رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 27 يونيو، 2016 0 تعليق

الشيخ الخياط: شهر رمضان اختُصَّ بخصائِص ازدادَ بها شرفًا، وعلا بها قدرًا وتضاعَفَ بها فضلاً

من نِعَم الله السابِغة أن جعلَ للأمة أوقاتًا تسمُو على أشباهِها، وخصَّها بأزمنةٍ يُضاعَفُ فيها أجرُ العاملين، ويسمُو فيها قدرُ المُجتهِدين الذين يستبِقُون فيها الخيرات

رمضان سبب لتحقيقِ العبوديَّة لله ربِّ العالمين فجِماعُ الدين ألا يُعبَد إلا الله وألا يُعبَد إلا بما شرَع

 

ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: (خصائص شهر رمضان)، التي تحدَّث فيها عن شهر رمضان، وأن له خصائِص اختصَّه الله بها دُونما سِواه من شهور العام، كما ذكرَ سُنَّةً نبويَّةً حرِيٌّ بكل مُسلمٍ أن يحرِصَ عليها في هذا الشهر، وهي سُنَّةُ مُدارسَة القرآن الكريم وما فيها من عظيمِ الأجر، وكان مما جاء في خطبته:

     إن من نِعَم الله السابِغة، ومِنَنه المُتتابِعة، وآلائِه الجليلة: أن جعلَ للأمة أوقاتًا تسمُو على أشباهِها، وتمتازُ على نظائِرِها، وخصَّها بأزمنةٍ هي غُررُ الزمان وتِيجانُ الأيام، يُضاعَفُ فيها أجرُ العاملين، ويسمُو فيها قدرُ المُجتهِدين، الذين يستبِقُون فيها الخيرات، ويهتبِلُون فيها الفُرصَ السانِحات. وتسمُو نفوسُهم إلى سنِيِّ المراتِب، وتنزِعُ هِمَمُهم إلى شريفِ المطالِب، وتحفِزُهم إلى حِيازَة الدرجات الرفيعة، والحَظوَة بالنعيمِ المُقيم في جناتِ النعيم.

وإن من هذه الأزمِنةِ الشريفة: هذا الشهر المُبارَك رمضان، إنه سيِّد الشهور، الشهرُ الذي اختُصَّ من بين سائر شُهور العام بخصائِصَ تبوَّأ بها مقامَ الصدارَة بينها، وارتقَى بها إلى رِفعةٍ لا تُسامَى، وشرفٍ لا يُضاهَى.

شهر القرآن

     وحسبُك أنه الشهرُ الذي أُنزِل فيه الهُدى والنور والشفاءُ لما في الصدور: القرآنُ حبلُ الله المتين، والنورُ المُبين، والشفاءُ النافِع، والعصمةُ لمن تمسَّك به، والنجاةُ لمن اتَّبَعه، كما قال -سبحانه-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة: 185)، وأيُّ شرفٍ يعدِلُ هذا الشرفَ؟! وأيُّ فضيلةٍ تعدِلُ هذه الفضيلة؟!

لكنَّه اختُصَّ مع ذلك أيضًا بخصائِص ازدادَ بها شرفًا، وعلا بها قدرًا، وتضاعَفَ بها فضلاً، فمن هذه الخصائِص:

تُفتَّحُ فيه أبوابُ الجنة

     أنه شهرٌ تُفتَّحُ فيه أبوابُ الجنة، وتغلَّقُ فيه أبوابُ النار، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في (صحيحيهما)، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخلَ شهرُ رمضان فُتِّحت أبوابُ الجنة، وغُلِّقَت أبوابُ جهنَّم، وسُلسِلَت الشياطين».

وهو تعبيرٌ بيِّنٌ عن سعَة رحمته -سبحانه-، وفيضِ جُوده بالعفوِ والمغفرة والعتقِ من النار، كما جاء في بعضِ طُرقِ هذا الحديث عند الشيخين: «إذا دخلَ شهرُ رمضان فُتِّحت أبوابُ الرحمة». وفي بعضِها: «فُتِّحت أبوابُ السماء».

وكل ذلك مما يُشيرُ إلى تدفُّق العطاء الربَّاني، وغَمره العبادَ بألوان الإكرام وضُروب الإنعام، حتى لا يكادُ يُرى فيه موضِعُ حَجبٍ، ولا مكانُ منعٍ، ولا مقامُ حِرمان.

صيامه وقيامه سببٌ للغُفران

     ومنها أيضًا: أن صيامَه وقيامَه سببٌ لغُفران ما تقدَّم من ذنوبِ العبدِ، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في (صحيحيهما)، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم  قال: «من صامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه».

وكما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في (صحيحيهما)، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه».

     لكنَّه غُفرانٌ مخصوصٌ عند جُمهور أهل العلمِ بما دُون الكبائِر؛ إذ لا تُكفِّرُها غيرُ التوبة، وردُّ الحقوق إلى أهلِها إن كانت مُتعلِّقةً بحُقوق العبادِ، لقوله صلى الله عليه وسلم : «الصلواتُ الخمسُ، والجُمعةُ إلى الجُمعة، ورمضانُ إلى رمضان مُكفِّراتٌ لما بينهنَّ إذا اجتُنِبَت الكبائِر»؛ متفق عليه، وهو بكل حالٍ فضلٌ عظيمٌ، وخصيصةٌ جليلةٌ لهذا الشهر، يستبِينُ بها رِفعةُ مقامه، وعلوُّ منزلته، وتفرُّدُه على غيرِه بمزيد الإكرام.

فيه ليلةَ خيرٌ من ألفِ شهر

     ومنها: أن فيه ليلةَ القدر التي هي خيرٌ من ألفِ شهر، كما قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (القدر: 1- 5).

وهي الليلةُ المُبارَكة التي ذكرَها -سبحانه- بقولِه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (الدخان: 3، 4).

     وهي الليلةُ التي من قامَها إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في (صحيحه)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قامَ ليلةَ القدر إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه».

شهرُ الصبر

ومنها أيضًا: أنه شهرُ الصبر؛ إذ الصبرُ لا تظهرُ حقيقتُه، وتتَّضِحُ صُورتُه أكثر من ظُهورها في الصيام؛ فإنه نصفُ الصبر، والصابِرُ يُوفَّى أجرَه بغير حسابٍ، كما قال - سبحانه -: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر: 10).

فيه دعوةً مُستجابةً

     ومنها: أن فيه دعوةً مُستجابةً لكل مُسلمٍ، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في (مسنده) بإسنادٍ جيدٍ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لكل مُسلمٍ دعوةٌ مُستجابةٌ يدعُو بها في رمضان»، وهذا باعِثٌ قويٌّ للعبدِ يحمِلُه على اهتِبال هذه الفُرصة، واغتِنام هذه الفضيلَة،في الازدِلافِ إلى مولاه محبَّةً وشوقًا، تضرُّعًا وانكِسارًا، واطِّراحًا على بابِه - سبحانه -، والتِجاءً إلى جنابِه؛ أملاً في الحَظوَة عنده، وطمَعًا في الرِّفعَة لدَيه.

تحقيق العبودية

     ولا غرْوَ بعد هذا - يا عباد الله - أن يكون صيامُ هذا الشهر سببًا لتحقيقِ العبوديَّة لله ربِّ العالمين؛ إذ لا إمساكَ ولا إفطارَ إلا على الصِّفةِ التي شرعَها الله ورسولُه صلى الله عليه وسلم ، وفي الزمنِ الذي حدَّه؛ فإن الصائِمَ عبدٌ لله لا تتحقَّقُ عبوديَّتُه إلا بعبادتِه - سبحانه - وحدَه بما شرَع.

فجِماعُ الدين: ألا يُعبَد إلا الله، وألا يُعبَد إلا بما شرَع، ولن يصِحَّ للصائِم صيامٌ ولا عبادةٌ إلا إذا وُزِنَت بهذا الميزان الذي تقومُ كِفَّتاه على الإخلاصِ لله والمُتابَعَة لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم .

     ولذا كان الصومُ كلُّه - كما قال بعضُ العلماء -: «خُضوعًا للأمر الإلهيِّ، فلا أكلَ ولا شُربَ ولا مُتعةَ بما حُظِر على الصائِم بعد تبيُّن الخيطِ الأبيَضِ من الخَيطِ الأسوَدِ من الفَجر إلى غُروبِ الشمسِ، مهما جمَحَت النفسُ، وطغَت شهوةُ الطعام والشراب، ولا إمساكَ عن الطعام والشرابِ أيضًا وما حُظِر في النهار بعد غُروبِ الشمسِ، مهما جمَحَت طبيعةُ الزُّهد والتنسُّك.

فليس الحُكمُ للنفسِ والشهوةِ والعادةِ -يا عباد الله -، لكنَّ الحُكم لله وحدَه، وكلما كان الصائِمُ مُتجرِّدًا عن هواه، مُنقادًا لحُكم الله، مُستسلِمًا لقضائِه وشرعِه؛ كان أصدقَ في العبوديَّة، وأرسَخَ قدَمًا». اهـ.

هذا وإن فضائلَ هذا الشهر المُبارَك -يا عباد الله- لا تكادُ تنحصِرُ، وكلُّها من الأدلَّة البيِّنة على سعَة رحمتِه -سبحانه- بعبادِه، وإرادتِه بهم اليُسر، ووضعِه عنهم الإصْرِ.

     ألا وإن تذكُّر الصائِم لهذه الفضائِلِ والخصائِصِ العظيمةِ المُبارَكة لهذا الشهر المُبارَك، يجبُ أن يكون باعِثًا على كمالِ الشكر لله -تعالى- المُنعِمِ بهذه الصفة، وذلك بتمام الحِرصِ على حُسن أدائِها، ورِعايتِها حقَّ رِعايتِها، والحذَرِ من إضاعَة فُرصتِها وتفويتِ مغنَمِها، والتفريطِ في جَميلِ الموعُود عليها.

فاتَّقوا الله -عباد الله-، واهتبِلُوا هذه الفُرصةَ العظيمةَ فيما يعظمُ به قدرُكم، ويعظمُ به أجرُكم، ويرفعُ الله به ذِكرَكم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك