رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إيمان الوكيل 14 يوليو، 2014 0 تعليق

الصيام تهذيب للنفس وتربية للأبناء

تربية الأبناء عملية مستمرة على الوالدين أن يستثمرا فيها المواقف والمناسبات التي تتكرر كل عام، ورمضان أهم هذه المناسبات جميعًا، التي يمكن استغلالها في تربية أبنائنا فيصيرون تلاميذ في المدرسة الرمضانية ، يتعلمون منها القيم التي تحدد شخصياتهم طوال حياتهم؛ حيث يعد هذا الشهر المبارك فرصة عظيمة للأسرة لتربية الأبناء وغرس القيم والأخلاق الحميدة في نفوسهم.

السن المناسب لتعويد ابنك على الصيام

     إنّ من أهم حقوق الأبناء على الآباء تعليمهم وإعدادهم لسن التكليف، وقيام المربي بهذا الدور من أعلى القربات إلى الله تعالى، وهي من أخصّ معاني الأبوة والأمومة؛ إذ لو قصّر المربي في تدريب ولده على أداء العبادات المكلف بها منذ الصغر ؛ فسيكبر وقد انطبعت نفسه على إهمالها والتفريط في أدائها، ولن يجد الولد من يقوم تجاهه بهذا الدور بعد الوالدين، لذلك كان الصالحون منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم وإلى يومنا هذا يدركون أن التدريب العملي على العبادات وغيرها من الأعمال التي لا غنى للطفل عنها هي من صميم مسؤوليات الوالدين التي لا يُقبل أبداً منهما تساهل في أدائها أبداً، وما يقال في الصلاة يقال في الصيام أيضاً ، فقد روي عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا يدربون أبناءهم الصغار على الصيام، ويعودونهم عليه، وأقرهم على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الربيع بنت معوذ قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غدة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليتم، قالت: فكنا نصومه بعد ونصوّم صبياننا، ونجعل اللعبة من العهن (الصوف المصبوغ) ، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار . صحيح البخاري

     الشاهد هنا في حديث المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه هو مبدأ التعويد ، وهو التدريب على الفعل من سن مبكرة وهي السابعة ، ومنه يتبين لنا أنه لا بد من تهيئة وتدرج في الأمر حتى تعتاده النفوس وتشعر بقيمته، وتبدأ هذه المرحلة بالتشجيع فقط من خلال أسرته وإخوته بالبيت من خلال إيقاظه ليتناول وجبة السحور مع الأسرة، ويشجع على الصيام خلال اليوم كالصباح أو نتركه يصوم لمدة ساعتين مثلاً، ثم نزيد عدد الساعات حسب قدرة الطفل ، وإذا رغب في الطعام تركناه حتى يشعر أن هذا أمر يخصه، ويمكن تأخير الطعام عنه ويعلل بألعاب أو مشاهدة برامج الأطفال، ثم يقدم له الطعام قبيل الظهر أو في الظهر ويثنى عليه أمام إخوته أنه صام طوال هذه المدة؛ لأن ذلك دافع له وسيشجعه أكثر على الصيام في اليوم التالي، ولا يمنع من الطعام إن ألح بطلبه، وهذه المرحلة لمن هم في سن السابعة والثامنة، وكلما طولت مدة الصيام يكافأ لمن قام بالصيام دون غيره، ويحرم من لم يصم من المكافأة وذلك لمن هم في سن التاسعة، ومع التدرج الزمني في مدة الصيام ومع التشجيع والتحفيز الدنيوي والأخروي يعتاد طفلك على صيام اليوم بأكمله وهي مرحلة لمن هو فوق سن العاشرة، مع ملاحظة أن يعاقب المقصر بعقاب يتناسب مع عمره ليستشعر أن الثواب مقابل الفعل والعقاب مقابل الترك .

في التربية لا يوجد إجبار بل بالتدريج والتحبيب، وكذلك لا يوجد في الشرع إلا عند سن البلوغ.

مسؤولية الأسرة تجاه أبنائها في رمضان

     القدوة أمر مهم في التربية والتعليم وكسب كل من حسن الأخلاق والسلوكيات الصحيحة والسبيل إلى الاستمرارية على العبادات، وبالأخص الأم فهي صاحبة التأثير الأكبر في مرحلة الطفولة، ولاسيما في الأمور الدينية إن أحسنت غرسها في طفلها يصعب أن تفسد أو تتبدل عند الكبر؛ ولذا فعليها مساعدة أبنائها في أداء فريضة الصيام إذا بلغ حدّاً يطيق الصيام فيه؛ لأن ذلك من تأديبه وتمرينه على فعل أركان الإسلام فتوضح لهما معنى الصوم والهدف منه فالتعليم في الصغر كالنقش على الحجر؛ وبذلك ينشأ الأطفال وهم على دراية وفهم لتعاليم دينهم، ونرى بعض الآباء ربما يترك أولاده فلا يأمرهم بصلاة ولا صوم شفقة عليهم وراحة لهم، وهذا خطأ، فإنه مسئول عن ذلك بين يدي الله تبارك وتعالى، والحقيقة أن الشفيق على أولاده والراحم لهم هو من يزرع في قلوبهم حب الله وتقواه ويمرنهم على خصال الخير وفعل البر، مع ملاحظة أنه لا ينبغي مطلقاً أن نتشدد في إتمام الصيام ولاسيما أنهم ليسوا مكلفين، فلا يصرَّ أحدنا على إكمال ابنه الصوم، حتى لا نكون بسلوكنا وتصرفنا السلبي المتشدد سببا في بغضه لتلك العبادة، أو نضطره للكذب كي يرضينا، ويمحى جانب مهم وحيوي في حياة أبنائنا ألا وهو مراقبة الله -عز وجل- في كل أعمالهم في السر والعلن فيخشون البشر أكثر من خشيتهم لله.

قيم إيجابية تغرس في نفس الطفل بالصيام

     الثقة في النفس وقدرتها على تخطي الصعاب ، والتدريب على الصبر والقدرة على التحدي وشعور أعمق بنعم الله -عز وجل- هي قيم تغرس تلقائياً بطفلك ، لكن كثيراً من الأسر مغيبة لم يستطيعوا تفجير طاقات أولادهم الذهنية والبدنية، فتعودوا على الراحة والكسل والاعتماد على غيرهم ، كما لم يُهتم بتنشيطهم على العبادة كالصلاة والصيام فتربى أجيال كثيرة على هذا فنفرت قلوبهم من العبادة بعدما كبروا، وصعُب على آبائهم توجيههم ونصحهم، ولو أنهم اهتموا بالأمر من بدايته لما حصل الندم في آخره؛ فالصغار أذكياء يرصدون كل تحركاتنا الإيجابية والسلبية على السواء، ومن القيم الإيجابية والهدايا التربوية لهذا الشهر العظيم:

- أولها معنى الصيام وهو الإحساس بالفقير وليس فقط الامتناع عن الأكل والشراب ونجعله يعيش معاني التكافل واقعاً عملياً، مثل مساعدة الفقير والمحتاج ، ونربي مشاعره على الإحساس بآلام غيره فيسعى إلى مواساته.

- ثم معنى الزكاة والتصدق والتكافل.

- ثم الإكثار من العبادات ، فالطفل يجب أن يتعلم الصلاة بالمسجد باصطحاب والده له، وكيف يقرأ القرآن بتحديد وقت معين له ووقت آخر لذكر قصص من سير الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فتقوى الله وإصلاح السلوك هو الهدف الأكبر

- كذلك فالصيام يغرس خلق المراقبة والصبر والاستقامة .

- يعود الطفل على النظام والطاعة والالتزام؛ لأن العبادات تأتي في أوقات محددة ، تخضع لنظم ثابتة .

- يتعود الأمانة في كل أمور حياته ؛ لأن الصوم تربية للضمير ، يحرص الصائم على مرضاة ربه .

أخيرا عزيزي المربي ..

     إنّ مسؤولية الآباء نحو أبنائهم في رمضان، ليست في التوسعة عليهم في أمور الدنيا فحسب، بل تسبق إلى ذلك مسؤوليتهم في تعريض الأهل والأبناء لواسع رحمة الله، ومزيد إكرامه للمطيعين المتنافسين في القربات، أعاده الله علينا وعلى المسلمين بكل خير وبركة ، ونسأل الله تعالى أن يعيننا على تربية أولادنا، وأن يوفقنا لأداء ما أوجب علينا تجاههم .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك