الضوابطُ الإسلامية لأخلاقياتِ الاقتصاد
- التقوى ضابطٌ أساسٌ مِن ضوابط الاقتصاد الإسلامي بل هو ضابطٌ من ضوابط السلوكِ في مضمارِ الحياة لأنَّ الحياةَ في حقيقتِها مراقبةٌ لله وحِرْصٌ على مَرْضاته
- الكون والإنسان وعمله ورزقه وماله من خلق الله تعالى والإنسان ليس له من الأمر شيءٌ فالمال مال الله وحريةُ الفرد في جمع المال وإنفاقِه محدودةٌ بحدودٍ الشرع
يَستبعد بعضُ الاقتصاديينَ ربطَ الأخلاقِ بالاقتصاد، ويَصِفُون الاقتصادَ بأنَّه علمٌ محايد ولا صِلَةَ له بمباحثِ الأخلاق، أما في الاقتصاد الإسلامي، الذي يُعَدُّ جزءًا أصيلاً مِن العقيدة الإسلامية، فلا يمكن فصلُ المعاملاتِ التِّجارية والاقتصادية عن الإطار العامِّ للشريعة الإسلامية؛ إذ الفردُ المسلِم في تعامُله مع الآخرين يَنظر إلى رقابة الله -سبحانه- عليه في هذا التعامل، والضوابطُ الإسلامية لأخلاقياتِ الاقتصاد متعدِّدةٌ، يمكنُ بيانُ أهمِّها في هذه المقالة.
أولاً: الاقتصاد الإسلامي يدعو للإيمان والتقوى
التقوى ضابطٌ أساسٌ مِن ضوابط الاقتصاد الإسلامي، بل هو ضابطٌ من ضوابط السلوكِ في مضمارِ الحياة؛ لأنَّ الحياةَ في حقيقتِها مراقبةٌ لله، وحِرْصٌ على مَرْضاته، وخَوْفٌ مِن عذابه، ومِن وُجوه التقوى: ١- الأمانة يقصر العامَّةُ الأمانةَ في أضيقِ معانيها، وهو حِفْظُ الودائع، ولكنْ للأمانةِ معانٍ أخرى، منها: أن يحرص الفردُ على أداءِ واجبه كاملاً في عمله (مَصنعًا كان، أو مزرعةً، أو متجرًا)، وأن يراعيَ حقوقَ الناس التي وُضعتْ بين يديه، ومِن معاني الأمانة في الاقتصاد الإسلامي، ألا يستغِلَّ الرجلُ منْصِبَه لقاءَ منفعةٍ تعود على شخصه أو قرابته. ويَدُّل على تلك المعاني للأمانةِ أحاديثُ نبويةٌ عديدة، نختارُ منها قولَه -[-: «لِكلِّ غادرٍ لواءٌ يُرفع له بقدْر غَدرتِه، ألاَ ولا غادرَ أعظمُ مِن أميرِ عامةٍ»، وقولَه - صلى الله عليه وسلم -: «مَن استعملْناه على عمَلٍ فرزقناه رزقًا، فما أَخذ بعدَ ذلك فهو غُلولٌ»، ولقد كانت الصفةُ المميِّزَةُ للرسول - عليه الصلاة والسلام - قبل بعثتِه هي الأمانةَ، حتَّى إنه كان يُلقَّب بالأمين. ٢- الوفاء تَحتل العقودُ والعهودُ في الاقتصاد الإسلاميِّ مكانةً رفيعة، ومِن ثَم كان وفاءُ الإنسانِ بالعهد أساسَ كرامتِه في الدنيا وسعادتِه في الأخرى، والاقتصادُ الإسلاميُّ يقوم على احترامِ العقودِ التي تسجَّل فيها الالتزماتُ المالية، ويشترط أن تكُونَ مُوافِقةً للكتاب والسنة، ومحقِّقةً لمقاصدِ الشريعة الإسلامية؛ يقول - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة: 1)، ويقول - سبحانه -: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا} (الإسراء: 34)، وإذا كان الاقتصادُ الوضعيُّ يَقوم على أساسِ تحقيقِ أكبرِ لَذَّةٍ، وأقصى إشباعٍ، وأعلى ربْحٍ، فإنَّ الاقتصادَ الإسلاميَّ لا يُقِرُّ أنْ تُدَاس الفضائلُ في سوق المنفعةِ العاجلة، ويَكرهُ أنْ تَنطوِيَ دخائلُ الناس على النيَّات المغشوشة.ثانيًا: الاقتصاد الإسلامي يدعو إلى عالَمية البِرِّ
يقوم الاقتصادُ الإسلامي على البذْل والإنفاق؛ ولذا دَعا الإسلامُ المسلمينَ إلى سَخاء النفوس ونَدى الأكُفِّ، وأوصاهم بالمسارعة إلى الإحسان والبرِّ، يقول - تعالى -: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (البقرة: 219)، ويقول - تعالى -: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (البقرة: 215)، ويقول - سبحانه -: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ}(البقرة: 177)، فمفهوم البِر في الاقتصاد الإسلامي يتَّسِع، حتَّى تَجِد فيه ناحيةً مقابلةً لكلِّ خُلُقٍ قَويم.ثالثًا: الاقتصاد الإسلامي يدعو للاعتدال والقصد
ينظِّم الاقتصادُ الإسلاميُّ شؤونَ الناسِ الاجتماعيةَ والنفسيةَ والاقتصاديةَ؛ حتى لا يجنحَ المسلمُ إلى الرهبانية المُغْرِقة، ولا المادية المحرقةِ، من خلال الدعوة إلى التوسط والاعتدال، واتباع سبيل القَوَامِ والقصْدِ والتوازن، يقول - تعالى -: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} (القصص: 77). ١- النهي عن الترف: تقوم أوَّلياتُ الاقتصادِ الإسلاميِّ على ألاَّ يكون المسلمُ عبْدَ بطنِه، ليس له مِن همٍّ إلاَّ أنْ يَجمع فَوق مائدتِه ألوانَ الطعام، ومن ثَم جاء النهيُ عن التَّرَفِ والإسراف والتبذير، كما في قوله - تعالى -: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف: 31)، وقولِه - سبحانه -: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} (الإسراء: 26 - 27)، وقولِه - عزَّ وجلَّ -: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} (الإسراء: 16). ٢- النهي عن البخل والشح: كما جاء النهيُ عن البخل والشح والتقتير، كما في قوله: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} (الإسراء: 29)، وقولِه - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم والشحَّ!»، وقولِه - عزَّ وجل -: {فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} (محمد: 38). وعليه؛ كان النهيُ عن الترَفِ والإسراف، والنهيُ عن البخل والتقتيرِ - دعوةً إلى الاعتدال والقوام، يقول - سبحانه -: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (الفرقان: 67)؛ فالاعتدال صفة من صفات عباد الرحمن المتَّقين؛ فالبخل -من الناحية الاقتصادية- يقود إلى نقْص ميل الناس إلى الاستهلاك، بينما يؤدِّي الترفُ والإسراف إلى تبذير الموارد، وكِلا الوَضْعين غيرُ مرغوبٍ، ومِن هنا كانت الدعوةُ إلى الاعتدالِ والقصْدِ؛ لما لذلك مِن آثارٍ إيجابيَّةٍ على الفرد والمجتمع، اجتماعيًّا وخُلُقيًّا واقتصاديًّا.من أصول الاقتصاد الإسلامي:
المال مال الله والبشر مستخلفون فيه
الاقتصاد الإسلاميُّ يقوم على أصول عدة جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وهي أصول ثابتة صالحة لكلِّ زمان ومكان، فلا تغييرَ فيها ولا اجتهاد، ومن أهم هذه الأصول «أن المال مال الله والبشر مستخلفون فيه»، كما أن الاقتصاد الإسلاميَّ له أيضًا أساليبُه وخُطَطُه العلمية التي ذكرها العلماء والأئمة، والتي تُحوِّل هذه الأصول إلى حلول واقعية للمسائل الاقتصادية، مثل بيان العمليات الرِّبوية، وأنوائع الفوائد المحرمة، وإجراءات تحقيق العدالة الاجتماعية، ومقدار حدِّ الكفاية أو الحد الأدنى للأجور، ونطاق الملكية الخاصة والملكية العامة، ومدى تدخُّل الدولة في النشاط الاقتصادي، وخطط التنمية وغيرها. ومن أهم الأصول التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلاميُّ، أن المال مال الله، والبشر مستخلفون فيه، فالمال مال الله؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- هو خالق الإنسان وخالق عمله وكدِّه، وخالق الكون الذي يسعى فيه الإنسان ليحصل على رزقه، وخالق الرزق والمال الذي يتحصل عليه الإنسان. فالكون والإنسان وعمله ورزقه وماله من خلق الله -سبحانه وتعالى- والإنسان ليس له من الأمر شيءٌ؛ فالمال مال الله، وحريةُ الفرد في جمع المال وإنفاقِه محدودةٌ بحدودٍ موافقة للشريعة وعدم الخروج عنها؛ مثل: عدم الإنفاق في المحرمات، وفيما يضرُّ المجتمع، والإسراف والتبذير، يقول المولى - عزَّوجلَّ -: {وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ}، ويقول -تعالى-: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}، ويقول -تعالى-: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}.
لاتوجد تعليقات