الصومال واحدة من أكثر الدول التي تهددها الأزمات الإنسانية- جهود المؤسسات الكويتية الخيرية في الصومال
انشغال المجتمعات العربية بالشؤون الداخلية وضع الصومال في قائمة الدول التي تهددها الكوارث الإنسانية
الكويت كانت ولا تزال اليد المواسية للجرح الصومالي النازف في العسر وفي اليسر أيضاً
العمل الخيري الخليجي لم يعد كما كان في السابق، إما لضعف التمويل أوغياب الرؤى والاستراتيجيات لمواصلة العمل الخيري العربي في الصومال
تعد الكويت واحدة من أكثر الدول سخاء في العالم العربي، وليس هذا من باب المدح المبجل فقط أو خروجاً عن النسق الموضوعي للبحث والكتابة، بل هو حق وواجب للاعتراف بدور الكويت في العالم العربي، ودول العالم، وليس خافياً أدوارها المتعددة الإنسانية في إفريقيا؛ فقد كان لها قدم السبق عربياً في القارة السمراء منذ ثمانينيات القرن الماضي.
في هذا التقرير نسلط الضوء على العمل الخيري الكويتي في منطقة القرن الأفريقي، ولاسيما في الصومال، التي باتت واحدة من أكثر الدول التي تهددها الأزمات الإنسانية والسياسية والاقتصادية والكوراث الطبيعية، فما حجم العمل الكويتي الإنساني في الصومال؟ وما الخلفية التاريخية لهذه البصمة الكويتية؟ وما آفاق هذا الوجود التاريخي حاضراً ومستقبلاً؟
في ثمانينات القرن الماضي وقبل سقوط الدولة الصومالية بعقد كانت العلاقات السياسية بين الكويت والصومال قوية، وترتكز في التعاون الدبلوماسي بين البلدين، كما أن النظام العسكري بزعامة (سياد بري) عارض بشدة الحرب التي شنها الرئيس السابق صدام حسين على جارته الكويت، ووقفت الدولة الصومالية في صف الإجماع العربي للتنديد بغزو العراق على الكويت.
ومنذ ذلك الحين لم تغب السياسات والعلاقات الخارجية بين البلدين؛ فكانت الكويت عوناً وسنداً للصومال بعد أن حدثت المشقة بعد التسعينيات من القرن الماضي، وكانت الكويت من أوائل الدول التي استجابت لنداءات الإغاثة التي أطلقها المجتمع الدولي لمساعدة الشعب الصومالي.
حرب أهلية
ويشيد المسؤولون الكويتيون بعمق العلاقات التاريخية التي تربط دولة الكويت بالصومال في جميع المجالات، وكانت دولة الكويت ومازلت في مقدمة الدول الداعمة والمساندة للصومال؛ إذ استمرت مساندتها للشعب الصومالي في أزماته التي استمرت منذ عقدين من الزمن، حين شهد الصومال فترات حرب أهلية مريرة، ولم يكتب لها النجاح إلا بمساندة من الشعب الكويتي الشقيق لأخيه الصومالي الجريح.
مؤتمر المصالحة
وتسعى دولة الكويت لدعم القضايا العربية ومنها القضية الصومالية، انطلاقا من حرصها على تحقيق التضامن العربي ووحدة الصف بين الأمة العربية، ونصرة القضايا الوطنية ولاسيما في أوقات المحن والشدائد، وكانت بادرت الكويت عام 1997 بتغطية تكاليف مؤتمر المصالحة الصومالية البالغة مئة ألف دولار أمريكي؛ ما يترجم اهتمام دولة الكويت وشعبها وتعاطفها مع الشعب الصومال الشقيق الذي عانى كثيراً من المآسي.
قروض
وبدورهم يؤكد المسؤولون الصوماليون حرص دولة الكويت على اهتمامها بشؤون بلادهم من خلال مشاركتها للعديد من الحملات الإنسانية لمساعدة الشعب الصومالي، وتشير إحصاءات الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية الذي تأسسس عام 1961 أنه قدم قرضاً للصومال بلغت قيمته 99,146 مليون دولار أميريكي، شملت قطاعات الزراعة والطاقة.
مجاعة 2011
وبعد أن وقعت الصومال في فخ فريسة الأزمات الإنسانية، تقاطرت الهيئات الدولية والإقليمية والعربية أليها، من أجل مد يد العون للصوماليين، وكان أبرز تلك الهيئات الجمعيات الخيرية الكويتية.
حيث دخلت تلك الجمعيات البلاد في أوج مجاعة عام 2011 التي حصدت أرواح مالايقل عن 250 ألف صومالي جُلهم من الأقاليم الجنوبية في البلاد، ومن بين تلك الجمعيات على سبيل الحصر لا الذكر.
1. جمعية إحياء التراث الإسلامي.
2- جمعية العون المباشر.
3. جمعية عبدالله النوري
4. سنابل الخير.
5. الرحمة العالمية.
6. الصندوق الكويتي للتنمية.
وكل تلك الجمعيات أنشطتها وأدوارها المختلفة في (مقديشو) ومناطق أرض الصومال و(بونتلاند)؛ فكثيراً من تلك الجمعيات لها فروع محلية تقدم المساعدات الإغاثية للصومال وتوزيعها، سواء كانت تعليمية أم رعاية أيتام أم مشاريع طويلة الأمد.
وجوه صومالية.. لكن كويتية
وبسبب التجارب العملية التي اكتسبها العديد من العاملين في القطاع الخيري، الذين كان لهم دور كبير في تيسير أجندات العمل الخيري الكويتي واستراتيجياته في الصومال، يعمل هؤلاء اليوم في سلك الحكومة الصومالية، وهم من بين القيادات الأكثر تأثيراً في الساحة السياسية الصومالية، ومن ضمن هؤلاء (فارح شيخ عبدالقادر) وزير العدل السابق في الحكومة الصومالية والنائب في البرلمان الحالي.
ويعد (فارح شيخ) من التجارب الفريدة التي اشتهرت بالإخلاص والتفاني في العمل مع الجمعيات الخيرية الكويتية، ؛ إذ كان من أوائل العاملين مع مسؤولي لجنة مسلمي أفريقياً ابتداء من فترة التسعينيات من القرن الماضي وحتى قبل انخراطه في سلك السياسة في الصومال عقب عام 2011، ومازال (فارح شيخ) يعمل مستشاراً لدى الجمعية التي كان من الذين أسسوا لبنتها الأولى في منطقة القرن الأفريقي.
كما يعمل الكثير ممن أنجبتهم الهيئات الخيرية الكويتية في مكاتب مختلفة في الصومال؛ فبعضهم يعملون مع الحكومة الصومالية، وغيرهم يشغلون مناصب إدارية عليا في الجامعات المحلية، وبعضهم أيضاً يقودون مسيرة الاستثمار الذي تشهدها الصومال حالياً؛ إذ أسس بعضهم مشاريع تجارية ضخمة تدر شهرياً أرباحاً مالية كبيرة.
الآفاق والمآل
لاشك أن الدور الكويتي في الصومال من أنجح التجارب الإنسانية وأروعها مثالاً؛ ففي العام الماضي منحت الأمم المتحدة الكويت جائزة أفضل دولة في التقديم الإنساني في العالم، وتسلمها سمو الأمير والأب الحنون الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح؛ وذلك تقديراً للدور الرائد للعمل الكويتي في العالم.
ومن المناسب الآن أن نطرح تساؤلاً مهماً وهو: ما آفاق العمل الخيري الكويتي ومآلاته في الصومال؟ وهل قابل للاستمرار كما كان معهوداً من قبل؟ أم أن قطار العمل الخيري الكويتي وصل إلى محطة الوقوف لاسمح الله؟ لأنني أُعدُّ نفسي من أبناء الكويت؛ إذ أكملت ثانويتي في إحدى المدارس التي تمولها جمعية العون المباشر.
توقف الأنشطة
ثمة تحديات أمنية وسياسية كثيرة تواجه القائمين على العمل الخيري في الصومال، كما أن العديد من الأنشطة الخيرية العربية توقفت بالفعل أو بالكاد في طريقها إلى النفاذ؛ بسبب تغير وجهات نظر الدول العربية تجاه الأزمة الصومالية التي كانت في السابق في قائمة القضايا العربية، التي تطرح للنقاش والتساؤل. كما أن انشغال المجتمعات العربية حكومات وشعوباً بالشؤون الداخلية وضع الصومال في قائمة الدول التي تهددها المأساة والكوارث الإنسانية؛بسبب إعصار (إلنينو) الذي امتدت عواصفه إلى أجزاء من الصومال.
ويرى القائمون على العمل الخيري في الصومال أن الكويت قادرة على منح الصومال دفعات جديدة لأنشطتها الخيرية وتوجيه هيئات جديدة إليه؛ من أجل اكتمال مسيرة العمل الخيري الكويتي الرائدة في الصومال الذي امتد لأكثر من 25 عاماً.
بينما يرى كثيرون أن العمل الخيري الخليجي لم يعد كما كان؛ إذ أغلقت أبواب وأوصدت نوافذ كثيرة كانت مفتوحة للعمل الخيري؛ وذلك لضعف التمويل أوغياب الرؤى والاستراتيجيات لمواصلة العمل الخيري العربي في الصومال.
وتعد دول الخليج من أنشط الدول التي قدمت وماتزال مساعدات إغاثية للصومال وعلى مدار عقود، وفي مقدمتها الكويت والسعودية والإمارات، وهي الدول الأكثر نشاطاً في السلك الإنساني في الصومال؛ فالإمارات مثلاً لها الكثير من الهيئات المحلية التابعة لها، لكن نشاطها اقتصر على توزيع المعونات الغذائية والطبية في الفترة الأخيرة، أما السعودية فكان لها الكثير من الأدوار الإنسانية في الصومال، وكذلك الكويت كانت اليد المواسية للجرح الصومالي النازف في العسر وفي اليسر أيضاً.
لاتوجد تعليقات