رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 28 أبريل، 2015 0 تعليق

الشيخ عكرمة صبري مفتي القدس لـ«لفرقان»: ما نخافه هو تهويد البشر بعد تهويد الأرض والحجر

كانت ولا تزال قضية فلسطين والمسجد الأقصى القضية الـمركزية والمحورية في تاريخنا العربي والإسلامي شئنا أم أبينا، فالصراع العربي اليهودي صراع ممتد عبر الأجيال، ولا شك أن محاولة البعض  التخلي عن التزامهم العقدي وواجبهم الخلقي والشرعي تجاه هذه القضية،  وصمة عار؛ لأنه مهما تعرضت الأمة لأزمات، ستبقى قضية فلسطين حاضرة دائما في كل الأزمات؛ لأنها القضية التي تجتمع عليها الأمة الإسلامية لمواجهة هذا العدو الذي بشرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم  بملاقاته في حديثه الذي رواه أَبِو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ» (رواه مسلم). من هنا كان لقائي بالشيخ الفاضل عكرمة صبري حفظه الله -مفتي القدس- أثناء زيارته لدولة الكويت على هامش ندوة مجمع الفقه الإسلامي الثالثة والعشرين التي عقدت في مارس الماضي، وكان هذا الحوار:

- هل تري أن الاهتمام بالقضية الفلسطينية بوصفها قضية مركزية للأمة فقدت أهميتها، في قلوب المسلمين في ظل انشغال الشعوب العربية بالثورات التي نشبت في بلادهم وانشغالهم بقضاياهم الداخلية؟

- نعم، ما من شك، فهذا أمر واضح أن القضية الفلسطينية أصبحت يتيمة، أصبحت مهمشة منسية، كل ذلك بسبب القضايا الساخنة التي حصلت في البلاد العربية سواء ربيع عربي، أم انقلاب على الربيع، أم انقلاب ضد انقلاب، وهكذا، نحن مع الأسف نعاني من العزلة، والعالم العربي أصبح دعمه واهتمامه لما يحصل في بعض الدول وتوقف عن دعمه للقضية الفلسطينية أصلا.

تنفيذ قرارات القمم العربية

- كيف نعيد القضية الفلسطينية إلى دائرة الاهتمام مرة أخرى، سواء الاهتمام الإعلامي أم العقدي أم الاهتمام  الـمصيري بأنها قضيتنا الرئيسية والمركزية؟ 

- نحن نري أن الإعلام ينبغي أن يتحرك، وأن يركز في موضوعاته على القدس؛ لأنه يُلاحَظ في  نشرات الأخبار في الفضائيات الحديث عن سوريا وليبيا والعراق واليمن، وغيرها من الدول، وأحيانا ترد مدينة القدس في الهامش، وأحيانا لا ترد مطلقًا، ثم على الشعوب أن تطالب حكامها  بتنفيذ قرارات مؤتمرات القمة العربية وجعل القدس من أولوياتها، حتى نعيد عمليًا هذه المدينة إلى سابق عهدها إن شاء الله.

التمادى في تهويد القدس

- يرى كثير من المراقبين أن اليهود يسيرون بخطى سريعة في قضية تهويد القدس في ظل غفلة العرب  وانشغالهم بقضاياهم الداخلية، ونخشى أن نفاجأ بضياع المدينة، فما تعليقكم؟

- كل حدث سيء يحدث في البلاد العربية يصب لصالح الكيان الصهيوني، رضينا بذلك أم لم نرض، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ونحن ندرك ذلك؛ لأننا نحن الضحية، فإسرائيل تتمادي في تهويد المدينة المقدسة،  تتمادى في بناء المستوطنات، تتمادى في الضغط على الشعب، وهناك مسألة خطيرة جدًا لا يشعر بها أحد، وهي أنهم يريدون إلزام المدارس بتطبيق المنهاج الإسرائيلي في التدريس، وهذا تخريب للأجيال الصاعدة، وسيتحول الأمر من تهويد المكان إلى تهويد البشر، كانوا يهودون الأرض والحجر، والآن يحاولون تهويد البشر، هذا فضلا عن التضييق على التجار من أجل تهجيرهم بطريقة غير مباشرة بفرض الضرائب وزيادتها عليهم، وبالتالي يخرج التاجر من القدس ليفتح محلاً آخر في الريف أو في القرى أو في الضواحي وهذا أيضًا من أساليب التهويد.

- ما الإجراءات الرسمية التي قمتم بها لمواجهة هذا التهويد؟

- الذي يعمل الآن من أجل القدس هي المؤسسات المدنية في المدينة المقدسة، أما السياسيون فهم منشغلون خارج القدس في قضايا أخري لا علاقة لها بالقدس، هذا هو المؤسف، فالقدس قضية غير مطروحة على جدول الأعمال حتى  لدي المسؤولين الفلسطينيين حاليًا؛ لأن إسرائيل ترفض ذلك؛ ولأن اتفاقية (أوسلو) أجَّلت موضوع القدس إلى المراحل النهائية للحل، وأي مراحل نهائية للحل؟! لا توجد رؤية لتلك المرحلة النهائية المزعومة.

الخلاف الفلسطيني يساهم في تهويد القدس

- كيف ترون الخلاف الفلسطيني الفلسطيني،  وما مدي تأثيره على القضية الفلسطينية وقضية القدس خصوصاً؟

- تألمنا كثيرًا ولا نزال نتألم للخلاف الفلسطيني الفلسطيني، وقد أدي هذا الخلاف أن يتفرغ الاحتلال لمدينة القدس،  وقلتها من أول يوم حصل فيه الخلاف في خطبة جمعة لي في المسجد الأقصى، قلت: إن هذا الخلاف سيشجع الاحتلال على تهويد مدينة القدس، فآثاره كلها سلبية، ومع الأسف لا يزال الخلاف قائمًا، وكلما حصل تقارب، نجد أن هناك من يزيد في الخلاف ، فيبدؤون من الصفر مرة أخرى، وهكذا كلما اقتربوا للاتفاق تأتي مشكلة تبعدهم وهكذا، ومع الأسف حتى الآن لا توجد بوادر  للمصالحة.

الاتفاق في القواسم المشتركة

- هل تري أن هناك مصالح أيدولوجية وشخصية وعدم تغليب للمصلحة العامة لدى أطراف الحوار؟

- طبعاً كل فريق يريد أن يفرض رأيه وهذا توجه خطأ، كما قلنا من قبل: على الفريقين أن يتفقا في القواسم المشتركة للقضية الفلسطينية، وبالتالي عليهم في القواسم المشتركة أن يسيروا ويتركوا الخلافات جانبًا ريثما تنتهي مشكلة الاحتلال.

- ما مدى اهتمام المناهج في الدول العربية، بالقضية الفلسطينية؟

- المناهج العربية لا تعطي القضية الفلسطينية حقها، وإنما ترد من قبيل الفتات، ولا يوجد هناك تفصيل وتوضيح واهتمام بموضوع القدس خاصة، وفلسطين عامة.

- يُلاحظ أن كثيراً من الشباب الفلسطيني يهاجر من القدس وفلسطين نظراً للضغوط التي تتعرض لها المدينة، وتتعرض لها القدس عموماً،  فكيف تنظرون لهذه القضية؟ وكيف يمكن الحد منها؟

- الحد من الهجرة يكون بالاهتمام بالاقتصاد وتوفير فرص عمل، ومع ذلك نحن مطمئنون عموما إلى أن أهل القدس في تزايد من حيث العدد، وهذه نبوءة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، في حديث الصحابي الجليل ذي الأصابع، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنِ ابْتُلِينَا بِالْبَقَاءِ بَعْدَكَ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَعْلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَكَ ذُرِّيَّةً تَغْدُو إِلَيْهِ وَتَرُوحُ»، وبالتالي فالسكان في تزايد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشرنا بذلك.

- ألا يمكن أن تدفعوا بمؤتمر لدعم القضية الفلسطينية وإحيائها مرة أخري في نفوس المسلمين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟

- هذا من مهام جامعة الدول العربية، فجامعة الدول العربية هي المكلفة وهي التي تقع عليها المسؤولية في هذا الجانب.

     وسبق أن طالبنا «عمرو موسي»  الأمين العام السابق للجامعة العربية بوضع مسألة القدس في جدول أعمال مؤتمر القمة الذي عقد في مدينة (سرت) بليبيا، وحينها قدمنا ميزانية كاملة بـ500 مليون دولار لمجالات التعليم والصحة والإسكان، وأخذوا قرارًا ولكن لم ينفذ، والمسؤولية هنا تقع في المقام الأول على جامعة الدول العربية.

 

هدم المسجد الأقصى

- هل يمكن أن يقوم اليهود بهدم المسجد الأقصى؟

- في رأيي أنهم لو أرادوا هدمه لهدموه من قبل، فمن السهولة عليهم أن يبعثوا طائرة ويقصفوه، لكن هم لا يريدون هدمه، بل يريدون تطويع وتطبيع أهل فلسطين ليتقبلوا اليهود من أجل أن يُصلّوا بالأقصى، وبالتالي في هذه الحالة يرضخ المسلمون في العالم؛ لأن أهل البلد وافقوا لليهود بأن يصلوا فيه، وأنتم لا دخل لكم في الموضوع، فيريدون في اقتحاماتهم العدوانية المستمرة أن نتقبل هذه الاقتحامات ونعدها مُسلَّمة، وبالتالي يحققون أهدافهم دون أي ضجة.

اقتحامات اليهود للمسجد الأقصى

- كيف نوقف تعدي اليهود بالاقتحام المتكرر للمسجد الأقصى؟

-  نعم ولا شك، فإن وجود المرابطين والمرابطات هو الذي يحيي هذه القضية، وهو الذي يشعر العالم بخطورة تلك الاقتحامات العدوانية، وبالتالي فإن  تركيز الاحتلال على محاربة المرابطين والمرابطات من حيث الاعتقال والإبعاد عن الأقصى؛ لأنهم لا يريدون أي معارضة، بل يريدون منا أن نسكت على الأقل؛ ليعتبروا دخولهم أمرًا مشروعًا، وفشلوا في ذلك فلجؤوا للكنيست الإسرائيلي؛ لاستصدار قرار للسماح لهم لشرعنة الاقتحامات وقد فشلوا في ذلك.

بناء الهيكل المزعوم

-  قضية بناء الهيكل، هل تري أن الخطوات التي  يسير بها اليهود لبناء الهيكل المزعوم، قد تدفع إلى تحقيق هذا الهدف؟

- طبيعي هم يخططون لذلك منذ فترة طويلة، وقد وضعوا مجسمًا لهيكلهم المزعوم، ولكن حسب نظرتنا التفاؤلية لن ينجحوا ولن يستطيعوا بمشيئة الله تعالي.

     وأقول للشعوب الإسلامية حكاماً ومحكومين: القدس أمانة في أعناقكم جميعًا، القدس شأنها شأن مكة المكرمة والمدينة المنورة، القدس ليست لأهل فلسطين وحدهم، وبالتالي عليكم أن تعملوا على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي عنها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك