رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 10 أبريل، 2012 0 تعليق

الشيخ محمد حسان في بيان هام للأمة المصرية: لابـد مـن الاتحـاد والتـعـــاون ونبـذ الفرقة والاختلاف، وإن أخطر أزمات مصـرالأزمة «الأخلاقيـة»

 

في خطبة رائعة كانت أشبه بالبيان الرسمي، وجه الشيخ محمد حسان خطابًا إلى المجتمع المصري، بكافة أشكاله وأطيافه المختلفة، داعيًا إياهم إلى نبذ الفرقة، وتوحيد الكلمة قائلاً لهم: ياأهل مصر أقول لكم إن التنازع والتفرق سبب رئيس من أسباب كل ألوان الهزائم، وسبب للضعف والبعد عن العز والنصر والتمكين. 

وابتدأ الشيخ خطبته بالتأكيد على دور العلماء والدعاة إلى الله عز وجل، وأنه لا يجوز لهم أن يكونوا بطرحهم العلمي واللغوي في جانب، وأمتنا في جانب آخر، قائلا: أزعم أن كلمة واحدة تخرج مصر من أزمتها العميقة، ولما لا؟ وهي كلمة ربانية، ووصية إلهية، إنها: {ولا تفرقوا}. ثم انتقل الشيخ إلى توصيف الوضع الحالي في مصر قائلاً: إن كل ما تعانيه مصر الآن، بسبب التشرذم والتخوين، فالكل يخون الكل، وكل رجل وكل شيخ وكل حزب يرى أنه على الحق وحده، وغيره على الباطل.

       وأضاف قائلا: «فرقنا الحسد والكراهية وحب الدنيا والمناصب والكراسي، والحرص على المصالح الشخصية والفئوية الضيقة، وفرقنا العمل من أجل الأنا، فكل واحد فينا صار لا يسمع إلا نفسه».

        وأشار إلى أن كلمة: {ولا تفرقوا}، قد يستهين بعضهم بها، لكنها وصية ربانية، فمعناها النهي عن تشتيت الكلمة والصف، الذي نراه الآن، فقد تشققت الكلمة والصف، رغم أن الاختلاف في طرح الرؤى أمر عادي، فالتباين آية من آيات الله، متسائلا، «لماذا جعلناها سبباً في التقاطع والتفرق»?

        وتابع الشيخ قائلا: «يأهل مصر أقول لكم إن التنازع والتفرق سبب رئيس من أسباب كل ألوان الهزائم، وسبب للضعف والبعد عن العز والنصر والتمكين»، مشيراً إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه هُزموا في غزوة أحد بسبب الاختلاف، وهو ما أدى إلى استشهاد أكثر من سبعين صحابياً، وانتشر كذباً خبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم  .

        وأشار إلى أنه إذا كان التفرق والتنازع سبباً لهزيمة أشرف الخلق، فكيف بنا نحن أهل المعاصي والهوى؟! لافتاً إلى أن الله، عز وجل، يوجه إلينا وصية غالية: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا من بعد ما جاءتهم البينات}، فالتفرق داء عضال ومرض وبال، يصيب مصرنا الآن بأزمة حادة، ويرى كل فريق أنه على الحق، وأن غيره على الباطل، ولم يقتصر الاتهام على الأعمال والأفعال، بل تعدى إلى النوايا، ولا حرج إن قلت: إن الشعب يرفع الآن شعار «الشعب يخوّن الشعب والكل يخوّن الكل».

         وذكَّر الشيخ بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال: وكثرة السؤال، وإضاعة المال»، ويقول أيضا صلى الله عليه وسلم : «عليكم بالجماعة فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة».

وحدد الشيخ -حفظه الله- المخرج من هذه الأزمة في نقاط خمس هي:

- أولاً: ينبغي أن نعرف أن الخلاف أمر قدري لن يزول إلى قيام الساعة، بشرط ألا يؤدي هذا الخلاف إلى الشقاق والتنازع، فلنختلف ولتتباين آراؤنا وأطروحاتنا، دون أن يتهم بعضنا الآخرين بالخيانة، وأنه لا مانع من اختلاف الآراء، بل واختلاف العقائد أيضاً؛ لأن الجميع يعيش في سفينة واحدة والجميع مسؤول عنها؛ لأنها إذا غرقت غرق الجميع مسلمين وأقباطا، وإذا نجت نجا الجميع مسلمين وأقباطا، فلا ينبغي أن يتوهم مصري، مهما كان حجم جماعته أو قوة فصيله الذي ينتمي إليه، أنه وحده قادر على أن يحمل مصر أو يحميها».

          وأوضح أن الإخوان أو السلفيين، أو العلمانيين لا يستطيعون أن يحملوا مصر ويحكموها بمفردهم، مشيراً إلى أنه لابد من الاتحاد والتعاون والائتلاف ونبذ الفرقة والاختلاف، فلا ينبغي أن يتصلب فصيل وأن يختزل مصر كلها، بل يجب على الجميع أن يلين لإخوانه من أجل إنقاذ مصر، فمصر تتعرض لأزمة اقتصادية حقيقية، ولأزمة أمنية وإعلامية وتعليمية وصحية، ولأخطر أزمات مصر، ألا وهي الأزمة «الأخلاقية».

- وفي السياق نفسه، تابع فضيلة الشيخ قائلاً: «إذا كان إسلامنا لا يجيز لنا أن نجبر أحداً على الدخول في ديننا، أفيجيز لنا أن نجبر أحداً على اعتناق أفكارنا وأطروحاتنا؟!»، مشيراً إلى أنه ينبغي على كل فرد منا أن يطرح ما لديه من رؤى بأدب، حتى وإن اختلفنا بعد الطرح والنقاش، فيجب أن نتفق على ما ينقذ هذا البلد.

        وأما المخرج الثاني من هذه الأزمة فيتمثل في التجرد وتصحيح النية وتجريد النفس من رؤية النفس، قائلا: إنه لا يجوز لمسلم عاقل أن يدعي لنفسه أنه هو الذي يستطيع أن يتكلم باسم مصر، مشيراً إلى أنه لا يريد أن يتكلم أحد في مصر الآن من أجل حزبه أو شركته أو جماعته، بل يتكلم من أجل مصر، معبراً عن ذلك بقوله: «ليس المهم مَن يرفع الراية، ولكن المهم أن تُرفع الراية، وليس المهم مَن يقول الآن قولة الحق والعدل، المهم أن تقال قولة الحق والعدل، على لسان أي مصري شريف».

- أما الحل الثالث: فهو تصحيح الانتماء، فالانتماء يكون لله أولاً، ثم لمصر، وليس لحزب أو جماعة أو شركة أو هيئة، مستدلاً بقوله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}.

- وتابع فضيلته قائلا: «تحرر من كل قيد، ولا تتعصب تعصباً بغيضاً أعمى، يصم أذنيك عن سماع الحق، ويعمي بصرك عن رؤية الدليل، لا تتعصب لشيخ، مهما كان وزنه ومهما كان قدره ومكانته في قلبك، بل تعصب للحق ودر مع الحق بدليله حيث دار».

- ثم أكد على أننا لو قدمنا مصلحة البلاد، على المصالح الحزبية والفئوية الضيقة، ما رأينا كل هذه المشكلات، من انفلات أمني وبلطجة وقطع الطرق، شاجبا كل من يقطع طريقا لمصلحة فئوية، لافتاً إلى حرمة الأمر في القرآن والسنة.

- كما أكد أيضًا أن حب الوطن من الدين، فالله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم  : {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد}، ويقول ابن عباس في تفسير هذه الآية: {إلى معاد} أي إلى «مكة»؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تألم عندما خرج من بيته مهاجراً في سبيل نصرة الدين الحنيف، فوعده الله بالعودة إلى وطنه مرة أخرى، كما استشهد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إلى المدينة قائلا: «اللهم حبب إلينا المدينة كحب مكة أو أشد».

       أما الحل الرابع، فهو تحقيق الأخوة الإيمانية، فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم  : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

- وأما المخرج الخامس: فهو إعلاء قيمة الأخلاق، فلا صلاح لنا إلا بالأخلاق الكريمة، مشيراً إلى أنه لن تعزى مصر أبداً بتطاول الصغار على الكبار أو بالانفلات الأمني وترويع الآمنين.

        وتطرق حسان إلى الحل الأخير من وجهة نظره: وهو إعلاء قيمة العمل، قائلا: نريد أن نهدأ قليلاً لنبدأ البناء، فلن يحصل مصري على جميع حقوقه دون العمل، مستشهداً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا وكان له به صدقة».

           وخاطب الشيخ الشباب المصري في نهاية خطبته قائلاً لهم: «لستم أقل من شباب اليابان أو شباب كوريا أو شباب أمريكا أو إيران أو تركيا، فعلينا أن نعمل وأن نبدع وأن ننتج».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك