رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 28 مارس، 2018 0 تعليق

الشيخ محمد الحمود النجدي يروي تجربته مع العمل الدعوي – الأمة الإسلامية تجتاحها أزمة تربوية وأخلاقية علاجها العودة للكتاب والسنة (الحلقة الثانية)


استكمالا للحوار الذي بدأناه مع رئيس اللجنة العلمية بجمعية إحياء التراث الإسلامي الشيخ محمد الحمود النجدي حول واقع الدعوة الإسلامية والإشكالات التي تمر بها الدعوة في الفترة الأخيرة، وفي هذه الحلقة سألنا الشيخ أسئلة عدة وهي إمكانية التنسيق والتعاون بين الجماعات الإسلامية من خلال منظور شرعي، وتقييم الشيخ لواقع الأمة الإسلامية في الفترة الحالية وعن رأيه في اعتزال بعض العلماء للدعوة العامة، وسألناه عن  ثورات ما يسمى بالربيع العربي.

التعاون بين الجماعات الإسلامية

من الواجب أن يكون المسلم معتنيا بأنواع التعاملات مع الخلق؛ فيتعامل معهم وفق الشرع، ولا يكون متعاملا معهم على وفق هواه، ولا على وفق ما يريد هو؛ فالتعامل مع الناس بأصنافهم، يحتاج إلى العلم الشرعي، وإلى الحكمة في التطبيق.

وبذلك تظهر أهمية هذا الموضوع، وهو: فقه التعامل مع المخالف.

ويلاحظ بوضوح أن التعامل مع المخالف يجري اليوم بين المسلمين، الدعاة وغيرهم، وفق مناهج متباينة ومضطربة؛ فهناك المنهج المتساهل المفرط، وهناك المنهج المتشدد المتنطع.

والكلام على الناس، وتقرير طريقة التعامل معهم، أو الموقف منهم يجب أن يكون مبناه على العلم والعدل، والتزام أُصول منهج أهل السُّنّة وقواعدهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: «ولما كان أتْباع الأنبياء هم أهل العلم والعدل، كان كلام أهل الإسلام والسُّنة مع الكفار، وأهل البدع بالعلم والعدل، لا بالظن وما تهوى الأنفس!». الجواب الصِّحيح (1/107-108).

     وقال: «وأئمة السُّنّة والجماعة، وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة؛ فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسُّنّة، سالمين من البدعة، ويرحمون الخَلق؛ فيريدون لهم الخير والهدى والعلم، لا يقصدون الشرّ لهم ابتداءً، بل إذا عاقبوهم وبيّنوا خطأهم، كان قصدهم بذلك بيان الحق، ورحمة الخلق». الرد على البكري (2/49).

     ومما ذكره أهل العلم أن البدع تتفاوت، وأنّ أهل البدع طبقات؛ فالتعامل معهم ليس سواء؛ فمنهم من سقط في بدعة أو بدعتيـن بغير قصد، وأصوله صحيحة؛ فهذا لا يعد من أهل البدع، ومنهم من كان في أصوله ابتداع، ومنهم من كان داعية لبدعة، محارباً لأهل السنة، ومنهم مَن لا يعاديهم، ومنهم الداعي إلى بدعته، ومنهم العامل بالبدعة، ولا يكون داعياً إليها؛ فمعاملتهم ليست سواء؛ فيجب التفريق بين الداعية و غير الداعية.

      وكذلك لابد من التفريق بين البلد الذي تكون فيه السُّنة قوية، وأهلها معززون، والبلد الذي تكون فيه دعوة أهل السنة غير قوية، وأهلها ضعفاء، وكذلك الزمان والمكان الذي عمّ فيه وانتشر الجهل بمذهب السلف، والزمان والمكان الذي فيه نور النبوة ومذهب السلف منتشر وقوي.

واقع الأمَّة الإسلامية

     الأمة العربية الإسلامية في السنوات السابقة مرت بأحداث عصيبة وعسيرة، بل ودموية أحياناً حصلت فيها تغيرٍات كبيرٍة، طالت بعض الدول والأنظمة الظالمة، والملحدة أحيانا، وقد تابع الناس أحداث تونس، ومصر، ثم ليبيا، وسوريا، والعراق، واليمن، وغيرها، وذلك باهتمام ومتابعة، وقلوبهم معلقة بآمال كبيرة وكثيرة! على حصول تغيرات جوهرية نحو الأفضل والأحسن! ولكن لم يحصل شيء مما أَمَّلوه، بل حصل عكس ذلك من ضياع للأمن، واضطراب وفوضى في البلاد، وتخريب للمدن، وتشريد لأهلها، كما حصل في سوريا وليبيا وغيرها، ولا يزال المستقبل مجهولا لها، وما يدري المسلمون ماذا سيحصل في بلادهم؟! ولله الأمر من قبل ومن بعد!

مشروعية الثورات

     وفي خلال هذه الأحداث تداول كثيرٍ من الشباب أسئلة كثيرة، وجرى بينهم نقاشٌ طويل وعريضٌ عبر مجالسهم ونواديهم، وعبر قنوات الاتصال الحديثة، كرسائل الجوال، والمواقع الاجتماعية المختلفة، بعلم أحيانا كان الجدال، وبغير علم أحيانا كثيرة! يتساءلون فيها عن مشروعية هذه الثورات والاحتجاجات الجماعية وجدواها، وهل هي خروج على الحاكم أم لا؟ وما الموقف الشرعي الصحيح منها؟ ولماذا لا نرى بعض الرموز الدعوية تشارك فيها وتقود المسيرة؟ وهل هذا خطأ منهم أو صواب؟

مشاركة الخوارج

     فنحن نقول أولا: مسألة الخروج على الحاكم المسلم، الذي أقام في المسلمين الصلاة، ولم يروا منه كفراً بواحاً، فمنهج أهل السنة والجماعة واضح في تحريمه، ولو جار أو ظلم، ولو استأثر بالأموال لخاصة نفسه، لحديث أم سلمة -رضي الله عنها-: أن النبي صلى الله عليه وسلم : «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون؛ فمن عَرف برىء، ومن أنكر سلم، ولكن مَن رضي وتابع»، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا، ما صلُّوا». رواه مسلم. وكما في حديث عوف بن مالك رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم : «خيار أئمتكم الذين تُحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تُبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم»، قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: «لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه؛ فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا طاعة». رواه مسلم ( 1855). ولحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «دعانا رسول الله فبايعناه؛ فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً، عندكم من الله فيه برهان» رواه الشيخان.

حرمة الخروج

     وقد استقر أمر أهل السنة والجماعة على حرمة الخروج على الحاكم المسلم ولو كان ظالما، نص على ذلك أهل العلم قديما وحديثا، منهم القاضي عياض، ونقله الأمام النووي كما في شرح مسلم (11/433)، وكذا شيخ الاسلام ابن تيمية في منهاج السنة (4/529)، والحافظ ابن حجر، وأئمة الدعوة، وغيرهم، وهو الحق إن شاء الله، وهو إجماع منهم.

الكفر البواح

     وأما من أظهر الكفر البواح، وهو الظاهر المعلن، الذي دلّت نصوص الشرع عليه صراحة؛ فقد أجاز العلماء الخروج عليه، لكن بشرط القدرة على ذلك، وهو شرط مهمٌ جداً، حتى لا تُسفك الدماءٌ المعصومة، وتزهق الأرواحٌ البريئة بغير فائدة، قال الإمام الشيخ ابن باز -رحمه الله-: «لا يجوز الخروج على السلطان إلا بشرطين: أحدهما: وجود كفر بواح عندهم من الله فيه برهان.  والشرط الثاني: القدرة على إزالة الحاكم إزالة لا يترتب عليها شرٌ أكبر منه. مجموع فتاوى ابن باز (8/206). وقد عانت الأمة الإسلامية كثيراً من حركات الخروج هذه، قديما وحديثا؛ حيث ذهبت فيها أرواحٌ كثيرة دون طائل، وأتلفت فيها أملاك، وخربت أوطان، وزادت الأحوال فيها سوءا، خلافاً للمقصود، من الإصلاح للبلاد والعباد.

اعتزال العلماء

من اعتزل الدعوة بعد الثوارت التي جرت في الوطن العربي الإسلامي، هم في نظري أحد رجلين:

     إما رجل تبين للناس خطأه الواضح في جرّ الناس إلى تلك الثورات والفتن التي جرت في بلاده، وما عاناه الناس من ويلات ومحن وفتن، أكلت الأخضر واليابس؛ بسبب فتاويه وخطاباته، فلم يعد الناس يثقون به ولا بكلامه وتوجيهاته، بعد الفشل الذريع الذي حصل في تلك البلاد؛ فانفض الناس عنه، وهذا أيضا من عقوبة الله له بسبب إضرارره بالمسلمين، وتحمليهم ما لا يطيقون ولا يستطيعون. والثاني: رجل منع من الكلام أو الخطابة أو الكتابة، بعد تلك الثورات التي لا يميز أهلها أحياناً بين الصالح والطالح، والسني والبدعي؛ فهو بعيد ليس اختياراً، وإنما إكراهاً.

المخرج مما أصاب الأمة

يقول الله -تعالى-: {إنّ الله لا ُيغير ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقومٍ سوءًا فلا مردّ له ومالهم من دونه من والٍ}(الرعد : 11).

     فلله -عز وجل- سنناً لا تتغير، وقوانين لا تتبدل، قال -سبحانه-: {وإنْ يعودوا فقد مَضَت سنة الأولين}(الأنفال: 38). وقال: {سُنّة الله التي قد خَلت من قبلُ ولن تجد لسنّة الله تبديلاً}(الفتح: 23).  فالله -عز وجل- لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، بمعنى: أن الله -تبارك وتعالى- إذا أنعم على قومٍ بالأمن والعزة والرزق، والقوة والتمكين في الأرض، فإنه -سبحانه وتعالى- لا يزيل نعمته عنهم، ولا يسلبهم إياها، إلا إذا بدّلوا أحوالهم، بأنْ تركوا الشكر وكفروا بأنعم الله -تعالى- ونقضوا عهده؛ فتركوا طاعته، وارتكبوا ماحرم عليهم، وظلموا أنفسهم. وكذلك هو -سبحانه- لا يغير ما بقوم من ضعفٍ وفقر وذلة ومرض، حتى يغيروا ما بهم من معصية إلى الطاعة، والغفلة إلى الذكر، أو ترك فرائضه إلى المداومة عليها.

     هذا عهد الله وميثاقه {ومن أوفى بعهده من الله}؟! فإذا فعلوا ذلك لم يكن لهم عند الله عهدٌ ولا ميثاق، بل تجَري عليهم سنّة الله التي لا تتغير ولا تتبدل، فإذا بالأمن يتحول إلى خوف، والغنى يتبدل إلى فقر، والعزة تؤول إلى ذلةٍ، والتمكين إلى هوان، والاجتماع إلى تفرق وتشرد.

     وقال -سبحانه- عن أهل حَرَمه فكيف بغيرهم؟! قال: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباسَ الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون}(النحل : 112-113).

الضعف والهوان

     والمتأمل اليوم في حال أمة الإسلام وماأصابها من الضعف والهوان، وما سُلط عليها من الذل والصَّغار على أيدي أبنائها وأعدائها، بعد أنْ كانت بالأمس أمة مهيبة الجناح، قوية مصونة الحقوق، ليرى بعين الحقيقة السبب في ذلك كله؛ فإنَّ أمتنا اليوم أمةً أسْرفت على نفسها كثيراً، وتمادت في المعاصي بعيداً، واغترت بحلم الله وعفوه، وحسبت أن ذلك من -رضى الله عنها- ونسيت أن الله يُمهل ولا يهمل، وأن للذنوب عقوبات، وما الأمة إلا مجموعة أفراد من ضمنهم أنا وأنت، وأهلي وأهلك.

ديار المسلمين

     تجول أيها المسلم في ديار الإسلام وأخبرني ماذا بقي من المحرمات لم يرتكب؟! وماذا بقي من الفواحش لم يذاع ويعلن؟! وأول ذلك وأعظمه: الشرك بالله، كبيره وصغيره لا يزال عند كثير من المسلمين موجوداً؛ فالأكبر منه هو كالتوجه للقبور والأضرحة بالدعاء، وسؤال الموتى من الصالحين قضاء الحاجات، وتفريج الكربات! فهناك مئات الأضرحة والمشاهد، والأصغر كالحلف بغير الله، وإرادة الدنيا بعمل الآخرة، وأما الكبائر فحدّث ولا حرج؛ فعقوق الوالدين منتشر، والربا صروحه في كل مكان قد شيدت، حرباً على الله ورسوله، والرشوة قد شاعت وانتشرت! والزنا وسائله قد أعلنت وتزينت في كل شارع! وفي كل قناة فضائية وجريدة! والسفور والتبرج قد حل محل الستر والطهر والعفاف. والخمر -وهي أم الخبائث- صارت لها مصانع ومتاجر في كثير من بلاد المسلمين!  وارتفع الغناء (صوت الشيطان)، وخفض القرآن ( كلام الرحمن )، وعزفت المعازف جهاراً في البيوت والأسواق، بل وفي المدارس والجامعات! وتجملت وصدحت القينات (المغنيات) في المحافل والإذاعات والفضائيات!  حُكمٌ بغير ما أنزل الله الرحيم الرحمن، وبقوانين ما أنزل الله بها من سلطان.  وتخلى المسلمون عن الجهاد بأنواعه إلا من رحم الله، وركنوا إلى الدنيا، وتبايعوا بالعينة، وتبعوا أذناب البقر. أفبعد هذا نرجو نصر الله وعزته وتمكينه؟!

أبعد هذا نتساءل لماذا حلّ بنا هذا الهوان؟!

أفبعد هذا نستغرب ما أصابنا من الذل على أيدي أعدائنا من اليهود والنصارى، والمجوس والهندوس والبوذيين وغيرهم؟!

العودة للدين

إننا لن نخرج مما نحن فيه من الذل والصغار، ولن ننال العزة والكرامة إلا إذا عُدنا إلى ديننا، وتمسّكنا بإسلامنا. فكما قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام؛ فإن ابتغينا العزة بغيره، أذلنا الله.

تغير الأفراد

     فالأمة لن تتغير إلا إذا تغير أفرادها، إلا إذا غيّرتُ أنا، وغيرتَ أنت، وهو وهي، إذا غيرنا أسلوب حياتنا إلى ما يوافق شرع الله ودينه، وقلنا لربنا: سمعاً وطاعة، في أوامره ونواهيه، واتبعنا هدي نبينا صلى الله عليه وسلم ، وتركنا هدي الأمم المشركة، كما أمر الله -عزوجل- {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.  عندها نصبح أفراداً وأمة أهلاً لموعود الله -تعالى- بأن يغير الله ذلنا إلى عزة، وضعفنا إلى قوة، وهواننا إلى تمكين.

غربة الدين

- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ»، قال النووي في معنى الحديث : «إنَّ الإِسْلام بَدَأَ في آحَاد مِنْ النَّاس وقِلَّة، ثُمَّ اِنْتَشَرَ وَظَهَرَ، ثُمَّ سَيَلْحَقُهُ النَّقْص وَالإِخْلال، حَتَّى لا يَبْقَى إِلا فِي آحَاد وَقِلَّة أَيْضًا كَمَا بَدَأ» اهـ.

     قال العلماء : فالإسلام بدأ غريباً، حينما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم  الناس إليه فلم يستجب له إلا الواحد بعد الواحد؛ فكان حينذاك غريباً بغربة أهله، لقلتهم وضعفهم مع كثرة خصومهم وقوتهم وطغيانهم، وتسلطهم على المسلمين، حتى هاجروا فراراً بدينهم من الفتن، ومن الأذى والاضطهاد والظلم والاستبداد، وحتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم  بأمر الله -تعالى- إلى المدينة بعد ما ناله من شدة الأذى يهيئ الله له من يؤازره في دعوته، ويقوم معه بنصر الإسلام وقد حقق الله رجاءه؛ فأعز جنده ونصر عبده، وقامت دولة الإسلام، وانتشر -بحول الله- في أرجاء الأرض، وجعل -سبحانه- كلمة الكفر هي السفلى وكلمة الله هي العليا، واستمر الأمر على ذلك زمناً طويلاً، ثم بدأ التفرق والوهن ودب بين المسلمين الضعف والفشل شيئاً فشيئاً حتى عاد الإسلام غريباً كما بدأ، لكن ليس ذلك لقلتهم فإنهم كثير، وإنما ذلك لعدم تمسكهم بدينهم واعتصامهم بكتاب ربهم وتنكبهم هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلا من شاء الله؛ فشغلهم بأنفسهم وبالإقبال على الدنيا فتنافسوا فيها كما تنافس من كان قبلهم، وتناحروا فيما بينهم على إمارتها وتراثها؛ فوجد أعداء الإسلام المداخل عليهم، وتمكنوا من ديارهم ورقابهم فاحتلوها، وأذلوا أهلها، وساموهم سوء العذاب، هذه هي غربة الإسلام التي عاد إليها كما بدأ بها.

بشارة بنصرة الإسلام

     وقد رأى جماعة – منهم الشيخ محمد رشيد رضا – أن في الحديث بشارة بنصرة الإسلام بعد غربته الثانية، آخذين ذلك من التشبيه في قوله[: «وسيعود غريباً كما بدأ»؛ فكما كان بعد الغربة الأولى عز للمسلمين وانتشار للإسلام؛ فكذا سيكون له بعد الغربة الثانية نصر وانتشار. وهذا الرأي قوي، ويؤيده ما ثبت في أحاديث المهدي ونزول عيسى -عليه السلام- آخر الزمان من انتشار الإسلام وعزة المسلمين وقوتهم ودحض الكفر والكفرة.

السلفية وغيرها من المناهج

- تتميز الدعوة السلفية بالشمولية فى الدعوة؛ فدعوتهم تشمل الدين كله، من العقيدة والتوحيد والأخلاق والمعاملات والسياسة أيضاً، وتهتم بنشر الدعوة وإصلاح الناس، وبالعلم الشرعي الصحيح، والفهم الصحيح لنصوص الكتاب والسنة، ومحاربة البدع والخرافات والشركيات ومساوئ الأخلاق.

     ونعلم جميعاً أن الجهاد من العبادات العظيمة في الإسلام، وباب من أبواب الجنة، ولكن هذه العبادة لها ضوابطها وشروطها التي تصح بها، ويكون صاحبها ماجوراً عليها، كغيره من العبادات في الإسلام، التي أيضاً دخلها التحريف والتغيير والتبديل والبدع المخالفة للشرع.

محاولة للتلفيق

     وما يسمى اليوم بالسلفية الجهادية، هى محاوله للتلفيق بين السلفية الحقّة، التي جعل الله لها القبول والانتشار بين المسلمين، وبين أفكار بعض الفرق المنحرفة عن منهج أهل السنة والجماعة، والمنبوذة عند المسلمين، في مسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد، كالخوارج الذين يرون جواز بل وجوب الخروج على الحاكم الظالم، وتغيير منكره بالقوة والسلاح، وهو منهجهم ومنهج المعتزلة، ويكفرون الحاكم الذي لا يحكم بالشرع دون تفصيل ودون إقامة حجة، وكذلك يرون وجوب قتال الجيش والشرطة ويكفرونهم؟

الانحراف الفكري

- الانحراف الفكري يترتب عليه ما لا يترتب على غيره من أنواع الانحراف في الأخلاق في دنيا الفرد وآخرته، من أخطر صوره : الانحراف العقدي المتمثل في الوقوع في الشرك والكفر والإلحاد، الذي يترتب عليه حبوط العمل، وعدم قبوله، ويترتب عليه تحريم الجنة على المرء واستحقاق النار -والعياذ بالله تعالى- قال -سبحانه-: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}.

 

 

صور الانحراف

 ومن صور هذا الانحراف الواقع في هذا العصر، وقد اتسعت دائرة أنواعه وتعددت، ولعل من أخطرها:

1 - السعي لزعزعة مصادر المعرفة والعلم الراسخة في قلب المسلم، وذلك باستبعاد الوحي من القرآن والسنة النبوية اللذيْن هما مصدر للمعرفة، أو تهميشه وجعله تابعا لغـيره من المصادر كالعقل والإحساس! والسخرية من الإيمان بالغيـب واعتباره أسـاطير وخـرافات، والسـعي لكسـر الحواجـز النفسية بين الإيمان والكفر.

2 - ومنه غلو بعـض شباب الأمة في التكفير، وما ينتج عنه من أعمال العنف والقتل والتخريب.

3 - ومنه: وصـم مـنهج سـلف الأمـة في فهـم الديـن بالأصـولية والتطرف والإرهاب الفكري.

4- خلخلة القيم الخلقية الراسخة في مجتمعات المسلمين، من الطهر والعفاف وحفظ الأنساب، والدعوة إلى التحلل والإباحية، ونقض العهد مع الله-تعالى-ونبذ الأخوة والإيثار، واحتساب الأجر، واستبدال ذلك بقيم النفعية والنظر للمصلحة المادية دون سواها.

5 - تمييع قضـية الحـلال والحـرام في المعـاملات والأخـلاق والفكر والسياسة، ومحاولة فك الارتباط بين الدنيا والآخرة.

وغير ذلك من مظاهر الانحرافات.

 

العلاج

 وعلاج ذلك يكون بتعاون الأسرة والمدرسة والمؤسسات التربوية والجمعيات الخيرية، وذلك بالعناية بتأصيل العقيدة الصحيحة ونشرها في مختلف مجالات التوجيه والتعليم، من خلال المساجد، ودور التعليم، والوسـائل الإعلامية، وبالتأليف والنشر.

- كذلك منع المنحرفين فكريا وأخلاقيا واهل الباطل من نشر أفكـارهم الضالة، والتحذير منها والرد على أصحابها.

- رصد وسائل المبطلين في نشر مذاهبهم الضالة وعقائدهم المنحرفة ومنعها.

- بـيان العقـائد الباطلة والمذاهب والأساليب المسببة للانحراف الفكري وكشفها والتصدي لها.

- تجديد أسلوبِ الخطابِ الدينيِّ وتطويرة ليجمع بين الأصالة والمعاصرة

- ترسيخ ثقافة التعاون والتضامن والمسؤولية المشتركة في مكافحة الانحراف الفكري

- احتواء المغرَّر بهم بمناقشتهم ومحاورتهم وبيان الحقِّ لهم ممَّن هو أهلٌ لذلك

- تخفيف ضرر من لا يمكن دفعهم من أصحاب الفكر المنحرف؛ بالأساليب الحكيمة التي تقلِّلُ شرورهم وتُضعِفُ أثرهم

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك