - أيضا-: «لو نزلت بنا نازلة السب وليس معنا فيها أثر يتبع، ثم استراب مستريب في أن الواجب إلحاقها بأعلى الجنايات لما عدّ من بصراء الفقهاء، ومثل هذه المصلحة ليست مرسلة؛ بحيث ألا يشهد لها الشرع بالاعتبار، فإذا فرض أنه ليس لها أصل خاص يلحق به ولا بد من الحكم فيها، فيجب أن يحكم فيها بما هو أشبه بالأصول الكلية، وإذا لم يعمل بالمصلحة لزم العمل بالمفسدة، والله لايحبّ الفساد».

الإنكار علي أهل الكتاب

وقد أنكر الله -تعالى- على أهل الكتاب أشدّ الإنكار ووبخهم لما امتنعوا عن الانتصار لرسلهم في حال الضرورة والحاجة؛ فقال -تعالى-: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة:24).

     قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله -: «فما أشنع هذا الكلام منهم! ومواجهتهم به لنبيهم في هذا المقام الحرج الضيق, الذي قد دعت الحاجة والضرورة فيه إلى نصرة نبيهم, وإعزاز أنفسهم. وبهذا وأمثاله, يظهر التفاوت بين سائر الأمم, وأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث قال الصحابة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين شاورهم في القتال يوم بدر مع أنه لم يحتم عليهم: يا رسول الله, لو خضت بنا هذا البحر, لخضناه معك, ولو بلغت بنا برك الغماد, ما تخلف عنك أحد، ولا نقول كما قال قوم موسى لموسى {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} , ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون, من بين يديك ومن خلفك, وعن يمينك, وعن يسارك».

من شرط الإيمان بالشيء الدفاع عنه

ومن شرط الإيمان بالشيء الدفاع عنه والثبات عليه؛ كما قال -تعالى-: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (آل عمران:146).

     قال أبو جعفر الطبري -رحمه الله -: «هلا فعلتم كما كان أهل الفضل والعلم من أتباع الأنبياء قبلكم يفعلونه إذا قتل نبيهم من المضي على منهاج نبيهم، والقتال على دينه أعداءَ دين الله، على نحو ما كانوا يقاتلون مع نبيهم - ولم تهنوا ولم تضعفوا، كما لم يضعف الذين كانوا قبلكم من أهل العلم والبصائر من أتباع الأنبياء إذا قتل نبيهم، ولكنهم صَبروا لأعدائهم حتى حكم الله بينهم وبينهم».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك