رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 24 أكتوبر، 2016 0 تعليق

الضوابط الفقهية في الأعمال الوقفية 9- شرط الواقف كنص الشارع

     شرط الواقف كنص الشارع، وفي صيغ أخرى: «نصوص الواقف كنصوص الشارع»، المراد بهذا الضابط: جعل كلام الواقف المنصوص عليه في وثيقة وقفه دالاً على مراد الواقف ومقصوده، لا في وجوب العمل به، بمعنى أن شروط الواقف لازمة إذا لم تفضِ إلى الإخلال بالمقصود الشرعي، فما كان من الشروط مستلزماً وجود ما نهى عنه الشارع فهو بمنزلة ما نهى عنه.

قال ابن عابدين: «شروط الواقف معتبرة إذا لم تخالف الشرع»؛ فالواجب أن يعمل في شروطهم بما شرطه الله ورضيه في شروطهم. والشروط إن وافقت كتاب الله كانت صحيحة، وإن خالفت كتاب الله كانت باطلة، فيجب اتباع شرط الواقف فيما وصى بوقفه.

     وفي الأشباه والنظائر لابن نجيم: «شرط الواقف كنص الشارع في وجوب العمل به وفي المفهوم والدلالة»؛ ويمكن أن يعبَّر عنها بأن شرط الواقف يجب اتباعه. ويفيد الضابط أن من وقَّف وقفاً واشترط أن يصرف على وجه معيَّن فإنه يجب احترامه وتنفيذه ما لم يخالف الشرع.

     ونص الفقهاء على «احترام إرادة الواقف»، ويقصد بها تلك الإرادة التي يقوم الواقف بالتعبير عنها في وثيقة وقفه، وهذه الوثيقة تسمى: كتاب الوقف، أو الإشهاد بالوقف، أو حجة الوقف. وهو يعبر عن إرادته تلك في صورة مجموعة من الشروط، التي يحدد بها كيفية إدارة أعيان الوقف، وتقسيم ريعه، وصرفه إلى الجهات التي ينص عليها أيضاً في الوثيقة نفسها.

     ويطلق على تلك الشروط في جملتها اصطلاح (شروط الواقف). وأهل العلم رفعوها إلى منـزلة النصوص الشرعية؛ من حيث لزومها ووجوب العمل بها، فقالوا: (إن شرط الواقف كنص الشارع).ولكن هذه الشروط لا تكون بهذه المنـزلة إلا إذا كانت محققة لمصلحة شرعية، أو موافقة للمقاصد العامة للشريعة، وهي المتمثلة في حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال. وأبطلوا كل شرط يؤدي إلى إهدار مصلحة شرعية، أو يخالف مقصداً من تلك المقاصد.

وقد عبَّر ابن القيم عن هذا المعنى بقوله: الواقف لم يُخرج ماله إلا على وجه معين؛ فلزم اتباع ما عينه في الوقف من ذلك الوجه.

التطبيقات العملية:

1- إن شروط الواقف لازمة إذا لم تفضِ إلى الإخلال بالمقصود الشرعي فما كان من الشروط مستلزماً وجود ما نهى عنه الشارع فهو بمنزلة ما نهى عنه.

2- تجوز مخالفة شرط الواقف في الأحوال الآتية:-

1- إذا أصبح العمل بالشرط في غير مصلحة الوقف، كأن لا يوجد من يرغب في الوقف إلا على وجه مخالف لشرط الواقف.

2- إذا أصبح العمل بالشرط في غير مصلحة الموقوف عليهم كاشتراط العزوبة مثلاً.

3- إذا أصبح العمل بالشرط يفوت غرضا للواقف، كأن يشترط الإمامة لشخص معين ويظهر أنه ليس أهلاً لإمامة الصلاة.

4- إذا اقتضت ذلك مصلحة أرجح، كما إذا وقف أرضا للزراعة فتعذرت وأمكن الانتفاع بها في البناء، فينبغي العمل بالمصلحة؛ إذ من المعلوم أن الواقف لا يقصد تعطيل وقفه وثوابه.

5- جاء في (أسنى المطالب) (2/452) نقلاً عن ابن عبد السلام أنه لو شرط واقف المدرسة ألا يشتغل المعيد فيها أكثر من عشرين سنة، ولم يكن في البلد معيد غيره: جاز استمراره وأخذه المعلوم؛ لأن العرف يشهد بأن الواقف لم يُرِدْ شغور مدرسته، وإنما أراد أن ينتفع هذا مدة، وغيره مدة.

3- إذا قال الواقف: وقفت على أولادي الذكور يصرف إلى الذكور منهم بحكم المنطوق، وأما الإناث فلا يعطى لهن لعدم ما يدل على الإعطاء إلا إذا دل في كلامه دليل على إعطائهن فيكون مثبتا لإعطائهن.

4- نص الهيتمي بأن: ترك العمل بشرط الواقف من الكبائر فقال: (وذِكْري لهذا من الكبائر، ظاهر وإن لم يصرحوا به؛ لأن مخالفته يترتب عليها أكل أموال الناس بالباطل، وهو كبيرة ).

5- إذا حدد الواقف صرف ريع الموقوف على الفقراء جاز لناظر وقفه أن يُعطي مَنْ هذه صفته من ريع هذا الوقف، حسب العرف في حد الفقر في زمنهم.

6- من وَقَفَ على طلبة العلم وفي مصطلحه أو عرفه الدارج عند الإطلاق أن العلم هو كل ما نفع الناس في دينهم ودنياهم جاز إعطاء طلاب العلوم البحتة النافعة للأمة من وقفه، ولو كان العلم في الشريعة واصطلاح الفقهاء يُطلق على علوم الكتاب والسنة.

7- يُحمل كلام كل واقف على عرفه ولغته وإن خالفت لغة العرب.

8- المدارس الموقوفة على درس الحديث، ولا يعلم مراد الواقف فيها، هل يُدرَّس فيها علم الحديث، الذي هو معرفة المصطلح، فالمعتبر في ذلك هو العرف.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك