الصُّوفيَّة السّياسية وتحالفاتها مع أعداءِ الإسْلام ضدّ أهل السُّنَّة والجَماعة- دعم الطرق الصوفية سياسيا ودولياً
نستكمل ما بدأناه في الحلقات الماضية من عرض لندوة (الصوفية السياسية وخطرها على الأمة) التي عقدها مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية، واليوم مع ورقة الشيخ محمد الحمود النجدي، التي جاءت بعنوان: (الصُّوفيَّة السّياسية وتحالفاتها مع أعداءِ الإسْلام ضدّ أهل السُّنَّة والجَماعة) التي جاء فيها:
قد يتساءل المرء: من الذي يقف خلف دعم الطرق الصوفية وانتشارها في عالمنا الإسلامي اليوم بل في العالم أجمع؟ وما الأهداف من وراء هذا الدعم؟
مما يفرح أعداء الإسلام
- فأولاً: فِرق أهلِ البدع قديماً وحديثاً، مما يفرح به أعداء الإسلام النقي الصافي، القائم على نصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، سواء كان هؤلاء الأعداء يهوداً أم نصارى أم مشركين، أم غيرهم من ملل الكفر والإلحاد في الأرض، ولذا تجدهم يمدون لأهل البدع يد المساعدة والعون، لكونهم داءً ومرضاً يشلّ حركة المسلمين، أم يضعفها؛ وبلاءً يشتغلون بردّه وعلاجه عن جهادهم وكسر شوكتهم، وردّ باطلهم، وإعلاء كلمة الله ودينه في الأرض، وقد ظهر ذلك جليـاً واضحا اليوم في أنحاء العالم العربي والعالمين، الغربي والشرقي.
أهداف الخطة الأمريكية
- فمثلاً: مـن أهـم أهداف الخطة الأمريكية المسماة بـ (مشروع الشرق الأوسط الكبير) هو محاربة التيارات الإسلامية تحت شعار: (محاربة الإرهاب)، ويرى المروِّجون لهذا المشروع، أنّ القوة المادية، عسكرية كانت أم اقتصادية، لا تكفي لهدم فكرة وبناء أخرى؛ فلا بد إذاً من تيارٍ إسلامي معارض لتلك التيارات، مُنسجم مع الرؤية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط.
مصالحة التصوف الإسلامي
ولذا فإنَّ الغرب يسعى إلى مصالحة (التصوف الإسلامي) ودعمه، لكي يستطيع ملء الساحة الدينية والسياسية، وفق ضوابط: فصل الدين عن الحياة، وإقصائه نهائياً عن قضايا السياسة والاقتصاد، وبالطريقة نفسها التي استُخدمت في تهميش المسيحية في أوروبا والولايات المتحدة.
يقـول البـاحث د. عبد الوهاب المسيـري: «ممـا له دلالـته: أنَّ العالم الغربي الذي يُحارب الإسلام، يشجع الحركات الصوفية ومن أكثر الكتب انتشاراً الآن في الغرب: مؤلفات محيي الدين ابن عربي، وأشعار جلال الدين الرومي، وقد أوصت لجنة الكونغرس الخاصة بالحريات الدينية، بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية؛ فالزهد في الدنيا والانصراف عنها، وعن عالم السياسة، يضعف ولا شك صلابة مقاومة الاستعمار الغربي...».
وهذه كلمات بأقلام بعض المستشرقين وغيرهم:
ليست فكرة جديدة
يقول (ستيـفن شـوارتـز) - مدير مركز التعددية الإسلامية في الولايات المتحدة - وكان قد أسلم: «ليست التعددية الإسلامية فكرة جديدة نشأت في الغرب، وتُقَدَّم شفاء ناجعاً للغضب الإسلامي، بل إنها حقيقة قديمة، ينطوي العالم الإسلامي على طيف واسع من التفسيرات الدينية، فإذا وجدنا في أحد أطراف الطيف المذهبَ الوهابي المتعصب، الذي يتصف بالقسوة والاستبداد، ما يجعله أشبه بالإيديولوجية العربية الرسمية السائدة، منه بالمذهب الديني؛ فإننا نجد في الطـرف الآخـر التعاليمَ المتنـورة للصـوفية، لا تؤكـد هـذه التعاليم على الحوار داخل الإسلام، وعلى الفصل بين السلطة الروحـية وسلطة رجال الدين، وعلى التعليم باللغة المحلية فحسب، بل إنها تحترم أيضاً المؤمنين جميعهم، سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين أم يهود أم هندوسيين أم بوذيين، أم من ديانات أخرى، علاوة على ذلك على التزامها باللطف والتفاعل، والتعاون المتبادل بين المؤمنين، بغض النظر عن مذاهبهم».
ثم يقول: «إذا أخذنا هذه الصورة المتنوعة بعين الاعتبار؛ فكيف يجب على الصوفية، أنْ تدخل في الاستراتيجية الأمريكية للتعامل مع العالم الإسلامي؟!
من الواضح جداً أن على الأمريكيين أنْ يتعلَّموا المزيد عن الصوفية، وأنْ يتعاملوا مع شيوخها ومريديها، وأن يتعرفوا على ميولها الأساسية، يجب على أعضاء السلك الديبلوماسي الأمريكي في المدن الإسلامية من (بريشتينا) في (كوسوفو)، إلى (كشغر) في غرب الصين، ومن فاس في المغرب إلى عاصمة إندونيسيا جاكرتا، أن يضعوا الصوفيين المحليين على قائمة زياراتهم الدورية، يجب أنْ ينتهز الطلاب الأمريكيون ورجال الأعمال، وعمال الإغاثة والسائحون فرص التعرف على الصوفيين. الأهم من ذلك، أن أي شخص داخل الحكومة أو خارجها يشغل موقعاً يسمح له بالتأثير على مناقشة ورسم سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، يمكنه أن يستفيد من فهم هذا التقليد الفطري من التسامح الإسلامي».
الروحـانـيـة الإسـلامـية الصوفية
وتقول الكاتبة (فارينا علم) وهي تمثل شريحة من الصوفية المـوجودة فـي الغـرب: «إنّ الروحـانـيـة الإسـلامـية الصوفية تعد الجزء المكمل لحياة المسلم الدينية، وقد قدم أولياء الصوفية وشيوخهم نظرة منهجية لمعرفة الله، تستند على تلاوة الابتهالات، والتدرب على تطوير شخصية ورعة قويمة، بغية إذلال (الأنا)، وتكريس النفس لخدمة المجتمع. ومن الممكن أن تصبح الصوفية اليوم بتركيزها على القيم الإسلامية المشتركة، ووضع الأهداف السامية نصب عينيها بمثابة قوة كبيرة مضادة للإسلام السياسي المجاهد».
وتستطرد قائلة: «وقد حذّرت التعاليم الإسلامية الكلاسيكية علماء الدين، من التقرب الكبير من السلطة السياسية».
المستقبل للتيار الصوفي
ويؤكد المستشرق الألماني (شتيفان رايشموت) - أستاذ علم الإسلاميات وتاريخ الإسلام بجامعة بوخوم - أنَّ مستقبل العالم الإسلامي سيكون حتماً للتيار الصوفي.
المؤتمر العالمي الأول لدراسات
الشرق الأوسط
في يناير عام (2001م) أقيم المؤتمر العالمي الأول لدراسات الشرق الأوسط، الذي عقد بمدينة (ماينز) الألمانية، وقد كان برنامج المؤتمر مكتظاً بالبحوث والدراسات المتنوعة؛ أما ما يتعلق بالإسلام والحضارة الإسلامية، فثمة بحثان هما: الإسلام الحديث والطريقة النقشبندية المجددية الصوفية، والأولياء الصوفيون وغير الصوفيين.
مؤسسة راند
في صيف عام (2002م) أصدرت مؤسسة (راند) البحثية، مقالة عكست فيها رؤيتها للفروقات والتباينات بين الفئات والجماعات الإسلامية المختلفة، في العالمين العربي والإسلامي، وسوف نورد منه بعض الفقرات التي تبين مدى اهتـمام الغرب بالصـوفـية، أو ما يسـمونه بالإسلام التقليدي، فإن التقرير يقول: «ومن الواضح أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية، بل العالم الصناعي المتمدن بأسره، يفضلون عالماً إسلامياً يتماشى مع بقية النظام؛ أي: يريدون عالماً إسلامياً يتّسم بالديمقراطية، بالقابلية للنمو، بالاستقرار السياسي، بالتقدم الاجتماعي، بالتبعية لقوانين ومعايير السلوك الدولي. هذا فضلا عن أن هذا العالم الإسلامي (المفضل) مُلزَم بالمساهمة في منع أي (صدام للحضارات)، بكل أنواعه المتاحة والممكنة الممتدة من القلاقل المحلية المتصاعدة، بسبب الصراعات بين الأقليات المسلمة والمواطنين (الأصليين) في الغرب؛ إلى العمليات العسكرية المتصاعدة عبر العالم الإسلامي، وما ينتج عنها من إرهاب وعدم استقرار.
ومـن ثـم فإن من الحكمة والاتـزان؛ تشجيع تـلك العـناصر الموجودة في داخل الخلطة الإسلامية التي تُظهر أكبر قدر ممكن من التعاطف والانسجام تجاه السلام العالمي، والمجتمع الدولي والديمقراطية والحداثة، إلا أن الأمر لا يبدو بهذه السهولة؛ فتعريف تلك العناصر وإيجاد الأسلوب الأمثل والأنسب للتعامل معها، ليس بالأمر الهين»، ثم رصد التقرير أربعة عناصر موجودة على الساحة الإسلامية، وهي:
1ـ الأصوليون: الذين يرفضون القيم الديمقراطية والثقافة الغربية الراهنة.
2ـ التقليديون: الذين يسعون إلى خلق مجتمع محافظ.
3ـ الحِداثيون (أهل الحداثة): الذين يبغون عالماً إسلامياً مندمجاً في داخل الحداثة العالمية.
4ـ العلمانيون: وهم يريدون عالماً إسلامياً مختزلاً للدين في الدوائر الخاصة، على غرار الديمقراطيات الغربية. ثم يوصي التقرير بوصايا متعددة للتعامل مع هذه التصنيفات. ومن هذه الوصايا: تأييد الاتجاه الصوفي، ونشره، والدعوة إليه.
عقول وقلوب ودولارات
وفي تقرير نشرته مجلة (يو إس نيوز آند وورلد ريبورت) الأمريكية بعنوان: (عقول وقلوب ودولارات) نشر عام (2005م) يقول التقرير في إحدى فقراته: «يعتقد الاستراتيجيون الأمريكيون بطريقه متزايدة، أنَّ الحركة الصوفية بأفرعها العالمية قد تكون واحداً من أفضل الأسلحة، وبينما لا يستطيع الرسميون الأمريكيون أن يُقِرُّوا الصوفية علناً، بسبب فصل الدّين عن الدولة في الدستور الأمريكي، فإنهم يدفعون علناً باتجاه تعزيز العلاقة مع الحركة الصوفية...، ومن بين البنود المقترحة هنا: استخدام المعونة الأمريكية، لترميم المزارات الصوفية في الخارج، والحفاظ على مخطوطاتها الكلاسيكية، التي تعود إلى القرون الوسطى وترجمتها، ودفع الحكومات لتشجيع نهضة صوفية في بلادها».
حلٍ مشكلة التيارات الإسلامية
وفـي تقـريـر (عقـول وقلـوب ودولارات) الآنف الذكر، يقرر أنه لا بدّ من حلٍ لمشكلة التيارات الإسلامية، وأن: هناك حلاً للمشكلة أخذ يشق طريقه بمساندة من الولايات المتحدة، لإصلاحيين تجمعهم رابطة الصوفية، التي تعد فرعاً متسامحاً من فروع الإسلام.
الجماعات الإسلامية التركية
وتـؤكّد بعض الدراسات: أن هنـاك تطـورات تشير إلى أنهـم يبحـثـون عن ضالتهم في الجماعات الإسلامية التركية، التي يغـلب علـى معظمها الصبغة الصوفية بأنواعها المختلفة... واستنـاداً لتـقارير نشرتها بعض الصحف التركية خلال الأيـام الأخـيرة، فإنَّ مسؤولين مـن السفارة الأمـريكـية في أنـقرة، قاموا بزيارات إلى بعـض الجماعات الإسلامية، والمؤسـسات الخـيرية، لدراسـة مـدى شعـبية ونفـوذ كل جـماعة ونفوذها، وتشـيـر المصادر نفسـها إلى أنّ الأمريـكيين يعـرضون على زعماء الجماعات التي يزورونها، التعاون الاستراتيجي في نشر ما يسمى بـ (الإسلام المعتدل) في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير، وتقديم الدعم المادي والسياسي لجماعاتهم، وفتح مجال الدراسة لطلابهم في الولايات المتحدة.
إدماج الصوفية في الحكم
ويقول المستشرق الفرنسي المسلم إريك جيوفروي المتخصص في الصوفية بجامعة لوكسمبورج، شمال فرنسا في حوار صحفي: «وفي علاقتها بالحركات الإسلامية بالذات، نجد أن الأنظمة العربية عملت على إدماج الصوفية في الحكم، بهدف محاربة الظاهرة الإسلامية».
لاتوجد تعليقات