رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أسامة شحادة 2 أبريل، 2018 0 تعليق

الشيخ القرعاوي نموذجاً- الإصلاح على المسارات كلها

لا ينحصر إصلاح واقع المسلمين في مجالٍ دون آخر، ولا في مكانٍ أو زمانٍ محددٍ، بل هو حاجة دائمة ومتواصلة؛ لأن الخلل مِن طبيعة البشر؛ ولأن الشيطان وأعوانه مِن الإنس والجن، لا يكلّون، ولا يملّون مِن الفساد والإفساد مع دعواهم أنهم هم المصلحون! والمسلم -برغم تواضع إمكانياته- إلا أنه قد يمكنه المساهمة في الإصلاح مِن أبوابٍ كثيرة، ولنا في تجربة الشيخ عبد الله القرعاوي عبْرة وعظة وتذكرة.

من علماء نجد

     الشيخ عبد الله القرعاوي مِن علماء نجد، وقد لا يعرفه كثير مِن الناس اليوم رغم أنه مِن العلماء والدعاة المعاصرين، ويكفيه شهادة الشيخ السعدي: إن الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الله بن حميد، والشيخ عبد الله القرعاوي لا يوجد لهم مثيل في تصدّيهم لنفع الناس، ودعوتهم، وإرشادهم!.

     نشأ القرعاوي يتيمًا؛ مما اضطره لترك التفرغ للعلم، والعمل بالتجارة والسفر بيْن الدول مع أعمامه، ولم يتيسر له التفرغ لطلب العلم إلا في الخامسة والثلاثين مِن عمره؛ فسافر إلى الهند لطلب العلم؛ ولما عاد إلى نجد بدأ بفتح كُتاب مجاني للأولاد كان مِن طلابه فيه شيخ الحنابلة عبد الله بن عقيل، والشيخ عبد الله آل بسام، وقال الشيخ ابن عثيمين: إن القرعاوي هو مَن علّمه الوضوء.

يُعلّم التاريخ والحساب

     وكان القرعاوي لا يقتصر على التعليم الشرعي؛ فيعلّم التاريخ والحساب معه، ويصف طريقته ابن عقيل فيقول: وكان يخرج بنا للتمشية، وينفق علينا مِن عنده مع قلة ذات اليد، ويعلّمنا الرياضة وركض الخيل ويسابق بيننا، وكنا نحن -كبار الطلبة- نتدارس القرآن غيبًا بعد العشاء، ونبيت عنده؛ فيوقظنا نتهجد، ونصلي الفجر في المسجد مع الجماعة، وكان يجعل حفلة بمنزله، وهي عبارة عن نادٍ مصغر في كل ليلة جمعة، يجتمع فيها الطلاب وأولياؤهم وبعض الإخوة والأعيان، ويجعل بينهم مسابقة علمية، كلٌّ على قدر ما تعلم، ويعطي الناجحين جوائز رمزية، ولا بد أن ننتبه إلى أن هذا كان يجري في نجد سنة (1347هـ / 1928م).

التوجه للمجتمع

     ولم يشغله تعليم الصبيان الذين أصبحوا مِن كبار العلماء عن التوجه للمجتمع؛ فخصص وقتًا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقت اجتماع الناس نساءً ورجالاً، وهو وقت العصر في شوارع عنيزة وأسواقها حتى صارت له هيبة وسطوة، وبعد سنواتٍ وفي مجلس شيخه المفتي محمد بن إبراهيم سمع عن تردي الحالة الدينية والأخلاقية في مناطق الجنوب -وهي المنطقة الساحلية الممتدة مِن جنوب مكة إلى حدود اليمن-؛ حيث ينتشر الشرك والجهل والفقر؛ فقرر -بمشاورة شيخه- الذهاب للدعوة والتعليم هناك.

المزج بيْن التجارة والدعوة

     وعلى عادته بالمزج بيْن التجارة لكسب العيش والدعوة والتعليم مجانًا، فتح دكانًا يعيش منه، وهو أيضًا مدرسة في النهار للطلاب وفي الليل لأهليهم؛ فتوافد عليه الناس مِن القرى كافة؛ فنشر العلم والتوحيد، ونبغ الكثير مِن طلابه هناك، وعلى رأسهم الشيخ حافظ الحكمي.

     وُفّق الشيخ لفتح 2800 مدرسة، منها: مدارس عديدة للبنات خلال 31 سنة، وبناء العديد مِن المساجد في تلك المنطقة، وأقام جولات دعوية يتمرّن الطلبة فيها على الدعوة والتعليم، وبطلبٍ منه فتحت الدولة معاهد علمية لمَن أنهى المرحلة المدرسية؛ فرفع مستواهم العلمي والوظيفي.

العمل الخيري

     ومع هذا الجهد العلمي والدعوي فقد باشر الشيخ بحفر العديد مِن الآبار لخدمة الناس، ثم لما قويت علاقته بالقبائل والدولة قام -بمعونة طلابه والقبائل- ببناء سدٍّ لجمع الماء لخدمة الجميع، وإنهاء التنازع بينهم، وجمع الشيخ رؤساء القبائل مِن أجل فتح طريق يخدمهم كلّهم، وقسّم العمل بينهم.

     ولم تقتصر همته الإصلاحية على هذا، بل كان صاحب مبادرة في مساراتٍ متعددةٍ؛ فقد استفاد مِن زيارته للهند ورؤيته لتخطيط مدنها بتقديم مخطط شامل مقترح لمدينة الرياض لمكتب الملك عبد العزيز، وفعلًا طبق مخططه، وأُنشئ حي الملز بالرياض طبقًا لمخططه.

مقترحات ومبادرات

وقدَّم مقترحات كثيرة، منها: إنشاء جامعة حديثة للعلوم الشرعية والدنيوية، ودراسة لإنشاء كلية طب بأقل التكاليف وأسرع النتائج، ومقترحات عدة لتطوير عمارة المسجد الحرام.

     ولم يشغله ذلك عن الاهتمام بإصلاح شؤون المسلمين؛ فأرسل رسائل متعددة لولي العهد الأمير سعود حول القضية الفلسطينية، وضرورة دعم أهل فلسطين، وإرجاعهم لبلدهم، وعلى حدود فلسطين وتعليمهم ودعمهم، وراسل زميله الشيخ ابن باز سنة 1381هـ ليحثه على التواصل مع أهل الكويت ليجعلوا دستورهم يقوم على تحكيم الشريعة الإسلامية؛ إذ كانت الكويت بصدد وضع دستورٍ جديدٍ.

هذه أهم مسارات الإصلاح المتنوعة التي قام بها الشيخ القرعاوي، على قلة إمكانياته، ولكن متى كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسام!

 

 

ما أرحم الله! ما أحلم الله!

      تأملتُ يومًا فيما يحدث مِن البشر في العالم كله مِن نفوسٍ شريرة، تدبر وتمكر، وتأمر بقتل آلاف وملايين البشر في مشارق الأرض ومغاربها بقرارٍ أو بكلمةٍ، وتحتل دولًا وتشرِّد ملايين الأُسر والأطفال، وترمل آلاف النساء، وتنهب ثروات البلاد، وتسرق مِن أجل حظٍّ نفسي أو مجد شخصي أو منصب دنيوي!  وكذلك مَن يرتكب الفواحش والشهوات، أو يشرب الخمور، ومَن يعصي الله، ومَن يكفر بالله ويسبه، ويكذب عليه ويتعدى حدوده، ويدعي لنفسه صفات الربوبية مِن علم الغيب أو ملك الضر والنفع، أو حق الحكم والتشريع، والأمر والنهي، والله -عز وجل- مطلع على ذلك كله، لا تخفى عليه خافية، قال الله -تعالى-: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}(غافر:19)، بل يعلم النيات والدوافع في القلوب.

     وهو -سبحانه وتعالى- قادر على أن يخسف بهم، ويأخذ سمعهم وأبصارهم، ويرسل عليهم الصواعق، ومع ذلك فهو لا يعاجلهم بالعقوبة، بل ويرزقهم كل لحظه بالهواء والماء، والطعام والشراب، بل يشفيهم مِن الأمراض، ويغمرهم بالنعم؛ فما أرحم الله! وما أحلمه وأصبره على سمعه الأذى!  وتأملتُ لو أن واحدًا منا تمكَّن مِن شخصٍ ظلمه أو خالف أمره كيف ينتقم منه؟  وكل ذلك جزء واحد مِن مائة جزء مِن الرحمة يتراحم بها العباد والبهائم في الدنيا، وأبقى 99 جزءًا للآخرة؛ فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما؛ فهو العفو الصبور الحليم، الرحمن الرحيم السيد؛ فلا يغرنا ستر الله علينا؛ فلو كشف سرنا لافتضحنا، ولا يغرنا حلمه؛ فربما كان استدراجًا، قال الله -تعالى-: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ . وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (الأعراف:182-183).

     فإن الله يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وإذا رأيتَ الله يعطي الرجل على معصيته لله؛ فاعلم أنه استدراج، ولا يغرنا ثناء الناس علينا؛ فهم لا يعلمون بواطننا، ولا يغرنا نعم الله علينا؛ فليست دليلًا على محبته لنا، قال الله -تعالى-: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} (سبأ:37)، وقال -تعالى-: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} (الفجر:15)، وقال -تعالى-: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ . نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ} (المؤمنون:55-56)، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم} (الانفطار:6).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك