رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 11 يوليو، 2019 0 تعليق

الشيخ العلامة د. يحيى التشادي في ذمة الله

توفي الأسبوع الماضي يوم الاثنين 28 شوال الشيخ العلامة الدكتور يحيى عبد الله أحمد التشادي بعد أيام من تعرضه لحادث أليم أدى لكسر في العنق، والشيخ -رحمه الله- من أكبر دعاة تشاد، وهو خريج الجامعة الإسلامية، وأسلم على يديه الآلاف في الدول الأفريقية وغيرها.

     يقول عنه أ.د. عبدالعزيز بن سليمان المزيني: عرفت الشيخ الدكتور يحيى عبدالله أحمد - رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته - في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة؛ حيث زاملته في مرحلة البكالوريوس في كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية أربع سنوات، فكان من خيرة طلاب تلك الدفعة ومحط أنظار الطلاب وكثير من المشايخ، وهو من مواليد قرية شُكُيُن التابعة لمحافظة أبَّشَّه، في تشاد، عام ١٣٨٠.

طلبه للعلم

     طلب -رحمه الله- العلم في بلده حتى نبغ فيه وبلغ مبلغ العلماء، حتى إنه أجيز من أكبر علماء أبشه، وعمره يناهز العشرين، ومحافظة أبشه في وقتها بلد العلم والعلماء في تشاد، فكان عالما قبل مجيئه للجامعة؛ حيث أجيز ببعض كتب السنة واللغة والفتوى بالفقه المالكي قبل أن يأتي للجامعة.

عشرين ألف بيت

وقد أسرَّ إلي يوماً - بعد إلحاح - أنه يحفظ أكثر من عشرين ألف بيت، في شتى العلوم، فكان كثير من الأفاضل يقرؤون عليه بعض المتون وهو طالب في الجامعة، والشيخ يتميز مع علمه الجم، بالخلق الرفيع، والتواضع، وعفة النفس.

مواقف ومحطات

     ومن المواقف التي كانت بينه وبين أحد الزملاء في تلك الأيام، أنه علم أن الشيخ معه أهله ومكافأة الطالب قد لا تكفيه، فقال له يوماً: يا شيخ يحيى إن كانت لك حاجة فنحن إخوة ويعين بعضنا بعضاً، فلا تتردد في عرض حاجتك علي، فقال نعم لي حاجة، فظن أخونا أنه يريد أن يطلب شيئاً من الأثاث أو نحوه، ففرح، وقال: ما حاجتك؟ فقال: أن تدعو الله أن يبارك لي في مكافأتي، فإن بارك الله فيها كفتني وزيادة، وإن لم يبارك فيها لم تكفني مكافأتي مع مكافأتك!

ملازمة العلماء

     وكان الشيخ ملازماً لدروس بعض العلماء في المدينة المنورة وفي المسجد النبوي، فلما تخرج في الجامعة لم يرشح تلك السنة أحد من طلاب المنح لبرنامج الماجستير لأنه لم يفتح في السنة التي تليها برنامج الماجستير في الكلية، فسافر الشيخ إلى السودان فحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في جامعة القرآن الكريم، في التفسير وعلوم القرآن.

رجوعه إلى تشاد

     ثم سافر بعدها إلى تشاد، وأقام في العاصمة أنجمينا، وبدأ عمله العلمي والدعوي، فأنشأ منظمة الرشاد الخيرية، وكانت تضم قسماً للأعمال الإغاثية وبناء المساجد وحفر الآبار وغير ذلك، وقسماً للتعليم، وأنشأ تحته معهدين لتأهيل حفاظ القرآن الكريم، أحدهما في العاصمة، والآخر في محافظة أبشه، وهما معهدان يعادلان الشهادة الثانوية، ويشترط للقبول فيهما حفظ القرآن الكريم، وقد تخرج فيهما عدد كبير من الطلاب، التحقوا ببعض الجامعات، كذلك ينضم تحت هذا القسم الدروس العلمية، والقوافل الدعوية، وقد حظيت هذه المنظمة بثقة المجتمع هناك، وكثير من المسؤولين في الدولة.

     وقد زرته في تشاد أكثر من مرة ووالله ما طلب يوماً شيئاً لنفسه، رغم كثرة الواردين عليه في بيته من جميع أنحاء تشاد، سائلين ومستشيرين ومستفتين، وكان يحضر دروسه جمع غفير من أطياف المجتمع ومذاهبهم، وكانت دروسه في ساحة عامة، وليست في أحد المساجد وكانت وجهة نظره أن ينتفع به الجميع دون أن يحسب ضمن فئة معينة فيحرم أحد من علمه ودروسه.

دروسه وشروحاته

     وقد شرح في تلك الساحة سلم الوصول أكثر من ثلاث مرات، فضلا عن دروس التفسير والفقه واللغة، وله درس فجر كل جمعة خاص ببعض المشايخ الكبار، يحضره عدد لا بأس به من الشيوخ، وقد حضره أحد الزملاء يوماً، ومن تواضع الشيخ أنه قال له تلك الليلة: الدرس غدا مع المشايخ لك وألزمه بذلك، يقول الأخ: فقدمت الدرس على استحياء.

مما تميز به

ومما يتميز به الشيخ حفظ لسانه وعدم انتصاره لنفسه رغم وجود المناوئين له من بعض الطوائف الأخرى، وما سعوا به ضده أمام المسؤولين.

وفاته -رحمه الله

     في يوم الجمعة الموافق 18 شوال كان في طريقه إلى محافظة أبشه في تشاد لتخريج دفعة من حفاظ كتاب الله -تعالى- فحصل له حادث، أصيب على إثره بشلل نصفي من السرة فأسفل ثم نقل إلى مصر للعلاج، ولكن حصل له إغماء من يوم الجمعة ثم توفي قبل فجر الاثنين 28 شوال.

رؤية يوم وفاته

     وقد ذكر لي أحد الإخوة الأفاضل وهو من أهل الخير والصلاح العبادة وصفاء السريرة - فيما نحسبه والله حسيبه -أنه كان نائماً ظهر الجمعة - وهو اليوم الذي دخل الشيخ فيه في غيبوبة - فلما استيقظ أخذته غفوة فسمع قائلاً يقول: إن الشيخ يحيى يختار الآخرة على الدنيا، يقول فلما استيقظت اتصلت بمرافق الشيخ وسألته عنه فقال إن الشيخ دخل اليوم في غيبوبة.

أسمعني القرآن

     وقد ذكر مرافق الشيخ في المستشفى أن الشيخ يقول له كثيراً أسمعني القرآن، اقرأ علي القرآن، فأقرأ عليه، فلما كان يوم الجمعة قال اقرأ علي سورة الرعد، فقرأتها وكان يقرأ معي، فلما ختمتها قال: هي أربع وأربعون آية وهي مكية - وهي أربع وأربعون في عد البصري، والشيخ يقرأ برواية الدوري عن أبي عمرو البصري، والسورة مكية على قول - ثم قال الشيخ: قد انتهى كل شيء، أنزلوني من السرير، ثم أغمي عليه، حتى توفاه الله، -رحمه الله- وغفر له وتقبل منه.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك