رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 18 فبراير، 2020 0 تعليق

الضوابط الفقهية للأعمال الوقفية – الوقف يصحُّ على الحمل أصالةً وتبعاً

 

 

ما زال الحديث مستمرًا في موضوع الضوابط الفقهية للأعمال الوقفية، وكنا توقفنا عند الضوابط التي تتعلق بالموقوف عليهم، واليوم مع ضابط (الوقف يصحُّ على الحمل أصالةً وتبعاً)، وقد مر الكلام من قبل على قاعدة: (التابع تابع) وبعض تفريعاتها في باب الوقف، وهذا منها أيضاً.

وهذا الوقف قد يتحقق في أمرين:

- الأول: أن يقول مثلاً: وقفتُ داري على ما في بطن فلانة؛ وذلك وحدَه دون أن يكون معه موقوفٌ عليه آخر، ولا أمّه، وهنا يكون الوقف على الحمل أصالةً.

- والثاني: أن يقول: وقفتُ على فلانٍ وفلانٍ وفلانةٍ وما في بطنها، وهنا يكون الوقف على الحمل تبعاً.

حكم الوقف

فما حكم الوقف في هذين الأمرين؟ هذا هو كلام أهل العلم في ذلك:

صحّة الوقف مطلقًا

- المذهب الأوّل: صحّة الوقف على الحمل مطلقاً، وهذا مذهب الحنفيّة والمالكيّة، قال ابن عابدين نقلاً عن (الخانيّة): «ولو قال: أرضي صدقةٌ موقوفةٌ على مَنْ يحدث لي من الولد، وليس له ولدٌ، يصحُّ؛ فإذا أدركت الغلّة تقسم على الفقراء، وإنْ حدث له ولد بعد القسمة، تُصرف الغلّة التي توجد بعد ذلك إلى هذا الولد؛ لأنّ قوله: صدقةٌ موقوفةٌ، وقفٌ على الفقراء وذِكْر الولد الحادثِ للاستثناء، كأنّه قال: إلا إنْ حدث لي ولد؛ فغلّتها له ما بقي»، وهذا كما نرى تصحيحٌ للوقف على المعدوم قطعاً؛ فكيف بالحملِ المظنون تمامُه؟؛ فإنّهم يصحّحون الوقف عليه من باب أَوْلى، وإذا صحّ على الحمل أصالةً، لم يبقَ محلٌّ للبحث في صحّة الوقف عليه تبعاً.

الوقف من أعمال البر

     وقال الدّردير: ذَكَرَ الثالث وهو الموقوف عليه بقوله: «على أهلٍ للتَّمَلُّكِ» حقيقةً كزيدٍ والفقراء، أو حكماً كمسجد ورباط وسبيلٍ، كمن سيولد، مثالٌ للأهل، أي: ولو كانت الأهلية ستوجد؛ فيصحّ الوقف وتوقف الغلّة إلى أنْ يوجد فيُعطاها، ما لم يحصل مانعٌ من الوجود، كموتٍ ويأسٍ منه، وتوسيع المالكيّة، وأبي يوسف من الحنفية في شروط الوقف مسلكٌ معروف، وعندهم في ذلك نظرةٌ مطّردةٌ وتعليلٌ ماضٍ بأنّ الوقف من أعمال البرّ والتبرُّعات، التي يناسبها التوسعة والتّسامح في الشروط، خلافاً للمعاوضات التي هي محلّ المشاحّة والنّزاع غالباً.

عدم صحة تملك الجنين

- المذهب الثاني: لا يصحّ الوقف على الحمل مطلقاً، لا أصالةً ولا تبعاً، وهذا ما ذهب إليه الشافعيّة في المعتمد، قال الخطيب الشربيني: فلا يصحّ الوقفُ -على جنين- لعدم صحّة تملُّكه، وسواء أكان مقصوداً أم تابعاً، حتى لو كان له أولادٌ وله جنين عند الوقف لم يدخل، نعم إن انفصل دخل معهم، إلا أنْ يكون الواقف قد سمّى الموجودين، أو ذكر عدَدَهم، فلا يدخل، كما قاله الأذرعيّ.

يصحّ الوقف تبعا

- المذهب الثالث: لا يصحّ الوقف على الحمل أصالةً، لكنّه يصحّ إذا كان تبعاً، وبه قال الحنابلة في المعتمد، قال المرداوي: قوله: والحَمْلِ: يعْنِي لا يصِحُّ الوَقْف عليه، وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطع به كثيرٌ، وصحّح ابنُ عقيل جواز الوقف على الحمل ابتداءً، واختاره الحارثي، قال في (الفروع): ولا يصحُّ على حملٍ، بناءً على أنّه تمليكٌ، وأنّه لا يملك، وفيهما نزاع.

المذهب الأوّل هو الراجح

     والصحيح الرّاجح -والله أعلم- هو المذهب الأوّل؛ فيصحّ الوقف على الحمل أصالةً وتبعاً، لعموم أدلّة مشروعيّة الوقف؛ ولأنّ التسامح في شروطه متّجهٌ سائغ، ولأنّ اشتراط صحّة التملُّك فيه نزاعٌ أصلاً كما أشار إلى ذلك المرداوي؛ فإنّ الحمل يملك بالوصيّة والميراث بالإجماع، وقد مال الشيخ العلّامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- إلى تصحيحه مطلقاً .

التطبيقات

(1) لو قال الواقف: هذا وقفٌ على أولادي وأحفادي، وكان في أحفاده من لا يزال جنيناً في بطن أمّه، صحّ الوقف عليه عند الجمهور خلافاً للشافعيّة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك