الشيخ داود العسعوسي: ذكر شيخ الإسلام اثني عشر دليلاً على أن سب النبي صلى الله عليه وسلم حكمه القتل ردَّةً
افتتح الشيخ داود العسعوسي محاضرته في ديوان الدكتور وائل الحساوي الأسبوع الماضي حول أزمة هذا الناعق الذي تعرض للنبي صلى الله عليه وسلم ، وسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، والسيدة الـمصونة العفيفة أم الـمؤمنين عائشة رضي الله عنها بقوله: إن هذا الأمر تمادى وزاد عن حده، والخطأ الذي يقع فيه الكثيرون أنهم يظنون أن هذه المسائل من المسائل والقضايا الفرعية، كقضايا الفقه وغيرها، ولكننا نقول: إن هذه القضايا هي من أصول الاعتقاد، كما لا يخفى أن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم أمر واجب؛ لأن الله عز وجل فرض على كل مسلم الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح إيمان أحد إلا بهذا الأمر، وإذا مات الإنسان وهو كافر بالنبي صلى الله عليه وسلم فلا شك أنه في عداد الكافرين.
ثم أوضح الشيخ أن العلماء قد ذكروا أن من مقتضيات الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم أمورا كثيرة منها:
1- محبته فوق كل محبوب: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» أخرجه البخاري (32)، ومسلم (33).
2- اتخاذه أسوة وقدوة: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا}.
3- تصديقه في كل ما أخبر وطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه.
4-اتباع سنته ونصر ملته والذب عن شريعته.
5-توقيره والأدب معه واحترامه وعدم رفع الصوت فوق صوته وعدم احتقاره وانتقاصه والاستهزاء به، وهذا كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك بعد وفاته أيضًا صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى: {إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه}، وقال تعالى: {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}، وقال تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا}.
ثم انتقل بعد هذه المقدمة إلى عنوان المحاضرة وموضوعها الأساس وهو هذا الشخص الخبيث الذي تعرض للنبي صلى الله عليه وسلم وصحبه وزوجته، فقال: إن هذا الأمر ليس وليد اليوم والليلة، وإنما هو نتاج أمور تأصلت منذ زمن، واعتقاد دفين، ومناهج خبيثة تبث في جموع المسلمين.
ثم بين أن الاستهزاء بأمور الشريعة كذات النبي صلى الله عليه وسلم ، والقرآن وغيرهما، هذا من سنة الكفار وعادتهم قديمًا، فقد قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم : ساحر ومجنون، وقالوا عنه: كاهن، وهذا بنص كلام الله عز وجل، بل زعيم الخوارج ماذا قال للنبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال له: اعدل يا محمد، فاتهم النبيصلى الله عليه وسلم بالجور، فهذا أيضًا به نبتة خبيثة وهذه سنة الكفار والمنافقين، كما اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أُذن أي يسمع كل شيء ويصدقه، ووصل الأمر أيضًا أن يصف أحدهم النبي صلى الله عليه وسلم بالفشل؛ حيث وصفه بأنه فشل في دعوته في مكة الله عز وجل في الدعوة المكية أراد قدرًا هذا الأمر فهذا ليس من توقير النبي صلى الله عليه وسلم .
ونحن نقول: إن هذا من أمور الاعتقاد وأمور الاعتقاد عندنا هي خط أحمر؛ الله عز وجل توعد من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو انتقص النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب الأليم: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابًا أليمًا} ما وردت هذه الصيغة من التحذير إلا في هذا الشأن وفي قضية الإفك، فالله توعد من قال هذا باللعن والعذاب الأليم.
ومما كتب في هذا الباب كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية «الصارم المسلول على شاتم الرسول»، هذا الكتاب ألفه ابن تيمية في أول حياته؛ لأن أحد اليهود ذم النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي الكتاب فوائد عديدة منها:
• ذكر شيخ الإسلام اثني عشر دليلاً على أن سب النبي صلى الله عليه وسلم حكمه القتل ردَّةً.
• ذكر إجماع الأمة على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو انتقصه فهو كافر يجب قتله.
• ذكر في هذا الكتاب أن الذمي الذي يعيش بين المسلمين إذا انتقص النبي صلى الله عليه وسلم انتقض عهده.
• ذكر -رحمه الله- أنه لا فرق بين قليل الذم وكثير الذم، بمعنى أنه لا فرق بين من قال كلمة أو جملة أو مقالا حتى ولو قال حرفًا واحدًا يقصد به ذم النبي صلى الله عليه وسلم .
• أيضًا قال: إن الحكم فيمن قال ذلك واحد سواء أكان هذا القول في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أم بعد وفاته، وهو أن يقتل دون أن يستتاب، وهذا إجماع العلماء، والأدلة على ذلك كثيرة منها:
• يقول ابن المنذر: أجمع عموم أهل العلم على أن حد من سب النبي صلى الله عليه وسلم القتل، وحكى أبوبكر الفارسي من أصحاب الإمام الشافعي حكى إجماع المسلمين على أن حد من سب النبي صلى الله عليه وسلم القتل، كما أن حد من سب غيره الجلد.
• الأمر الثالث قول القاضي عياض: أجمعت الأمة على قتل منتقص النبي صلى الله عليه وسلم وسابه.
• قال الخطابي: لا أعلم أحدًا من المسلمين اختلف في قتله.
• الإمام أحمد بن حنبل يقول: كل من يشتم النبي صلى الله عليه وسلم أو ينتقصه مسلمًا كان أم كافرًا فعليه القتل وأرى أن يقتل ولا يستتاب.
• ومسألة عدم قبول التوبة عليها إجماع العلماء، قال عمر بن عبد العزيز إن من شتم النبي صلى الله عليه وسلم يقتل ولا يستتاب.
والآن السؤال: لماذا ليس له توبة برغم أن المشرك إذا تاب تاب الله عليه؟
نقول: إن المعروف عند العلماء أن حق الله يختلف عن حق العباد، حق الله يرجع إلى العفو، وحق العباد يرجع إلى المؤاخذة، كالغيبة لابد أن يسامحك الشخص الذي اغتبته، فما بالك إذا كان هذا الشخص هو النبي صلى الله عليه وسلم ؟ إذا هو أولى الناس.
الشرك حق الله عز وجل فإذا تاب الإنسان تاب الله عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم في حياته أمر بقتل من سبه، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم من يأخذ حقه صلى الله عليه وسلم ؟! ما من أحد، فالراجح كما قال ابن تيمية أن يقتل حتى إذا تاب فأمره إلى الله، والأدلة على الأمر بقتله ما ورد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من قصة مقتل كعب بن الأشرف:
فقد جاء في البخاري، باب قتل كعب بن الأشرف: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، قال عمرو بن دينار: سمعت جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟» فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله؟ قال: «نعم»، قال: فأذن لي أن أقول شيئا، قال: «قل»، فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة، وإنه قد عنّانا، وإني قد أتيتك أستسلفك.
قال: وأيضا، والله لتملنه.
قال: إنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه، وقد أردنا أن تسلفنا.
قال: نعم، ارهنوني.
قلت: أي شيء تريد؟
قال: ارهنوني نساءكم.
فقالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟
قال: فارهنوني أبناءكم.
قالوا: كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم فيقال: رهن بوسق أو وسقين، هذا عار علينا، ولكن نرهنك اللأمة، قال سفيان: يعني السلاح، فواعده أن يأتيه ليلا، فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة، وهو أخو كعب من الرضاعة فدعاهم إلى الحصن، فنزل إليهم فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة؟
وقال غير عمرو: قالت: أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم.
قال: إنما هو أخي محمد بن مسلمة، ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لو دعي إلى طعنة بليل لأجاب.
قال: ويدخل محمد بن مسلمة معه رجلين، فقال: إذا ما جاء فإني مائل بشعره فأشمه، فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه، وقال مرة: ثم أشمكم. فنزل إليهم متوشحا وهو ينفح منه ريح الطيب، فقال: ما رأيت كاليوم ريحا، أي أطيب.
وقال غير عمرو: وقال: عندي أعطر نساء العرب، وأجمل العرب.
قال عمرو: فقال: أتأذن لي أن أشم رأسك؟
قال: نعم، فشمه، ثم أشَمَّ أصحابه، ثم قال: أتأذن لي؟
قال: نعم، فلما استمكن منه قال: دونكم، فقتلوه ثم أتوا النبي[ فأخبروه.
وكذلك قصة الصحابي الذي قتل امرأته لأنها كانت دائمة السب للنبي صلى الله عليه وسلم ، فعن ابن عباس أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر، قال: فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فأخذ المغول (المغول بالغين المعجمة وهو السكين) فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فجمع الناس فقال: «أنشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام» قال: فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ألا اشهدوا أن دمها هدر». قال الشيخ الألباني: صحيح.
وهو واضح الدلالة في إهدار دم الساب؛ فمن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحده القتل، هذا مختصر الأدلة في ذلك.
وأنا أقترح أن يأخذ النواب بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في تشريع القانون؛ لأن جميع هذه الأقوال جاءت بإجماع، والسؤال: لماذا هذا التشريع؟
نقول: لابد من هذا التشريع حتى يعرف الناس أصول الدين، وحتى يرتدع هؤلاء المجرمون، وكذلك حتى ينفضح الذي سكت عن ذلك فكم من الناس هاجوا وماجوا في قضايا أخرى لا قيمة لها.
لاتوجد تعليقات