رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.بسام خضر الشطي 7 مايو، 2018 0 تعليق

الصراع بين الحق والباطل

 

     من سُنن الله -عز وجل- في الكون سُنَّة التدافع بين الخير والشر، والإصلاح والإفساد، ودعاة الحق ودعاة الباطل؛ فإذا قام داعية الحق بما أوجب الله عليه من الدعوة والإصلاح ونشر الخير وتعليم العِلم، دفَع اللهُ به الشر عن الأمَّة، وحُجم ذلك الشر، وكلما قَوِيَ الخير، واتسعَت رقعته، أزهق الله الباطل، وكان أشبه ما يكون بالزبَد الذي يذهب جفاءً؛ قال -تعالى-: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأمْثَالَ}(الرعد: 17).

     قال الإمام الشوكاني -رحمه الله-: وهذان مثَلانِ ضربهما الله -سبحانه- للحق والباطل، إن الباطل وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال وعلاه فإن الله -سبحانه- سيَمحقه ويُبطله، ويَجعل العاقبة للحق وأهله، كالزبَد الذي يعلو الماء فيلقيه الماء ويضمحلُّ، وكخَبَث هذه الأجسام؛ فإنه وإن علا عليها فإن الكير يقذفه ويدفعه؛ فهذا مثل الباطل، وأما الماء الذي ينفع الناس، وينبت المراعي فيمكث في الأرض، كذلك الصفو مِن هذه الأجسام؛ فإنه يبقى خالصًا لا شوب فيه، وهو مثل الحق.

     ذلك مثل الحق والباطل في هذه الحياة؛ فالباطل يطفو ويعلو وينتفخ ويبدو رابيًا طافيًا، ما يلبث أن يذهب جُفاء مطروحًا لا حقيقة له ولا تماسك فيه، والحق يظل هادئًا ساكنًا، وربما يحسبه بعضُهم قد انزوى، أو غار، أو ضاع، أو مات، ولكنه هو الباقي في الأرض، كالماء المحيي، والمعدن الصريح، ينفع الناس.

     ورغم هذه الحقيقة التي كلما تذكرها أهل الخير ودعاة الحق، وتجلَّت لهم، غمَرهم التفاؤل بنصر قريب للحق، إلا أن هناك حقيقة أخرى ينبغي ألا تغيب عن أذهانهم، ألا وهي أن الصراع بين الحق والباطل باقٍ إلى قيام الساعة؛ فالزبَد لا يكون جفاءً إلا إذا قذفه السيل بقوة تُبدِّد تراكمه، وتمحق وجوده، والذهب لا يلمع بَريقه، وَيظهر جماله، وتُزال الأوساخ العالقة به حتى يُصلَى بالنار المحرقة، وكذلك الحق لا يزال في صراع مرير مع الباطل وأهله، يَصطلي أهلُ الحق بناره، ولكن الدولة والغلبة في نهاية المطاف للحق وأهله، قال -تعالى-: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}(البقرة: 251).

     قال ابن عطية -رحمه الله-: أخبر الله -تعالى- في هذه الآية أنه لولا دفعه بالمؤمنين في صدور الكفرة على مر الدهر {لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}؛ لأن الكفر كان يُطَبِّقُها ويَتمادى في أقطارها جميعها، ولكنه -تعالى- لا يُخْلي الزمان من قائم بحق، وداع إلى الله ومقاتل عليه، إلى أن جعل ذلك في أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة؛ فله الحمد.

وهنا يُمضي اللهُ أمرَه، وينفذ قدره، ويجعل كلمة الحق والخير والصلاح هي العُليا، ويجعل حصيلة الصراع والتنافس والتدافع في يد القوة الخيِّرة البانِية، التي استجاش الصراعُ أنبلَ ما فيها وأكرمَه، وأبلغَها أقصى درجات الكمال المقدر لها في الحياة.

ومن هنا كانت الفئة القليلة المؤمنة الواثقة بالله تَغْلِب في النهاية وتنتصِر، ذلك أنها تمثل إرادةَ اللهِ العُليا في دفعِ الفساد عن الأرض، وتمكين الصلاح في الحياة، إنها تنتصِر؛ لأنها تمثل غايةً عُليا تستحق الانتصار.

     لذلك فلابد من اليقين التام بأن النصر والغلبة لأهل الحق ودين الإسلام مهما طال ليل الباطل؛ فنور الحق قادم يقشع ظلمته؛ فعلى الدعاة أن يكونوا على ثقة تامة بذلك، ولكون مطيَّتهم في أحوالهم كلها التفاؤل بالغلبة والتمكين، وسلاحهم الصبر والتقوى {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}(آل عمران: 120).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك