رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود عبد الحفيظ البرتاوي 16 سبتمبر، 2019 0 تعليق

الشيخ مصطفى دياب للفرقان: الحوار الجاد مع الشباب هو الحل لكثير من مشكلاتهم سواء في السلوك أم الاعتقاد أم الأفكار


الشباب محط آمال كل أمة من أمم الأرض، سواء كانت مسلمة أم غير مسلمة، متطورة أم غير متطورة قديمة أم حديثة؛ ولذلك فإن كل أمة تضع في أولويات اهتماماتها العناية بالشباب والتركيز على كل ما من شأنه إصلاحهم والاستفادة من قدراتهم، ولا شك أن الحديث عن الشباب من الأهمية بمكان ولاسيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه المغريات بطرائقها ووسائلها وأشكالها المختلفة، وتعددت فيه الملهيات بفنونها وقنواتها ومجالاتها المتنوعة، لذلك التقت الفرقان عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية ورئيس لجنة الطلائع الشيخ مصطفى دياب في هذا اللقاء والحديث عن واقع الشباب والتحديات التي تواجههم.

- كيف تقيِّمون واقع الشباب اليوم؟

- أرى أن الشباب اليوم منهم المحب لدينه وإسلامه، المقبل على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، الواضح الرؤية في أمر دينه ودنياه؛ فهو يعتز بدينه، ويريد أن يتعلمه ويعمل به، ويتمسك بما يتعلم، وهذا يعد في هذا الزمان شابا متميزا وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالقابض على الجمر، كما في قوله الشريف صلى الله عليه وسلم: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ، كَالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ» (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

     ومنهم المحبط والمدمر الذي لا يهتم بأمر دينه ولا دنياه، بل يرى أن الحياة لا فائدة منها، وليس عنده أمل في النجاح في الدنيا أو النجاة في الآخرة، ومع ذلك يزداد بعدًا عن طريق الله -سبحانه وتعالى-، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا. قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (طه:124-126)، فهو ليس له رؤية واضحة ولا أهداف دينية أو دنيوية؛ لذا يتخبط في المعاصي والذنوب من باب إلى باب، ويقصِّر في الفراض والواجبات، فنسأل الله لهم العفو والعافية، والهداية إلى الطريق القويم.

     ومنهم الذي لا يبالي، فهو يعيش في الحياة كما تعيش سائر الكائنات بلا هدف ولا هوية؛ فتارة تجده في العبادة، وتارة أخرى تجده في الانحراف والضياع، يعيش للذة الدنيا، أيام يقضيها ويدَّعي أنه يعيش متعة الشباب! ولم يعلم المسكين أن المتعة واللذة الحقيقية في ركعة أو سجدة أو آية يقرؤها أو دعوة في جوف الليل أو عمل خير يقوم به، أو قربة يتقرب بها إلى الله -عز وجل-.

     إنه لم يسمع قول عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، ولم يعلم بهمته العالية وحرصه على طاعة الله وعبادته والتقرب إليه، قال - صلى الله عليه وسلم -: جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُهُ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَطُولَ عَلَيْكَ الزَّمَانُ، وَأَنْ تَمَلَّ، فَاقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ». فَقُلْتُ: دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، قَالَ: «فَاقْرَأْهُ فِي عَشْرَةٍ» قُلْتُ: دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، قَالَ: «فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ» قُلْتُ: دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، فَأَبَى. (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

- لو أردنا رصداً لأهم المشكلات التي يواجهها الشباب اليوم، فماذا تقول؟

- المشكلات أصبحت تتمركز حول محورين رئيسين: الشبهات، والشهوات.

أولًا: الشبهات

بعض الشباب لأنه لم يتعلم العلم الشرعي ولم يتعرف على أصول الدين، ولم يدرس شيئًا عن القضايا الفكرية مِن منظور الكتاب والسنة؛ فإنه يقع فريسة للجماعات الفكرية المنحرفة: كالدواعش أو التكفيريين أو الصوفيين.

وبعض الشباب يكون عنده حب للدين ونصرته، فيتعرض للمواقع التي يتبناها الملحدون، وليس عنده بناء علمي عقدي قوي؛ فيتأثر بالشبهات التي يلقونها عليه، فنقول لهذا الصنف: تعلم أولًا ثم ادخل وناضل، وانصر دينك.

     وبعض الشباب كذلك يسمع للمستشرقين الجدد -ممَن هم مِن جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا-، الذين يطعنون في الدين، ويشككون في أصوله وثوابته، ويحاولون التشكيك في الكتاب والسنة ومن نقلوهما إلينا؛ فيطعنون في الصحابة الكرام كأبي هريرة - رضي الله عنه - أو يطعنون في الكتب الصحاح: كصحيح البخاري!

وعلاج ذلك: أن يقبل الشباب على تعلّم العلم الشرعي من الكتاب والسنة أولًا قبل أن يستمعوا لأمثال هؤلاء، وإلا فإن تركهم لهؤلاء وعدم الإنصات إليهم أولى؛ حتى لا يعرضوا أنفسهم للفتنة.

ثانيًا: الشهوات

     والشهوات هي الأكثر انتشارًا وإفسادًا لأخلاق الشباب ودينهم، فكم من شابٍ ترك صلاته وعبادته؛ من أجل تعلق بها؛ فليتذكر الشباب أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات، وليعلم الشباب أن الله معهم أينما كانوا، لا يخفى عليه -سبحانه- شيء في الأرض ولا في السماء، {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} (لقمان:16)، وقال الله -سبحانه وتعالى-: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} (العلق:14)، وقال -عز وجل-: {لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} (المائدة:94).

- ماذا تقول عن شباب اليوم وتحمّلهم المسؤولية؟

- مِن الشباب مَن يعد نفسه لتحمّل المسؤولية الدينية والدنيوية؛ فيتعلم ويعمل ويدعو، فيتغير للأفضل، ويطالع أحوال الأمة، ويرى في نفسه داود العصر: {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ} (البقرة:251)؛ يرى أنه مَن سيحدث التغيير المنشود، ويرى أن الأمة تنتظر داود الداعي، والعالم والمعلِّم، والمخطط والقائد، والكاتب، والمجاهد، والعابد، داود المشاريع الإصلاحية والخدمية.

     ومِن الشباب مَن يحمل همَّ الدين على عاتقه، ويتردد في أذنيه صوت الحبيب صلى الله عليه وسلم : «لَا تَبْرَحُوا مِنْ مَكَانَكُمْ» (رواه ابن حبان، وصححه الألباني)، ويسمع صوت الصدِّيق - رضي الله عنه - ينادي: «أينقص الدين وأنا حي؟!»؛ فيشتعل قلبه حماسًا وعملًا، وبذلًا لهذا الدين.

     وهناك صنف آخر مِن الشباب -مع الأسف- غابت هويتهم، وتغيرت اهتماماتهم؛ فهم لا يفكرون إلا في المأكل والمشرب والملبس؛ ولا يعرفون شيئًا عن المسؤولية؛ لا مسؤولية الدين ولا مسؤولية الدنيا؛ فهؤلاء مع الأسف عالة على الأمة، وإن كانوا أغنى أغنياء الدنيا.

- وماذا عن اهتمامات الشباب اليوم؟

- مع الأسف الشديد أرى أن شريحة كبيرة من الشباب انصرفت إلى وسائل التواصل الاجتماعي؛ فمنهم مَن أدمن الألعاب، بل وأصبح يقامِر من خلال هذه الألعاب (بيع وشراء وهمي)، وصار مِن الشباب مَن لا يترك الموبايل حتى يسقط من يده من غلبة النعاس؛ لا يتركه لمذاكرة مثلًا أو صلاة أو قرآن أو طعام أو نوم؛ بل أصبح الأمر إدمانًا، هذا على مستوى الألعاب بأنواعها فقط، أما إذا تكلمنا عن الفيس بوك والليكات، واليوتيوب واليوتيوبر؛ فإنه هوس، فكم أفسدت التكنولوجيا الرقمية من حياة الأسرة! فقد يرسب الشاب، وتطلق المرأة من زوجها بسبب انشغاله عنها بالانترنت! وأنا لست ضد التكنولوجيا، وإنما أطالب بالاستفادة منها فيما ينفع البشرية، وإذا طالعت إحصائية يسيرة لتقف على نسبة مَن يستخدمون التكنولوجيا من الشباب في أغراضٍ نافعةٍ فسوف تصيبك الصدمة، فانظر إلى الأعداد التي تدخل إلى المواقع الإباحية الهابطة! وانظر إلى الأعداد التي تقضي يومها على (اليوتيوب)! وانظر إلى الأعداد التي لا تترك لعبة على (النت) حتى تصل إليها وتدمنها! إننا حقًّا نعيش في كابوس التكنولوجيا الرقمية.

- ما أهم فترات الشباب التي ينبغي الاعتناء بها في نظرك؟

- أرى أن أهم فترة يجب الاعتناء بها هي فترة المراهقة (من 12 إلى 18 سنة)، وهي أخطر المراحل وأهمها وأكثرها إشكاليات، وأكثرها حاجة إلى الدراسة والتوجيه؛ لأنها مرحلة بناء الشخصية السوية بإذن الله، فالشباب هم مستقبل الأمة، وأمة بلا شباب لا مستقبل لها.

مرحلة المراهقة

     ومرحلة المراهقة ليست مرحلة طيش وانحراف كما يعتقد بعض الناس، لكنها مرحلة التدرج نحو النضج، وهي سن العطاء والبذل، والعطف والتعاطف، والحب والود، وكل خير، ويمر الطفل مع بداية بلوغه بسلسلة كبيرة من التغيرات الفسيولوجية، فيحدث النضج الجسمي والجنسي، والعقلي والنفسي، والاجتماعي والوجداني، ومع الأسف فإن كثيرًا من الآباء والمربين يهتمون فقط بمظهر الجسم ونموه لدى أبنائهم، ولا يهتمون بباقي جوانب النمو التي تُحدث التغير الكبير في السلوك.

بناء الشخصية السوية

     وفي الحقيقة: إن المراهق نفسه يعيش جوًّا صعبًا من الناحية النفسية؛ فهو يمر بمراحل نمو وتغيرات لا يعرف عنها شيئًا، وتظهر له حاجات يريد أن يلبيها ولا يعرف لذلك سبيلًا صحيحًا، فتكثر في حياته الاضطرابات لقلة الخبرة ونقص التوجيه من جهة، وضعف المعايشة وسيطرة رفقاء السوء من جهة أخرى، وهذه المرحلة مرحلة بناء الشخصية السوية، وهي مرحلة البذر والزرع والحصاد، وسرعان ما تمر وتزول ربما دون توجيه فيخسر الشباب.

والشباب في هذه الفترة أشد ما يكونون احتياجًا للحب والتوجيه، والإرشاد بلطفٍ ورفقٍ، وإدراك لخصائص مرحلتهم، وحسن التعامل مع تلك الخصائص؛ فإنهم كنوز المستقبل.

- كيف يمكن حماية الشباب من الأفكار المنحرفة سواء الفكرية أم الاعتقادية؟

- كما ذكرنا سابقًا من أن الفتنة التي يتعرض لها الشباب على محورين: محور الشبهات، ومحور الشهوات، فأما المحور الأول: (الشبهات): فالتغلب عليه -بعد توفيق الله تعالى- يكون بالعلم وإزالة الجهل، فإذا أردنا حماية الشباب؛ فيجب أن نرتب لهم المربين الأكفاء المتميزين الذين يحسنون عرض القضايا الفكرية والعقائدية بطريقة عصرية سلسلة لا تخرج عن المنهج السلفي، مع توفير التقنيات المتطورة، وتكثيف أنماط التعلم، التي تكون مِن خلال الدراسة المنهجية المنتظمة (معاهد أو حلقات) أو الدورات العلمية المكثفة، أو المحاضرات العامة، أو جلسات الحوار والنقاش، أو من خلال مسابقات البحوث أو التثقيف التتابعي (قليل ومستمر، مثلًا 5 دقائق يوميًّا).

حوار الشباب

ومن الضروري جدًّا: الاهتمام بمناقشات الشباب، والاستماع إلى شبهاتهم، والإجابة عنها دون ملل. فالحوار الجاد مع الشباب هو الحل لكثير من مشكلاتهم سواء في السلوك أم الاعتقاد أم الأفكار.

     وأما المحور الثاني (الشهوات): فيتغلب عليه -بفضل الله تعالى- بتربية الشباب على مراقبة الله -سبحانه وتعالى- ومحبته ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والارتباط بأهل الخير والرفقة الصالحة، والانشغال بالطاعات وأعمال الخير والبر؛ فإن نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.

- كيف ترى واقع التعليم ودوره في بناء أجيال قادرة على تحمل المسؤولية؟

- في الحقيقة: إن واقع التعليم في الدول العربية عمومًا واقع مرير، ولا أراه مبشِّرًا ببناء أجيال قادرة على تتحمل المسؤولية أو أن يكونوا قادة في المستقبل، طالما ظلت منظومات التعليم بالوضع التي هي عليها في بلادنا، ولنا أن نعلم أن العملية التعليمية أساسها: الطالب والمعلِّم والمناهج التربوية ذات المحتوى القيِّم الذي يبني العقول النيرة.

مشكلة في وطننا العربي

     ونحن عندنا في الوطن العربي مشكلة: إما أنها في الطالب الذي أصبح لا يرى للتعليم فائدة، وانشغل بالنت والتكنولوجيا، ولم يحسن استخدام هذه التقنيات الحديثة إلا في الانشغال بالأفلام والمسلسلات أو الألعاب، وقليل جدًّا جدًّا مَن يحاول التعلم مِن خلال برامج الإنترنت المتاحة والميسرة.

تربية الأبناء

     وقد أصبحت تربية الأبناء مشكلة لكثير من الآباء والأمهات؛ لأنهم لم يتربوا على طلب العلم، ولا على محاولة بناء الذات والتعلم الذاتي، كما أن المعلمين كثيرٌ منهم لم يحرص على تطوير نفسه، ولم تحرص كذلك المؤسسة التعليمية على تطويره تطويرا جديا.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك