رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 12 ديسمبر، 2016 0 تعليق

الشيخ الخياط: وجوب الحفاظ على الدين

الحياةَ في رِحابِ الدين هي الحِصنُ الحَصين، والرُّكنُ الشديدُ الذي يأوِي إليه المُسلم ويثُوبُ إليه ليحظَى بطِيبِ العيشِ في دُنياه والسعادَةِ والنجاةِ في أُخراه

الحفاظَ على دينِ الله، يستلزِمُ صونَه من شوائِبِ الدَّخيلِ المُبتدَع، الذي لا أصلَ له في كتابٍ ولا سُنَّة، ولا في عمل سلفِ الأمة

 

ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: (وجوب الحفاظ على الدين)، التي تحدَّث فيها عن أهم المهمات وأوجَب الواجِبات، وهو: حِفظُ المُسلم لدينِه أمام الشُّبُهات والأباطِيل، مُبيِّنًا ما يلزَمُ كلَّ مسلمٍ ومسلمةٍ من آليَّاتٍ ووسائِل في الحِفاظ على الدين، كلٌّ بحسبِه، وكان مما جاء في خطبته:

     إنَّ الحياةَ في رِحابِ الدين هي الحِصنُ الحَصين، والدِّرعُ المتين، والرُّكنُ الشديدُ الذي يأوِي إليه المُسلم ويثُوبُ إليه؛ ليحظَى بطِيبِ العيشِ في دُنياه، والسعادَةِ والنجاةِ في أُخراه، ذلك أنَّه الضياءُ الذي يقذِفُه الله في قلبِ المُسلم فينظُرُ إلى الحقائِقِ بنُور الله، فيهتَدي إلى الجادَّة، ويسلَمُ من العِثارِ في سَيرِه إلى الله، كما قال - سبحانه -: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}(الزمر: 22) الآية، وكما قال - عزَّ اسمُه -: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}(الأنعام: 122) الآية؛ ولذا فإن من لوازِم ذلك وضروراتِه:

حِفاظَ المسلمِ على دينِه

     واعتِزازَه به، وحمايتَه من الزَّيفِ والأباطِيلِ، وصيانَتَه من الأضاليلِ، والتجافِي به عن الفتَن بالنأْيِ عن العقائدِ الفاسِدة، والاتِّجاهاتِ الضالَّة، والمبادِئِ الإلحادية التي تهدِمُ ولا تبنِي، وتُضلُّ ولا تهدِي، وتمحَقُ ولا تُربِي، والتي أصبحَ لها اليوم سُوقٌ نافِقة، وأبواقٌ ناعِقة، وسُبُلُ غوايةٍ ومسالِكُ هدمٍ وتخريبٍ لا مُنتهَى لها، ولا حدَّ يحدُّها، وموجاتُ مدٍّ عاتِية، تولَّى كِبرَها دعاةُ ضلالٍ يلبِسون الحقَّ بالباطل بزخرُفِ القولِ وبانتِهاجِ سبيلِ التشكيكِ في كلِّ شيء، حتى فيما استقرَّ في الفِطَر السليمةِ صوابُه، ورسَخَ في النفوسِ القويمةِ صلاحُه، وقامَت على ذلك دلائِلُه وحُجَجُه وبراهينُه، من مُحكماتٍ وقطعياتٍ، مُستخدِمين ما وفَّرَته تقنيَّاتُ العصر، من قنواتٍ ومواقعَ وشبكاتٍ وغيرِ ذلك، أملاً في مدِّ رواقِ الباطل، واغبِرارِ وجهِ الحقِّ.

     وذلكَ الذي أخبرَ به رسولُ الهدى - صلواتُ الله وسلامُه عليه - في حديثِ حُذيفة بن اليمان رضي الله عنه، الذي بيَّنَ فيه صلى الله عليه وسلم أكملَ بيانٍ واقعَ الناس في أعقابِ الزمن، وأوضَحَ مواقِفَهم أمامَ الفتن، ودلَّ على سبيل السلامةِ منها، والاستِعصام من غوائِلِها، والنجاةِ من رُؤوسِها ومن تولّى كِبَرها، وأوقدَ نارَها، وأزكى أُوارها.

     فقد أخرجَ الشيخان في (صحيحيهما) عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - أنه قال: كان الناس يسألُون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الخيرِ، وكنتُ أسألُه عن الشرِّ مخافةَ أن يُدرِكني؛ فقلتُ: يا رسولَ الله! إنَّا كنا في جاهليةٍ وشرٍّ، فجاءَنا اللهُ بهذا الخيرِ، فهل بعدَ هذا الخيرِ من شرٍّ؟ قال: «نعم». فقلتُ: هل بعدَ ذلك الشرِّ من خيرٍ؟ قال: «نعم، وفيه دَخَنٌ» - أي: عدمُ صفاءٍ وكُدرة-، قلتُ: وما دَخَنُه؟ قال: «قومٌ يستنُّون بغيرِ سُنَّتي، ويَهتَدون بغير هديِي، تعرِفُ منهم وتُنكِرُ». فقلتُ: هل بعدَ ذلك الخيرِ من شرٍّ؟ قال: «نعم، دُعاةٌ على أبوابِ جَهَنَّمَ، مَن أجابَهم إليها قَذَفوه فيها». فقلتُ: يا رسولَ اللهِ! صِفْهم لنا، قال: «نعم، قومٌ من جِلدتِنا، ويتكلَّمُون بألسِنَتِنا». قلتُ: يا رسولَ اللهِ! فما تأمُرُني إن أدرَكَني ذلك؟ قال: «تَلزَمُ جماعةَ المسلمينَ وإمامَهم». فقلتُ: فإن لم تكن لهم جماعةٌ ولا إمامٌ؟ قال: «فاعتَزِلْ تلك الفِرَقَ كلَّها، ولو أن تَعَضَّ على أصلِ شجرةٍ، حتى يُدرِكَك الموتُ وأنت على ذلك».

     وفي هذا الحديث - يا عبادَ الله -: دلالةٌ على أن الأمةَ إن لم تُعنَ بدينِها وعقيدتِها، ولم تسعَ جاهدةً للحفاظِ عليهما، فإنها تُعرِضُ بذلك عن أشرفِ الحقائقِ وأعظمِها، وهي حقيقةُ صِلةِ العبدِ بربِّه، القائمةِ على العدلِ في مُعاملتِه، بتحقيقِ الغايةِ من خلقِ العبادِ، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات: 56)؛ فشرطُ قبولِ هذه العبادة: ألا يُعبَد إلا الله، وألا يُعبَد اللهُ إلا بما شَرَع.

الدَّخيلِ المُبتدَع

ألا وإنَّ الحفاظَ على دينِ الله، يستلزِمُ صونَه من شوائِبِ الدَّخيلِ المُبتدَع، الذي لا أصلَ له في كتابٍ ولا سُنَّة، ولا في عمل سلفِ الأمة.

حمايتَه مما نسَبَه إليه

ويستلزِمُ أيضًا: حمايتَه مما نسَبَه إليه أهل الغلوِّ أصحابُ فتنةِ التكفير، لينصُرُوا بذلك بِدعَتهم، وليُقوُّوا به باطلَهم، وليُزكُوا به نارَ فتنَتِهم، التي أعقبتَهم جُرأةً على الدمِ الحرامِ لا حُدودَ لها، واستباحةً للأنفُسِ المعصومةِ التي حرَّم الله إلا بالحقِ.

حمايتَه من موجاتِ الإلحاد

     والحفاظُ على الدين أيضًا يستلزِمُ: حمايتَه وصيانتَه من موجاتِ الإلحاد العاتِية، بالوقوفِ في وجه دُعاتها، وصدِّ باطلهم، وردِّ شُبهِهم، وإماطَة اللِّثام عن وسائلِ كَيدِهم للإسلام عامةً، وللشبابِ وحُدثاءِ الأسنان خاصَّةً، ليردُّوهم عن دينِهم إن استطاعُوا، أو ليلبِسُوا عليهم دينَهم، بما ينشُرُون من دعاوَى، وما يُذيعُون من شُبهاتٍ لا تصمُدُ أمام صَولَةِ الحقِّ المُستندِ إلى الأدلةِ الدامِغةِ لشُبهاتِ الباطل، الهاتِكةِ لأستارِه، الكاشفةِ لعُواره، {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}(الأنبياء: 18)؛ فحمايةُ جَنابِ الدين من غلوِّ الغالِين، وتأويلِ الجاهِلين، وانتِحالِ المُبطلين من أوكَدِ الواجِباتِ وأهمِّ المهمات، حتى يبقَى وجهُ الدين مُشرِقًا مُسفِرًا عن بهاءٍ وجمالٍ، وحتى يبقَى مَعينُه مغدِقًا في صفاءٍ وكمال.

فاتَّقُوا الله -عباد الله-، واعمَلُوا على الحفاظِ على دينِكم، والذَّودِ عن حِياضِه، بإعمال كل الوسائِلِ، كلٌ بحسَبِه، وما تبلُغه طاقتُه، واذكروا أنَّ كلَّ مسلمٍ على ثغرٍ من ثُغور هذا الدين، فليحذَر أن يُؤتَى الإسلامُ من قِبَله.

ثمار حفاظِ المرءِ على دينِه

     إنَّ من أعظمِ ثمار حفاظِ المرءِ على دينِه، وحمايتِه له، وذَودِه عنه: أن يكونَ المسلمُ موصُولاً بربِّه، مُستشعِرًا معيَّتَه، غيرَ عابِئٍ بكَيدِ أهلِ الأرض جميعًا ومكرِهم، مُعتزًّا بأن الله حسْبُه ومولاه، فلا يرضَى أن يُسامَ خُطةُ خسفٍ تُستذلُّ بها كرامتُه، أو يُحَطُّ بها من قَدره، أو تُستباحُ بها حُرماتُه.

     فهو مُستيقِنٌ أن ما شاءَ الله كان، وما لم يشَأ لم يكُن، ومُستيقِنٌ حقَّ اليقين أن ذلك الدين هو الدينُ الحقُّ، الذي جاءَ به رسولُ الهُدى - صلواتُ الله وسلامُه عليه - من ربِّه، فأخرَجَ به العبادَ من الظُّلماتِ إلى النور، وهو الدينُ الذي كتبَ الله له الخلودَ والظهورَ، وعدًا حقًّا لا يتخلَّفُ ولا يتبدَّلُ، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(التوبة: 33).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك