رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 22 سبتمبر، 2021 0 تعليق

الضوابط المتعلّقة بإدارة الوقف ونمائه – إذا احتاج المسجد إلى تعمير ولم يوجد في وقفه شيء فتعميره على بيت المال

 

لا يخفى على مسلمٍ فضلُ وقْف المسجد نفسِه، فقد جاء في الحديث: «من بنى مسجداً لله كمِفْحَصِ قَطَاةٍ أو أصغر، بنى الله له بيتاً في الجنّة». وما زال النّاس يتقرّبون إلى الله -تعالى- بوَقْف المساجد، والإنفاق عليها، غير أنّ المسجد في ذاته، بناء وأدوات وموجودات، لا ريعَ له، بل هو في نفسه يُستهلَك ويحتاج إلى صيانةٍ وتعميرٍ دوماً.

     وما كان كذلك، فلا بدّ من موردٍ آخَر للإنفاق عليه والنّهوض بحاجاته، والحفاظ على وظائفه، ولذلك اعتاد النّاس على إنشاء الأوقاف على المساجد، على اختلاف أنواع الموقوفات، من دُورٍ وأراضٍ زراعيّةٍ وعقاراتٍ، لتُنفَق غلّاتها على المساجد، فإذا حصلَ أنّ الأوقافَ على مسجدٍ بعينِه خَرِبَت، أو تعطّلت غلّاتها لأيّ سبب، فإنّ الإنفاقَ على المسجد ينتقلُ وجوبُه إلى بيت المال، فهذا هو معنى هذا الضّابط، ومجال تطبيقه.

قال سراج الدّين ابن نُجيم: «واعلم أنّ المسجدَ إذا خَرِبَ وكان في محَلَّةٍ، وليس له ريعٌ يعمر منه، قال في (الفتح): تجب عمارته من بيت المال؛ لأنّه من حاجة المسلمين».

وقال الخرشي: «ما كان مثل القَنْطَرَةِ والمسجد، إذا حصل خللٌ، فإنْ تطوّع أحدٌ، أو لهما غلَّةٌ موقوفةٌ عليهما، أو بيتُ المال، فالأمرُ ظاهرٌ، وإلا بقيا حتى يهلكا».

حاجات المسجد ومصالحه

وقد أطلّ بعض أهل العلم على حاجات المسجد أو مصالحه عموماً، التي يجوز صرف الموقوف على المسجد فيها، التي لا بدّ من فرز مراتبها ويُنظَر فيما كان ضروريًّا وحاجيًّا منها، إذا قيل بأنّ نقل نفقة المسجد إلى بيت المال على سبيل الضرورة.

     قال البهوتي: «ويجوزُ صرف الموقوف على بناء المسجد لبناء منارته وإصلاحها، وبناء منبره، وأن يُشتري منه سلّم للسّطح، وأنْ يبني منه ظُلَّة»، لأنّ ذلك من حقوقه ومصالحه، (ولا يجوز) صرفُ الموقوف على بناء مسجد (في بناء مرحاضٍ) وهو بيت الخلاء، وجمعه مراحيض، لمنافاته المسجدَ وإنْ ارتفق به أهلُه، (و) لا يجوز صرفُه أيضاً في (زخرفة مسجد) بالذهب أو الأصباغ، لأنه منهيٌّ عنه، وليس ببناء، بل لو شُرِطَ لما صَحَّ، لأنّه ليس قُربة ولا داخلاً في قسم المباح.

     (ولا في شراء مكانس ومجارف) لأنّه ليس بناءً، ولا سبباً له، فانتفى دخوله في الموقوف عليه، (قال الحارثي: وإنْ وقَف على مسجدٍ أو مصالحه جازَ صرفُه في نوعِ العمارة، وفي مكانس) وحُصُر (ومجارف ومساحي وقناديل ووقود) -بفتح الواو- كزَيْت، (ورزق إمام ومؤذّن وقيّم) لدخول ذلك كله في مصالح المسجد وضعاً أو عرفاً، انتهى بالمعنى.

      وفي فتاوى الشيخ: إذا وقف على مصالح الحَرَم وعمارته، فالقائمون بالوظائف التي يحتاج إليها المسجد من التنظيف والحفظ والفرش وفتح الأبواب وإغلاقها ونحو ذلك، يجوز الصرف إليهم». وكذلك إذا حُبسَت الغِلالُ الموقوفة على مسجدٍ من أجل عمارته، فاحتيج إلى قطع معاليم بعض موظّفي المسجد والقائمين على شؤونه، فإنّ تمييز من يصلُح قطعُ معلومه ممّن لا يصلُح يتبعُ مدى لُحوق الضرر بوظيفة المسجد إذا ما عُطّلت تلك الوظيفة، ويُستفاد من هذا الترتيب معرفة العمل إذا ضاقت الغِلال عن الوفاء بذلك، أو ضاقت موارد بيت المال أيضاً.

      قال سراج الدّين ابن نجيم: «وتُقْطَع الجهات الموقوفة عليها للعمارة إنْ لم يُخَفْ ضررٌ بَيِّنٌ، فإن خِيف قُدِّم، وأمّا النّاظر فإنْ كان المشروطُ له من الواقف فهو كأحد المستحقّين، فيُقطَع أيضاً، إلا أن يعمل فيأخذ قَدْر أُجْرته، وأفاد في (البحر) أنّ ممّا يُخاف بقَطْعه الضّرر البَيِّن: الإمام والخطيب، فيُعطيان المشروطَ لهُما. وأقول: الظاهر أنّ الإمام والخطيب ليسا قيداً، بل المؤذّن والوَقَّاد والفرّاش والملّاء كذلك، ثمّ الذي ينبغي أن يُراد بالضّرر البَيِّن: الخطيب فقط، بشرط أنْ يتّحد في البلد كمكّة والمدينة، ولم يوجد من يخطُب، حبسَه بإذْن الإمام أو نائبه، والله الموفق».

      وعلى هذا، فإذا ضاقت موارد بيت المال عند خلوّ الأوقاف عن الرّيع، فإنّ ما دخل في وصف الضرورة لبقاء عمل المسجد هو الذي يلزم تغطيته وسدّ عجزه، دون سائر مصالح المسجد التي بعضُها تكميليٌّ، فإنْ اتّسعت الموارد، فإنّ تعظيم المساجد والعناية بها من تقوى القلوب.

التطبيقات:

      ما تفعله بعض وزارات الأوقاف في العالم الإسلاميّ، في الدول التي منّ الله عليها بغيورين وحريصين وأُمناء على المال العام، من قَصْر الإنفاق من ميزانيّة الوزارة على بنود محدّدة تشمل أساسيّات المسجد ومصالحه الحاجيّة التي تختلّ وظيفته دونها، كرواتب الإمام والمؤذّن، وفواتير الماء وكهرباء الإضاءة، ثمّ حثّ النّاس على تغطية تكاليف ما زاد على ذلك من المكمّلات، هو في الحقيقة من فروع هذا الضابط على ما بيّنّاه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك