الضوابط الفقهية للأعمال الوقفية – إذا تعارض شرطان للواقف يُعمَل بالمتأخّر
باب الوقف من الأبواب المهمة التي يجب تقرير ضوابطه؛ ذلك أن عامة أحكام الوقف اجتهادية فلا مناص من الانطلاق في تقريرها من أصول الشريعة العامة الضابطة لباب المصالح والمنافع على وجه الخصوص، ثم من القواعد لفقهية الكلية ثم يترجم ذلك كله على هيئة ضوابط خاصة في باب الوقف، وهذا ما نتناوله في هذه السلسلة، واليوم مع الضابط الخامس من الضوابط المتعلقة بشرط الواقف وهو (إذا تعارض شرطان للواقف يُعمَل بالمتأخّر).
معنى الضّابط
إذا كان الواقف قد اشترطَ شرطاً، وعُلم له شرطٌ آخَر يعارضُه متأخّر عنه، عُمل بالمتأخّر منهما، وهذا الضابط في الواقع متّصلٌ بالضّابط العام الذي سبقت الإشارة إليه، وهو أنّ «شرط الوقف كنصّ الشارع»، فإنّ نصّ الشارع إذا تعارض المتقدّم منه مع المتأخّر على نحوٍ لا يمكن الجمع بينهما، عُمل بالمتأخّر وجُعل ناسخاً للمتقدّم.
قال العلّامة مصطفى الزّرقا: «إذا تعارض في صكّ الوقفيّة شرطان، ولم يمكن التوفيق بينهما، عُمل بالمتأخّر منهما وأُهمل المتقدّم، وذلك لأنّ الشرط الأخير يكون إلغاءً لسابقه، كما إذا تعارض نصّان تشريعيّان فإنّ اللّاحق يُعتبر ناسخاً للسّابق في نظر الأصوليّين، فإن أمكن التوفيق بين الشرطين بحيث يزول التّعارض، يُعمل بهما، كما لو أمكن التوفيق بين نصَّيْن تشريعيَّيْن متعارضَيْن، بحمل كلٍّ منهما على جهةٍ غير محمل الآخر».
اختيار فقهاء القانون
وهذا التّقرير الظّاهر هو ما اختاره فقهاء القانون كذلك، ففي «ترتيب الصنوف»: «إذا تعارض شرطان يُعمل بالمتأخّر»، وشرحها بقوله: «لأنّ الشرط الأخير مفسِّر لقصد الواقف، فيُعدُّ ناسخاً لحكم الشرط الأوّل، أمّا إذا تعذّر معرفةُ أيٍّ من الشرطيْن متأخّراً وناسخاً، وكان بالإمكان الجمع بينهما والعمل بهما، وجب في هذه الحالة العمل بالشرطَيْن معاً»، وفي «قانون العدل والإنصاف»: «إذا ذكر الواقفُ شرطَيْن متعارضَيْن نصًّا، يُعمل بالمتأخّر منهما ويكون ناسخاً للأوّل، فإن لم يتعارضا نصًّا، وجب العمل بهما إن أمكن ذلك...».
التطبيقات
1- «لو وقف على ذريّته بالتساوي بين الذكور والإناث في النصيب، ثمّ قال فيما بعد: على الفريضة الشرعيّة بينهم، كان نسخاً للأوّل، فتستحقّ الأنثى نصف ما يستحقّه الذّكر».
2- «لو كتب في أوّل وقفيّته أنّه لا يُباع ولا يُملك، ثمّ قال في آخره: على أنّ لفلان بيعه وأن يستبدل به ما يكون وقفاً مكانه، جاز بيعه استبدالاً ولو لغير ضرورة، ويكون الشرط الثاني ناسخاً للأوّل، ولو كان ترتيب الشرطين بالعكس، امتنع جواز الاستبدال فيه عملاً بالشرط الثاني الذي يقتضي المنع، ويكون الاستبدال عندئذ مقيّداً بالضّرورة وإِذْن الحاكم وفقاً للقواعد العامّة».
لاتوجد تعليقات