رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 17 فبراير، 2019 0 تعليق

الضابط الثامن – لضوابط الفقهية للأعمال الوقفية – ما دام نفعُه بقي أجرُه

 

باب الوقف من الأبواب التي من المهم تقرير ضوابطها، ذلك أنّ عامّة أحكام الوقف اجتهاديّة؛ فلا مناص من الانطلاق في تقريرها من أصول الشريعة العامّة، الضابطة لباب المصالح والمنافع على وجه الخصوص، ثمّ من القواعد الفقهيّة الكلّيّة، ثم يترجم كلّ ذلك على هيئة ضوابط خاصّة بباب الوقف، وهو ما سنتناوله في هذه السلسلة المباركة -إن شاء الله-، واليوم مع الضابط الثامن، وهو صحة (ما دام نفعُه، بقي أجرُه)

 

      ومعنى الضّابط أنَّ الأجر على العمل الصّالح مستمرٌّ تبعاً لاستمرار أثره، وبقاء منافعه، وهذا الضابط مأخوذ من حديث أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أربعةٌ تجرى عليهم أجورُهم بعد الموت: مرابطٌ في سبيل الله، ومن عمل عملاً أُجريَ له مثلُ ما عمل، ورجلٌ تصدّق بصدقةٍ؛ فأجرُها له ما جَرَت، ورجلٌ ترك ولداً صالحاً فهو يدعو له» .

قال المُناوي: «ومن تصدّق بصَدقَة؛ فأجرها يجري له ما وُجدت: أَي: وإنسان تصدّق بصَدقَة جارية كوقفٍ؛ فيجري له أجره مدّة بقاء العين المتصدَّق بها» .

     يخبرنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم  عن أربعة أنواع من الأعمال والأحوال تستمر فيها الأجور إلى ما بعد الموت؛ فلا ينقطع ثوابها بموت أصحابها، وهذا من فضل الله -سبحانه وتعالى- ورحمته الواسعة بعباده، أنّ المسلم يستطيع أن يعمل من الأعمال في حياته ما يستمر معها الأجر والثواب، ولا ينقطع بعد موته.

     وثالثها: من تصدَّق بصدقة؛ فأجرها يجري له ما وجدت؛ والوقف أوّل ما يدخل في ذلك، كحفر الآبار، وبناء المساجد، وغيرها من الأعمال الصالحة التي يجري أجرها ما جرت؛ فمن أسس وقفاً فهو له صدقة جارية، ولو مات الواقف؛ فإن أجره مستمر، ما دام الوقف باقياً.

     ومن بنى مسجداً فكل صلاة تؤدّى في هذا المسجد، وكل كلمة تقرأ فيه من كتاب الله -سبحانه وتعالى- أو سُنّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم أو من العلم النّافع، وكذا كل أذان يرفع عند كل صلاة، وكل مجلس علم ينعقد؛ فهو في صحيفة من ساهم في بناء هذا المسجد وتأسيسه، وكذلك كل صدقة ووقف استمر نفعه ودام عطاؤه.

     وفي الحديث حثٌّ للواقف على الحرص على أن يدوم نفع وقفه، وأن يبذل الأسباب التي يستمر معها الوقف في عطائه؛ فيرعاه في حياته، ويجعل عليه القوي الأمين من ذريته أو غيرهم، ليديره إدارة رشيدة؛ لحفظ أصوله، وتحصيل ريعه، وصرفه في المصارف الشرعية المحددة، وتنميته وصيانته، حتى يبقى على حالة يدوم معها الانتفاع به، ويحقق مقاصده.

تطبيقات الضابط

1- كلّما طال أمد الوقف واستمرّ عطاؤُه؛ امتدّ معه أجر الواقف، ومن هنا كان يجب أن يحتاط الواقف لعمارة وقفه قدر المستطاع ليضمن استمرار الأجر.

2- كتب العلم الموقوفة، يستمرّ أجر واقفها من جهتين؛ فهو مأجور طالما بقيت أعيان الكتب ولم تتلف، ومأجورٌ من وجه آخر وهو استمرار الانتفاع بمحتواها من العلم النّافع الذي تسبب في نشره؛ فإن كان الواقف مؤلِّف هذه الكتب نفسُه، فقد ازداد له الأجر من وجه ثالث أيضاً؛ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك