الصين.. التعليم الإسلامي في ازدهار
بينما يدخل الطلاب إلى مسجد معهد (شينجيانج) الإسلامي, يضع عمال البناء الصينيون أدواتهم بهدوء وينتظرون ريثما ينتهي العلماء من أداء الصلاة الرابعة من الصلوات الخمس المفروضة على المسلمين.
بعد تخرجهم، يُمنح الطلاب درجة البكالوريوس ومن ثمَّ العودة إلى مسقط رأسهم ليصبحوا تدريجيًا جيلا جديدًا من أئمة المساجد.
بعد خمس عشرة دقيقة من الصلاة, وقف الطلاب وأخذوا أحذيتهم مرة أخرى, ثم توجّهوا إلى صفوفهم الدراسيَّة في المبنى المجاور المكون من أربعة طوابق, وبعد بضع دقائق، تستأنف أفضل التلاوات القرآنيَّة الجميلة والهادئة؛ حيث يبدأ يوم الطلاب قبل شروق الشمس مع صلاة الفجر,على النقيض من الجامعات العلمانيَّة الصينيَّة، ثم تحصل جميع المقررات الدراسيَّة والبرامج في المدرسة في الفترة بين انعقاد الصلوات.
تجدر الإشارة إلى أن الصين لديها قرابة 10 معاهد إسلاميَّة، لكن شينجيانج لديها أكبر هذه المعاهد والوحيد الذي يعلم لغة المجموعة العرقيَّة لقوميَّة الويغور, وقد بني هذا المسجد عام 1987 عندما تمَّ تأسيس المعهد الذي يعد مرفقا مهماً للتعليم حيث يتعلّم الطلاب أداء المهام الدينيَّة المتنوعة.
من جانبه يقول عبد رحب تورمناز, عميد المعهد الذي يضمّ حاليًا 219 طالبا، معظمهم من أتباع المذهب السني: «يتناوب الطلاب الأكبر سنا على معرفة كيفية أداء الصلاة وتفسير القرآن الكريم، وهذا هو الحد الأدنى المتوقع القيام به», مضيفا «على الرغم من أنهم سيحصلون على درجة البكالوريوس ولديهم معرفة عميقة بالإسلام بعد خمس سنوات من الدراسة، فإنهم سيستغرقون سنوات لكسب احترام السكان المحليين بوصفهم أئمة للمساجد».
كما يحرص المعهد على تلاوة القرآن باللغة العربية, لهؤلاء الذين لغتهم الأولى ليست اللغة العربية، وحفظهم للقرآن كاملا وتلاوته بمهارة وخشوع؛ لذلك يدعو المعهد معلمين للصوت لتدريب الطلاب النخبة ومساعدتهم على تحسين تلاوتهم, حيث يقول عميد المعهد: «نطالب تلاميذ المعهد بحفظ وهضم جزأين من القرآن في كل فصل دراسي، كما أن السكان المحليين لا يقبلون إماما للمسجد لا يمكنه الترتيل بطلاقة عن ظهر قلب».
وفي هذا الصدد, يقول جمارلتين واهلي, أحد طلاب المعهد: «ببساطة حفظ القرآن لا يكفي, فأنا في حاجة لفهم المعنى الدقيق لكل كلمة، حتى أتمكن من تفسير ذلك بشكل صحيح للناس», ورغم أنه ما زال في السنة الثانية من المعهد فإنه بالفعل واحد من القلائل في المعهد الذين يمكنهم تلاوة الثلاثين جزءا من القرآن الكريم, وقد حاز هذا العام جائزة التميز في المسابقة الدولية في الإمارات بعد اختياره من قبل الجمعيَّة الإسلاميَّة الصينية لتمثيل البلاد في تلاوة القرآن الكريم؛ لما يمتلك من صوت رنان ونطق دقيق.
عاد ميمتيمن عبدالله إلى المعهد بعد خمس سنوات دراسية في جامعة الأزهر بمصر, ولقد فوجئ بالتحوّل الذي حدث للمعهد؛ حيث يقول: «عندما كنت طالبًا بالمعهد لم يكن المعهد سوى مبنى واحد, فلم يكن لدينا عنبر للنوم أو مطعم, أشعر الآن أن الظروف المعيشية للتعليم هنا أفضل», مضيفًا: «الآن على الأقل، لا يحتاج الطلاب إلى الوقوف أمام الفصول الدراسيَّة؛ لأنه لا يوجد ما يكفي من المناضد والكراسي.
تتراوح أعمار هؤلاء الراغبين في الدراسة في معهد شينجيانج، بين 18 و25 عاما, لكن بعضهم يجد صعوبة في الالتحاق بالمعهد؛ لأنه يتطلب دعما شخصيا من أئمة محترمين فضلاً عن درجات عالية في امتحانات الالتحاق, وتدفع الحكومة الإقليميَّة الرسوم الدراسيَّة للمتقدمين الناجحين؛ لكي يكرسوا أنفسهم لحمل رسالة الإسلام في أنحاء الإقليم, وقد ارتفعت أعداد الطلاب هذا العام؛ حيث قال المسؤولون عن المعهد: إنهم سمحوا لـ40 طالبًا جديدا بالالتحاق, بينما كانت تقبل 50 كل عامين, ويقول نائب العميد: «إن التوسُّع في المدرسة يعتمد على التنمية الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة في شينجيانج».
ومن الجدير بالذكر أن حوالي 70٪ من المقررات في المعهد ترتبط بدراسة الدين الإسلامي, بما في ذلك تلاوة وتفسير القرآن الكريم، واللغة العربية، كما يدرس الطلاب الأدب ولغة الماندرين لقومية الويغور الصينيَّة, يقول نائب العميد: «الويغور هي لغتهم الأم؛ لذلك ينبغي عليهم الإلمام بها سواء في الحديث أو الكتابة، وفي الوقت نفسه لغة الماندرين هي اللغة الرسمية للصين, وهذه من المهارات الأساسية التي يجب على الطالب إجادتها مما يساعد جيدًا أيضا في التواصل بشكل أفضل مع المسلمين من أجزاء أخرى من البلاد».
يُذكر أنه منذ عام 1987, تخرج من المعهد أكثر من 564 طالبًا, ومعظمهم أصبحوا أئمة أو مدرسين في المدارس القرآنيَّة المحليَّة, كما أرسل أيضًا أكثر من 35 خريجًا من المعهد للدراسة في الخارج منذ عام 2001.
لاتوجد تعليقات