رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 16 فبراير، 2021 0 تعليق

الشيخ المعيقلي: للإيمان بيوم القيامة آثار عظيمة على الفرد والمجتمع

 

جاءت خطبة الحرم المكي يوم الجمعة 23 من جمادى الآخرة 1442هـ - الموافق 5/2/2021م، للشيخ ماهر المعيقلي محذرة من يوم القيامة بأهواله المفزعة، وأحواله المخيفة {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} فيُحشر الناس حفاةً عراةً غرلاً، مع كل نفس سائق يسوقها، وشهيد يشهد عليها، والناس بين ضاحك مسرور، وباكٍ مثبور، وآخذٍ كتابه بيمينه، وآخذٍ كتابه بشماله أو من وراء ظهره.

     ثم بين الشيخ المعيقلي أنه في هذا اليوم يُحشر المتقون إلى الرحمن وفدًا، ويُساق المجرمون إلى جهنم وردا {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} ويقول فرحا مسرورا {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ}، {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا} ويقول نادما حسيرا {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ}.

ميزان حقيقي

     وأضاف، في ذلك اليوم المشهود، يوضع الميزان، وهو ميزان حقيقي، له كفتان، يميل بالحسنات والسيئات، لا تُكَيّفه العقول، ولا تتصوره الأذهان، يزِن كل صغيرة وكبيرة، قال الإمام أحمد: والميزان حق، توزن به الحسنات والسيئات، كما يشاء الله أن توزن {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}.

صحيفة الأعمال

     وبين المعيقلي أنَّ نصوص الكتاب والسنة دلّت على أنَّ العبد وعمله وصحيفة أعماله، كل ذلك يوضع في الميزان يوم القيامة، ففي مسند الإمام أحمد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل فيوضع في كفة، فيوضع ما أُحْصِيَ عليه، فتمايل به الميزان، قال: فيُبعث به إلى النار، فإذا أُدْبِر به إذا صائح يصيح من عند الرحمن، يقول: لا تعجلوا، لا تعجلوا، فإنه قد بقي له، فيؤتى ببطاقة فيها لا إله إلا الله، فتوضع مع الرجل في كفة، حتى يميل به الميزان»، في هذا الميزان يَخِف وزن العبد أو يثقل بحسب إيمانه وأعماله، لا بضخامة جسده، ففي الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة-يعني: وهو من أهل النار- لا يزن عند الله جناح بعوضه، اقرؤوا {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}».

شقي أم سعيد

     وإنّ من أهوال يوم القيامة موقف توفِيَة الموازين، حتى إنّ العبد لينخلع فؤاده، وتَعظُم كروبه، ناسيا أهله وأحبابه، مشغولاً بما يراه أمامه، وهو ينتظر حصيلة عمله، فلا يهدأ روعه حتى يرى أيَخف ميزانه أم يَثْقل؟ فمن ثقل ميزانه نودي في مجمع فيه الأولون والآخرون: ألا إنّ فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، وإذا خفّ ميزانه نودي على رؤوس الخلائق: ألا إنّ فلان بن فلان، قد شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدًا.

بكاء عائشة -رضي الله عنها

     وفي سنن أبي داوود أن عائشة -رضي الله عنها-، ذكرت النار فبكت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما يبكيك؟ قالت: ذكرت النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: أمّا في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحدٌ أحدا: عند الميزان حتى يعلم أيَخف ميزانه أو يثقل، وعند الكتاب حين يُقال {هاؤم اقرءوا كتابيه} حتى يعلم أين يقع كتابه؟ أفي يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره؟ وعند الصراط إذا وُضِع بين ظهري جهنم»، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}.

شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم 

     وبين الشيخ المعيقلي أنّ من عظيم رحمة الله -تعالى- بهذه الأمة، أن جعل رسولها - صلى الله عليه وسلم - يحضر موطن شدة الميزان وهوله، ليكون شفيعًا لأمته؛ ففي سنن الترمذي قال أنس - رضي الله عنه -: «سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يشفع لي، فقال: (أنا فاعل) قال: قلت يا رسول الله، فأين أطلبك؟ أي في أي عرصات القيامة أبحث عنك، قال: اطلبني أول ما تطلبني على الصراط. قال: قلت فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: فاطلبني عند الميزان، قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: فاطلبني عند الحوض؛ فإني لا أخطئ هذه الثلاث مواطن» يعني لابد أن تلقاني في واحدة من هذه المواطن، وأسعد الناس بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم- في تلك العرصات، هم أهل التوحيد والإخلاص.

أعمال تُثقل الميزان

     وعن فضل الله تعالى على عباده أيضًا في هذا اليوم قال الشيخ المعيقلي: إن الله جعل الأعمال التي يَثْقُل بها الميزان كثيرة، فمن أعظمها بعد التوحيد الجود بالخلق الحسن، وهو شيء هيّن، وجه طليق ولسان ليّن، ويدخل فيه استقامة في دين وبشاشة في لين، وتفريج كربة، وكلمة طيبة، وعفوٌ وإحسان، وبر بوالدين، وحسن الخلق أكثر ما يُدخِل الناس الجنة، وبه يُدرك صاحبه درجة الصائم والقائم، بل صاحبه أحب الناس للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأقربهم منه منزلاً يوم القيامة، ولقد كان - صلى الله عليه وسلم - أكمل الناس أخلاقًا، وأكرمهم نفسًا، وأطلقهم وجها، وأرحمهم قلبا، وألينهم طبعا، وأوسعهم عفوا، وفي سنن الترمذي قال -عليه الصلاة والسلام-: «ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلُق حسن».

شهود الجنائز

     وإنّ مما يُثقل الميزان يوم القيامة، شهود الجنائز والصلاة عليها وتشييعها حتى دفنها، ففي الصحيحين قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من شهد الجنازة حتى يُصلى عليها فَلَهُ قيراط، ومن شهدها حتى تُدفن فله قيراطان. قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين».

ذكر الله أعظم الأعمال

      ومن أراد أن تَثْقُل موازينه، فليكثر من حمد الله وتسبيحه، ففي صحيح مسلم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض». و«كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» وعن جويرية -رضي الله عنها-، أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة-رضي الله عنها وأرضاها-، فقال: «ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وُزِنَت بما قُلتِ منذ اليوم لوزنتهن؛ سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزِنَة عرشه ومداد كلماته» رواه مسلم. فطوبى لمن ثَقُلت موازينه، ويا خسارة من خفّت موازينه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ}.

الإيمان بالميزان

     وعن الإيمان بالميزان وآثاره على الفرد وعقيدته قال الشيخ المعيقلي: الإيمان بالميزان يوم القيامة له آثارٌ عظيمة من العلم واليقين بعدل رب العالمين، قال الإمام ابن أبي العز -رحمه الله-: ولو لم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلا ظهور عدله -سبحانه- لجميع عباده، فإنه لا أحد أَحَبّ إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، فكيف ووراء ذلك من الحِكَم ما لا اطلاع لنا عليه. {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.
والإيمان بالميزان، سبب للحرص على الأعمال التي تثقله، فلا يزهد المرء في قليل من الخير أن يأتيه، فحسنة واحدة تُثقل الميزان، وتُدخل العبد الجنة.

أهل الأعراف

      وعن أهل الأعراف قال الشيخ: في عرصات يوم القيامة، يقف أقوام على برزخ مرتفع بين الجنة والنار، وهم من تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فينظرون إلى أهل الجنة ويتمنون حسنة واحدة ليكونوا معهم، فيُحبسون على الأعراف ما شاء الله أن يُحبسوا، ثم يُدخلهم الله -تعالى- برحمته الجنة.

مَن المفلس؟

     وأضاف المعيقلي أنّ الإيمان بالميزان سبب للبعد عن السيئات التي تُذهب الحسنات من سوء الأخلاق وانتهاك حرمات الخلق، ففي سنن الترمذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيقعد فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فَنِيَت حسناته قبل أن يقتص ما عليه من الخطايا أُخِذ من خطاياهم فطُرح عليه ثم طُرِح في النار».

استكثر من الحسنات

     ثم أكد الشيخ المعيقلي أن الكَيّس الفطن هو الذي يأتي يوم القيامة وقد استكثر من الحسنات، وأثقل موازينه بالباقيات الصالحات، فإذا أُخِذ من حسناته، بقيت له حسنات تُدخله الجنة، وفي مصنف ابن أبي شيْبة قال عمر - رضي الله عنه -: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر، يوم تُعرضون لا تخفى منكم خافية.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك