الشيخ الدكتور محمد عبدالرحمن خليف لـ«الفرقان»: يحاربون التيار السلفي لأنه رفض التدجين
شهدت تونس في المدة الأخيرة وتحديدا منذ ثورة 14 يناير، تحولات عميقة، أو بالأحرى ظهرت على السطح الكثير من الحركات والتيارات العقائدية والسياسية ، وقد غطت الأحداث اليومية على الخارطة الجديدة في تونس، ورغم التعتيم الإعلامي على الحركة الإسلامية بجذورها وواقعها وآفاقها إلا أنه أبرزها في المدة الأخيرة بأساليب كيدية، وجعلها هدفا لنباله ونصاله، فما هو واقع الحركة السلفية اليوم في تونس، ما أهدافها؟، وما مشاريعها؟، وكيف تنظر للأمور؟
في هذا الحوار مع الشيخ الدكتور محمد عبد الرحمن خليف ابن العلامة التونسي المعروف عبدالرحمن خليف، رحمه الله ، ورئيس الجمعية الشرعية للعمل بالقرآن والسنة ، نقدم لقراء « الفرقان» جانبا من الساحة الفكرية المتنوعة في تونس.
- ماذا تعني الجمعية الشرعية للعمل بالقرآن والسنة؟
- الجمعية الشرعية للعاملين بالقرآن والسنة حصلت على الترخيص القانوني في منتصف رمضان 1432 هجريا بعد التغيير الحاصل في تونس ، وأصبحنا ننشط في إطار القانون وكما هو واضح من اسم الجمعية هدفنا نشر العلوم الشرعية مع التمسك بالقرآن والسنة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
وقد بدأنا نشاطنا في الصيف الماضي أي قبل الحصول على الترخيص، ونشكر كل من أسهم في تشكيلها وهم طلبة علم ساهموا في إنجاح المشروع, وقد أتممنا حتى الآن الدورة الصيفية الأولى في تعليم القرآن من 20 يونيو إلى 20 أغسطس 2011 م واستمرت شهرين كاملين، وكان فيها التزام بالحضور اليومي من قبل شباب جاؤوا من الشمال والجنوب ورغم الإمكانيات المادية الصعبة التزم الإخوة بالحضور ووفرنا لهم المبيت والطعام المجاني. وهذه فرصة لنشكر المساهمين ماديا ومن ساعدونا على تقسيم الراغبين إلى ثلاث مجموعات، واستمرت الدورة 60 يوما والحمد لله نجحت بامتياز. وهذا ما جعل الكثير من الشباب يطالبون بدورات مكثفة أخرى.
وهناك من طلب فتح فروع للجمعية في أماكن أخرى, وفي سوسة فتح مشروع لتحفيظ القرآن على المنوال نفسه؛ وقد قمنا في الحفل الختامي بتوزيع الجوائز على المتبارين.
- هل هذا هو المشروع الأول للجمعية؟
- هذا المشروع الأول الذي قمنا به، وبعد رمضان بدأنا في مشروع العلوم الشرعية، أي المبادئ الأولية للعلوم الشرعية، من عقيدة، وفقه ، وتفسير، وعلوم حديث، وسيرة نبوية، وما زالت مستمرة إلى ديسمبر وسيقع اختبار للطلبة وسيمر الناجحون إلى المستوى الموالي. وافتتحت الجمعية كذلك كتّابا للأطفال وعندنا مشروع منة الرحمن، صاحبته مصرية، وإن شاء الله سنكون إطارات وكوادر لرياض الأطفال بطريقة مبتكرة على طريقة منة الرحمن؛حيث يبدأ الأطفال منذ سن الثالثة الالتحاق بهذه الرياض والكتاتيب وعندما يكون عنده 4 سنوات يستطيع قراءة القرآن بقواعد التلاوة وعندما يصبح له 6 سنوات يكون قد حفظ 6 أحزاب بإذن الله.
- ماذا عن الإمكانيات؟
- هذا المشروع سنبدأه، الإمكانيات تحول دون إنجاز المشاريع الفرعية، هذا ما تم في ثلاثة الأشهر الأخيرة ولدينا مشاريع أخرى تحول الظروف المادية دون تحقيقها، ومنها فتح فرع خاص بالنساء؛ لأننا نشعر بأن الجانب النسائي مهمل في الدعوة على الأقل في تونس، ونريد فرعا تشرف عليه النساء وتتعلم فيه النساء ويكون خاصا بالنساء فقط، ويكون فيه جناح للأطفال، بحيث تأتي الأم مع طفلها أو أطفالها وتترك الأبناء في الحاضنة الخاصة بالأطفال، وتكون هي في الجناح الخاص بالنساء، ونأمل أن تكون لدينا سيارة، ميني باص، لنقل النساء في أطراف المدينة، وتنقصنا المكتبة.
- هناك مكتبة طالب العلم التي توزعها جمعية إحياء التراث في الكويت، وكذلك مكتبة طالب العلم التي توزعها بعض المؤسسات العلمية في المملكة العربية السعودية، هل حصلتم على أي نسخ منها؟
- للأسف لم نحصل عليها؛ لأنه ليس لنا تواصل مع الإخوة هناك ، وكما ذكرت فنحن لم نحصل على الترخيص القانوني سوى منذ فترة قصيرة، وما ينقصنا هو التنسيق مع هذه الجمعيات، وهذا النقص موجود حتى داخل الجمعيات التي تشاطرنا المنهج داخل تونس نفسها، الجمعيات التي تنشط في سوسة وبنزرت وقبيلي مثلا نبحث كيفية التنسيق معها حتى في كيفية استقبال المشايخ من الخارج.
إذاً هناك نقائص كثيرة، فإلى جانب المكتبة وما سلف ذكره ، نحن لا نملك مقرا خاصا بنا، فالمقر الذي زرتموه مستأجر، ونأمل أن يكون للجمعية مقر خاص بها؛ إذ إننا ندفع ألف دينار كإيجار شهري، وأحيانا نشعر أن المشروع أكبر من إمكانياتنا، الطلبات تزداد والإقبال كثير والإمكانيات محدودة.
- هل تدعون لمؤتمر للسلفية في تونس تجمعون فيه الشتات وتنسقون فيه الجهود، وتتواصلون فيه مع الخارج.
- هذه هي المشكلة، ما ينقصنا هو التنسيق، فنحن نعرف بعضنا على مستوى الأشخاص، ولكن على المستوى الجمعي ما زلنا نسعى، وقد بدأنا بالتحرك على هذا المستوى من خلال مؤتمر «الدفاع عن المقدسات الإسلامية في تونس» الذي حضره السلفيون وغير السلفيين ممن يهمهم هذا الأمر المصيري لمستقبل الهوية في بلادنا، وذلك ردا على ما تقوم به الفضائيات من خروقات وتعد على المقدسات، وقد شارك فيه ما بين 40 و50 جمعية في تونس، وهذه نقطة انطلاق لتوحيد الصفوف والعمل.
- عشتم الفترة ما قبل الثورة وإبان التدافع الذي أفضى لما نحن فيه اليوم، كيف تقرؤون واقع الدعوة في ظل هذه الظروف؟
- على إثر الثورة، من الواضح أن هناك حرية في التعبير، وهذه النقطة من الوضوح ما لا يستطيع أحد انكارها، وهناك أناس ما يزال لديهم هاجس الخوف، والشعور الأمني بأنه لا يزال مراقبا. من جهة أخرى هناك جانب فوضوي في سلوك بعض الناس، وبعضهم فهم الثورة بشكل خاطئ على فهم أنه ما دام هناك ثورة فنحن نثور على كل شيء: على العلاقات بين البشر، على العادات، على نظام الحياة، فهناك تموقع خاطئ لعربات التجار، وهناك عدم احترام للإشارات الضوئية، وهناك من يقود السيارات بدون رخص، وقد أسهم انسحاب الأمن من الأماكن العامة في انتشار هذه الفوضى بداية الثورة، والأمور تعود إلى طبيعتها.
ومن الناحية الدينية، برزت جميع التيارات بعد الثورة، ومن كان ينشط في الخفاء أصبح ينشط جهارا كحزب التحرير، والشيعة بدؤوا ينشطون ويعلنون عن عقيدتهم، والسلفية بطبيعة الحال كانت تنشط ولكن ليس بالكيفية والصبغة التي عليها الآن، حيث لدينا منابر، ونحن مكون من مكونات المجتمع التونسي. وفي المقابل هناك فلول اليسار التي كانت تعمل بكل حرية في السابق ولكن لم يكن الشعب يوليها آذانا صاغية، رغم أن وسائل الإعلام تحت إدارته وإشرافه وتأثيره؛ ولذلك كانت ردود أفعاله هستيرية بعد الثورة حيث هاجم المقدسات الإسلامية، وفي نفس الوقت يزعم أنه مسلم، ويقولون نحن مسلمون ولا يحق لأحد أن يتحدث باسم الإسلام، وفي نفس الوقت يطعنون في الإسلام، فكيف يستقيم هذا؟! من يدعي أنه مسلم ويشهد أن لا إله إلا الله ولسان حاله يؤكد عدم اسلامه، فمن يقول « ما زلنا نقول للذكر مثل حظ الأنثيين» ويستهزئ بالدين ويجسد المولى سبحانه، ويطالب بزواج المثليين ( اللواط والسحاق ) ومع ذلك يقول إنه مسلم!
- تحدثتم عن المنابر، وهي المنابر التقليدية بعض المساجد وبعض المقار، ماذا عن المنابر المعاصرة، الإذاعة والتلفاز، والإنترنت والمجلات والصحف، والأفكار أصبحت تدخل دون اسئتذان إلى البيوت وإلى خدور النساء وغرف الأطفال وصالات الجلوس للأسرة وغير، ذلك ويبدو أن إمكانياتكم لا تسمح لكم بذلك وبالتالي الصراع غير متكافئ؟
- ما تلاحظونه صحيح، فالمنابر المعاصرة التي ذكرتموها هي في يد اليسار والعلمانيين عموما، ولا وجود لأي منبر إعلامي في تونس يدافع عن الإسلام، حتى إذاعة الزيتونة كان يرأسها شخص بقطع النظر عن عقيدته، وأصبحت تديرها امرأة متبرجة، وهذا له دلالة، فكيف يمكن فهم ما يدور فيها؟ ومع ذلك لم ترض هذه الإذاعة فلول اليسار التي طالبت بإغلاقها، على الرغم من إبعاد العديد من المشايخ منها، مثل الشيخ بشير بن حسن على سبيل الذكر لا الحصر؛ وقد بلغني أن العديد من الأشخاص تقدموا لتأسيس إذاعات تم رفضها، كذلك طلبات على مستوى الإعلام المرئي تم رفضها، (بمعنى السماح لقنوات تسب الدين وعدم الترخيص لقنوات تنشر الدين)، وهذه هي الليبرالية التي يعدوننا بها، وإن شاء الله بعد تأسيس المجلس التأسيسي تتحسن الأمور وإن كنت غير متفائل.. والإنسان لا ييأس من روح الله ، فخروج بن علي من السلطة كان نعمة ونسأل الله أن يرزقنا شكر النعم، ونحن نسعى لتأسيس إذاعة للقرآن الكريم بالقيروان.
- السلفيون في تونس تحت المجهر أو باللهجة التونسية (في فم المدفع ) لماذا؟
- أعداء الدين دائما كالولايات المتحدة وغيرها من دول الغرب، لا يستطيعون العيش بدون عدو، وبعد انهيار الشيوعية توجهوا نحو الإسلام وبعض أتباعهم وأذنابهم من بني جلدتنا ويتحدثون بلسنتنا انقلبوا من الولاء للشيوعية إلى الولاء للرأسمالية (تحولوا من مناهضين للإمبريالية إلى حمالين في السوق الرأسمالية) هؤلاء وحتى يعيشوا أوجدوا لهم عدوا هو الإسلام، ولأنهم لا يستطيعون مواجهته مباشرة، فقد عمدوا لوسائل أخرى مدعومة رسميا (الإسلاموفوبيا) وذلك من خلال الطابور الخامس، وأذكر أنه لما كنا نصلي في السبعينيات كانوا ينعتوننا بـ«الإخوانجية» نسبة للإخوان المسلمين، ولم يكن لدينا آنذاك أي انتماء سياسي، (وبالتالي أسهموا في تسييس المصلين في تونس)، ومحاربة الدين بدأت منذ الستينيات بإغلاق جامع الزيتونة، ومنع التعليم الديني، والآن توسعت الدعوة الإسلامية، وبرزت تيارات عدة من بينها السلفية التي هي منهج عقائدي يعتمد القرآن والسنة ، ولأن الغرب لا يستطيع محاربة الإسلام كله فإنه قسم الأمة إلى أطراف وخرائط وبدأ بمحاربة التيار السلفي عموما؛ لأنه رفض التدجين وتمسك بعقيدته ومنهجه، وهذا هو الدين ولا يمكن أن يتغير، الربا يبقى ربا والزنى هو الزنى والمواريث التي فصلها المولى في القرآن بما لم يفعله مع الصلاة والزكاة والحج، فهذا دلالة على أنه لا مجال للاجتهاد في هذا الأمر أحبوا أو كرهوا، وقد اتخذت السلفية مطية لضرب الإسلام، فهم لم يستطيعوا أن يواجهوا الإسلام مباشرة حتى لا يستفزوا الأمة بكاملها فاتخذوا لهم السلفية هدفا لضرب الإسلام.
- في المدة الأخيرة تظاهر الشعب ضد الإساءة للمقدسات الإسلامية ولكن في وسائل الإعلام يقولون إن السلفيين تظاهروا؟
لأن وسائل الإعلام في يد اليسار، لجعل السلفية فزاعة ، وحاولوا التأكيد على ذلك من خلال ردود الأفعال على فيلم «برسيبوليس» والهدف تخويف الناس من الإسلام، والقول بأنه إذا حكم في تونس فستكونون مثل إيران.
يتحدثون عن تحرير المرأة وهم يريدون تحرير الوصول للمرأة، هل المنتقبة في تونس هن وحيدات في العالم؟! هناك منتقبات في الكويت والسعودية والبحرين ومصر وفي الغرب، هناك منتقبات ولا يمنع ذلك من الدراسة أو الحصول على جواز السفر، والولايات المتحدة احتجت على منع النقاب في فرنسا، يقولون المرأة حرة «أعتقني»، أعتقونا أنتم ودعوا المنقبات يواصلن دراستهن، عندما نطالبكم بالإلتزام تقولون حريتنا وعندما تطالب المنتقبة بحريتها، يقولون: يجب أن نعرف مع من نتحدث!
أنا طبيب وأعرف أنه في العمليات الجراحية يلبس الطبيب نقابا ويتحدث مع الجميع، النقاب لا يمنع الحديث وفي التأكد من الهوية قبل الدخول يمكن وضع امرأة على الباب تتأكد من هوية الطالبة وغير ذلك..أذناب الاحتلال يحاربون ديننا بينما يدخل الشباب الغربي في الإسلام.
لاتوجد تعليقات