رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 25 مارس، 2013 0 تعليق

الشيخ الحويني في حوار خاص لـ«الفرقان»:معهد شيخ الإسلام العلمي .. أول عمل مبارك من أعمال مؤسسة الحويني الخيرية

 

أعترف بالجميل والفضل لأخوات الكويت اللاتي كن سببًا في البدء بالمشروع

المعهد يهدف لتخريج (حرس الحدود) الذين يستطيعون صد الهجمات المتتالية على مصادرنا الأصلية

أنا لست مُفرطًا في التفاؤل ومن خلال قراءتي المتواضعة أرى أن مصر في حالة  مخاض عسير

الذين يقومون بالتدريس في المعهد هم طلبتي الذين قمت بتدريسهم منذ 15 سنة وأصبحوا الآن شيوخًا

الحركة العلمية للدعوة السلفية تأثرت كثيرًا بانصراف الناس عن التعلم والانشغال بالسياسة وأحوال البلد

المعهد لا يكلف الطالب أي شيء فنحن ننفق على الطلبة ولاسيما فيما يتعلق بالكتب والمراجع التي يحتاجونها

أرى أن العمل السياسي شر لابد منه ورغم ذلك فهو ليس الطريق السديد للوصول إلى التمكين لدين الله عز وجل

المشروع السلفي الذي ظهر في الفضائيات قبل الثورة بسنوات أحدث زلزالاً ليس في مصر فقط بل في العالم أجمع

كثيرًا ما نادى الشيخ المحدِّث أبو إسحق الحويني - حفظه الله - بضرورة كفالة طلبة العلم، والإنفاق عليهم ورعايتهم، مبينًا أن أكثر هؤلاء الطلبة من الفقراء وأن الإنفاق عليهم من أموال الزكاة من أفضل الأعمال؛ لذلك كان أول عمل مبارك بدأت به مؤسسته الخيرية التي انطلقت قبل فترة وجيزة وتحمل لقبه، هو بناء معهد علمي يرعى هؤلاء الطلبة، ويكون بيئة علمية تربوية تحتضنهم وتقوم على رعايتهم لتخريج جيل متميز من حرس الحدود الذي طالما حَلُمَ به الشيخ، تكون مهمته الأساسية الدفاع عن مصادرنا الأصلية وحمايتها من عبث العابثين وكيد الكائدين.

لذلك كان هذا اللقاء الـمبارك مع شيخنا حفظه الله وبارك في عمره للتعرف على هذا العمل الـمبارك عن قرب، وسألته بداية عن فكرة إنشاء الـمؤسسة والأهداف الأساسية التي تسعى لتحقيقها فقال مشكورًا:

     الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وبعد: فإن فكرة المؤسسة لم تكن إطلاقًا في يوم من الأيام من أهدافي؛ لأن جمع أموال التبرعات والزكوات والصدقات يحتاج إلى جهد ضخم، وأنا في الحقيقة ليس لي لدي الوقت والجهد لهذا الأمر.

     وقد حثني إخواني على هذا الأمر منذ فترة، وقالوا: إن وجود مؤسسة خيرية أمر مهم، ولا سيما إذا كانت هذه المؤسسة تحمل اسمي، وظللت سنة كاملة مترددا، وقلت: يكفيني ما أحمله من هموم العمل الدعوي، إلى أن جاءني اثنان كانا يريدان ترخيص مؤسسة أو جمعية خيرية وأرادا الحصول على تزكية؛ لأن أصحاب الأموال قالوا لهم نريد تزكية الشيخ الحويني لهذه المؤسسة، فقلت لهم: إنني لا أوقع على مثل هذه التزكيات.

     ثم بعد أشهر عدة كنت أقرأ حديث النبي صلى الله عليه وسلم : «اشفعوا تؤجروا»، وبعد أن شرحت الحديث قلت في نفسي: هل يمكن أن يؤاخذ المرء على عدم استخدام وجاهته لخدمة الفقراء وحل أزماتهم؟ وحينما وضعت هذا السؤال أمام عيني تخوفت أن يكون عدم استخدامي لوجاهتي سببًا في مؤاخذتي؛ لأنني كان يمكن أن أحل مشكلة فقير، أو أكون سببًا في علاج مريض، فقوي عندي بسبب هذا الخوف فكرة إنشاء المؤسسة فأقدمت على تنفيذها، وأقمت عليها آخرين، وأنا المشرف العام عليها.

- بارك الله فيكم، ما  أهم العقبات التي قابلتكم عند تنفيذ الفكرة؟

- عندما بدأنا في تنفيذ الفكرة، كانت أمامنا بعض العقبات الإدارية والمالية، كتوفير المكان وتأسيسه وإدارته، ولكن بفضل الله تجاوزنا هذه العقبة واستطعنا توفير مكان مناسب.

- ما أول أعمال الـمؤسسة التي شرعتم في تنفيذها؟

- كان أول أعمال المؤسسة، الذي قامت عليه، والذي رأيت أنه يخدم فكرتي، (حرس الحدود)، وإيجاد جيل من طلبة العلم الذين يستطيعون صد الهجمات المتتالية على مصادرنا الأصلية، فكان أهم شيء حرصت عليه هو بناء معهد علمي لتخريج هذا الجيل، مع العلم أننا بدأنا فكرة المعهد بعد الثورة مباشرة في مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية، ولكن تنفيذ الفكرة في المسجد يشوبه كثير من العقبات، ولا سيما أن المسجد يدخله العوام، ولا يوجد به الخصوصية المطلوبة للتلقي والتربية، فلا يستقيم أن أُخَرّج علماء إلا إذا كانوا في مَحْضنٍ خاص من خلال التلقي المباشر.

     فقمنا بشراء قطعة أرض مساحتها 400 م ، ويشرفني في هذا المقام أن أعترف بالجميل والفضل لأخوات الكويت اللاتي كن سببًا في البدء بالمشروع،  والحمد لله وصلنا في المشروع إلى الدور التاسع، ولا شك أننا نسير فيه بخطى بطيئة نظرًا لقلة ذات اليد، وضعف الإمكانيات، ولكن بفضل الله ييسر الله لنا كل فترة من أهل الخير من إذا رآنا توقفنا لعدم توافر المال، مد لنا يد المساعدة، وقريبًا إن شاء الله نكمل الدور العاشر.

     وللعلم فإن ما أنجزناه الآن من المشروع يعد أقل الأشياء تكلفة وهو الهيكل الأساسي للمعهد، وما بقي هو الأصعب، نسأل الله عز وجل أن ييسر كل عسير ويتم بفضله وكرمه إكماله على خير.

- بارك الله فيكم، ما أهم الـمشاريع الأخرى التي تقوم عليها الـمؤسسة فضلاً عن هذا المشروع؟

- أريد أن أوضح أمرًا وهو أننا لم نتوقف عن أعمال الخير منذ أن بدأنا في الدعوة إلى الله عز وجل، والمؤسسة ليست سوى عمل مؤسسي منظم يجمع هذه الأعمال؛ لأن النظام السابق لم يكن يسمح لنا بإنشاء تلك المؤسسات، لذلك فإن لدينا العديد من المشاريع القائمة بالفعل ولاسيما فيما يتعلق بإطعام الفقراء وكسوتهم وعلاجهم، وقضاء ديونهم، كما بدأنا في وضع خطط مستقبلية لمشاريع أخرى من خلال عمل إداري منظم، إلا أن المشروع الأساسي الذي بدأنا به عمل المؤسسة الفعلي هو بناء معهد شيخ الإسلام العلمي كما ذكرنا.

- ماذا يميزكم عن باقي مؤسسات العمل الخيري الـموجودة في الـمجتمع المصري؟

- بداية نحن نعلم أننا لسنا دولة نطعم كل من يأتي إلينا، وإمكاناتنا محدودة؛ لذلك فإن أهم ما يميزنا ويحقق رسالتنا أننا ربطنا العمل الدعوي بالعمل الخيري في المؤسسة، ولدينا رؤية واضحة لذلك، فكل أسرة تستفيد من المؤسسة لابد أن يكون لنا دور في التزامها، ونحن بفضل الله كنا سببًا في ارتداء ألوف النساء النقاب، وبفضل الله نحن لدينا أكثر من 700 أسرة تستفيد شهريًا من المؤسسة من الكسوة والعلاج وغيرهما من الخدمات.

     كما أننا وضعنا ضوابط وشروطا للحالات التي تتعامل معها المؤسسة ولاسيما في مسألة قضاء الديون؛ حيث نقوم بقضاء الديون التي لا تتجاوز 10.000 جنيه، كما نجعل الأولوية لمن عليهم أحكام قضائية بالسجن وغيره، كما أن لنا عناية خاصة بالمرضى ولا سيما الحالات التي تعرضت للحريق، وهو من أصعب أنواع الأمراض التي نعالجها وتحتاج إلى تكلفة عالية جدًا؛ حيث يشترط المستشفى دفع 10.000 جنيه بمجرد دخول المستشفى، وقد قمنا بتحويل حالات كثيرة إلى مستشفى الحلمية العسكري، وحالات كثيرة جدًا ماتت بعد دخولها مباشرة ومع ذلك لا نستطيع استرداد ما دفع من أموال.

     كما أن من أهم المشاريع أيضًا التي تقوم عليها المؤسسة: تزويج الفتيات الفقيرات، وقد قمنا العام الماضي على سبيل المثال بتزويج 50 فتاة، كل بنت تكلف 10،000 جنيه، ونحن نحرص أن تحصل الفتاة على أشياء عينية؛ لأننا نعلم أن هناك من لا يحسنون التصرف في الأموال، وبعد أن نعطيها تلك الأجهزة نعطيها 3000 جنيه نقدًا للمفروشات والملبوسات وغيرهما، ومعنى ذلك أننا أنفقنا ما يزيد عن نصف مليون جنيه على تزويج هؤلاء الفتيات.

وأيضًا من المشاريع المهمة مشروع كسوة الشتاء، فقد قمنا بفضل الله في هذا الشتاء بتوزيع 4000 بطانية من النوع الجيد على عدد كبير من الأسر الفقيرة.

- ما نطاق عمل الـمؤسسة الآن، وهل لديكم تصور لوجود فروع للمؤسسة في باقي الـمحافظات؟

- المؤسسة لا شك في حاجة للتوسع وأن يكون لها فروع في جميع محافظات الجمهورية، ومعلوم أن العمل المؤسسي عمل مفتوح ليس له نهاية؛ لذلك فإن من أهم أهدافنا - لا شك - توسيع نطاق عمل المؤسسة سواء على المستوى المكاني أم على مستوى الأعمال الخيرية لتشمل كل أعمال البر والخير، إلا أننا لا نستطيع فعل ذلك الآن نظرًا لضعف الإمكانات ومحدودية الميزانية.

- حفظكم الله، الـمؤسسة جمعت بين هدفين عظيمين: علمي واجتماعي، فهل لديكم الكوادر الكافية لسد حاجة هذين الهدفين؟

- بالنسبة للجانب العلمي بفضل الله لدينا المشايخ الموجودون الآن، ولا شك أن ذلك ليس كافيا بطبيعة الحال، ومن الخطط المستقبلية أن أقوم باستقدام كوادر من جامعة الأزهر الذين لديهم العقيدة السلفية الصحيحة، وبفضل الله الأزهر مليء بمثل هذه الكوادر، وسأبدأ في ذلك بإذن الله بمجرد الانتهاء من بناء المعهد، فضلاً عن بعض المشايخ والعلماء المشهورين الذين لديهم وقت، ويقومون بالتدريس العلمي وليس الوعظي.

     أما عن العمل الاجتماعي فلدينا أيضًا كوادر، ولا سيما أننا في بداية العمل الإداري للمؤسسة، فليس لدينا أعباء كثيرة الآن، ولا شك أن محدودية الميزانية لها دور في هذا الأمر، وأنا في الغالب أضع خطة عمل لمدة سنة، وبناء على هذه الخطة أرى كل بند كم يتكلف، وبناء عليه أقوم بجمع تكاليف الخطة من أهل الخير بناء على هذه البنود؛ لذلك فليس لدينا زخم من الموظفين؛ لأن ذلك يستلزم رواتب تؤخذ من أموال المسلمين، ونحن إلى الآن ما زلنا نعمل في إطار مدينة كفر الشيخ فقط وليس المحافظة التي إن أردنا البدء فيها فسنحتاج إلى ميزانية لا تقل عن 10 ملايين جنيه.

- معنى هذا - بارك الله فيكم - أن التحدي الأكبر أمامكم هو توفير الأموال؟

- لاشك في ذلك.

- ألا يوجد في خططكم الـمستقبلية العمل على إيجاد وقفية تخدم أعمال الـمؤسسة بدلاً من الاعتماد على التبرعات فقط؟

-هذه أمنية لنا، وهدف أساسي من أهدافنا؛ لأن هذا سيريحنا من مسألة جمع الأموال، ونحن بالفعل قمنا بإعداد دراسة جدوى لمشروعين وقفيين، وطلبنا من المحافظ تخصيص قطعة أرض لهما على مساحة فدان ونصف لإقامتهما، وهذين المشروعين هما: مصنع أعلاف سمك، والآخر: مصنع للثلج، وتم اختيار هذان المشروعان اعتمادًا على أن محافظة كفر الشيخ من أشهر محافظات مصر في إنتاج الأسماك، حيث لدينا أكثر من 250 ألف فدان مزروعة بالأسماك، وعندنا في مدينة كفر الشيخ اثنان من أكبر أسواق الأسماك، أحدهما قريب من مكان مصنع الثلج المزمع إنشاؤه، وهذين المصنعين سيتكلفا 7 ملايين جنية بناء على دراسة الجدوى التي قمنا بها من خلال المختصين والخبراء.

- ننتقل - بارك الله فيكم - إلى الحديث عن معهد شيخ الإسلام العلمي، ما الـمعايير التي يتم من خلالها اختيار الـمدرسين بالـمعهد؟

- بداية، الذين يقومون بالتدريس هم طلبتي الذين قمت بتدريسهم منذ 15 سنة، وأصبحوا الآن شيوخًا، وأنا الذي قمت بترشيحهم بنفسي للتدريس، ولا شك أنني راعيت فيهم معايير خاصة، من أهمها حسن توصيل المعلومة، والقدرة على التعامل مع الآخرين وفهم أنماط الدارسين والمتعلمين، مع العلم أننا لا نقتصر فقط على الدراسة المباشرة داخل المعهد وإنما لدينا على الإنترنت أعداد هائلة من الطلبة والدارسين.

- بالنسبة للمناهج، ما الـمعايير التي تم اختيار هذه الـمناهج بناء عليها؟

- بالنسبة للمناهج تم اختيارها من قبلي بعد الاطلاع على مجموعة من المناهج والكتب المختلفة، وقد راعيت فيها الشمول، بحيث يدرس الطالب بالمعهد لمدة 5 سنوات، وقمت بوضع ما يسمى بالدراسة التخصصية، أو المستوى الرفيع، وكذلك نقوم الآن على تلخيص مجموعة من الكتب التي لا يستغني عنها الطالب، وفي الوقت نفسه لا يستطيع دراستها كما هي، على سبيل المثال في الفقه كتاب الأوسط لابن المنذر، وهو من أمتع الكتب وأروعها، وهو 15 مجلدا، وما يميز ابن المنذر أنه من أهل الترجيح وكتابه ممتع فتجده يسوق الدليل من القرآن، ثم من السنة بالأسانيد، ثم من أقوال الصحابة والتابعين، وهكذا فنحن الآن نقوم على تلخيصه تلخيصا دقيقا بحيث يكون مقررا ككتاب فقه لمدة 4 سنوات.

     كما أننا في السنة التمهيدية نقوم بتدريس مواد بسيطة وسهلة تساعد جميع الدارسين على اختلاف مستوياتهم وثقافتهم؛ لأنني لم أضع شرطًا لمن يريد الانتساب للمعهد، وفتحنا الباب للجميع فدخل عدد كبير أغلبهم أزيل عنهم الجهل وتنسموا نسائم العلم فدخلوا للسنة الأولى ولديهم حافز قوي للتعلم.

     لذلك فنحن في مسألة المناهج نعمل على إيجاد منهج متكامل - إلى أن يتم اكتمال بناء المعهد - أما الكتب التي تدرس كما هي، فمنها مثلاً كتاب آداب طالب العلم التي ينبغي أن يتحلى بها، هذه مادة أساسية، وكتاب الجامع لآداب الراوي، كتاب الفقه والمتفقه، وهذه الثلاثة مبنية على آداب طالب العلم التي يجب أن يتحلى بها، وهذه قضية أساسية ومحورية في مناهجنا.

- ما الـمعايير التي من خلالها تقيّمون الطلبة، وهل لديكم عناية خاصة بالـمتميزيين منهم؟

- لا شك أن الاختبارات هي وسيلة تقييم الطلبة في المعهد، وهي التي أقوم من خلالها باستكشاف الكفاءات المتميزة، بحيث أضع الأسئلة التقليدية التي من داخل المنهج، وسؤالا ليس من داخل المنهج لا يستطيع الإجابة عنه إلا الطالب النبيه واسع الاطلاع، وهذه هي إحدى الطرق لاكتشاف مثل هذه المواهب؛ لأنه ليس كل الدارسين متميزين، بعد ذلك أقوم برعاية هؤلاء رعاية خاصة من خلال الدورات الخاصة التأهيلية في السنة السادسة، والتي من خلالها يتم تحديد وجهة الدارس، سواء تجاه الحديث أو الفقه وأصوله أو علوم القرآن، وهكذا.

- هل لديكم خطة مستقبلية  لاعتماد شهادة المعهد من إحدى الـمؤسسات الأكاديمية؟ أو عقد شراكات تعاون علمي مع إحدى هذه الجهات؟

- هذه لاشك نقطة مهمة، وقد وضعت في اعتباري اعتماد المعهد من وزارة الأوقاف، ولا سيما في ظل وجود الدكتور طلعت عفيفي، ولا شك أن ذلك سيمثل قوة للمعهد.

     أما فيما يتعلق بعقد شراكات علمية مع بعض الجهات الخارجية فأنا لم أفكر حاليًا في هذه المسألة وإن كانت مهمة، وكل شغلي الآن في إعداد (حرس الحدود) وتأهليهم الذي بوجوده لا يستطيع أحد الاقتراب من مصادرنا الأصلية حتى لو لم أرتبط بأي جهة علمية أخرى، فيكفيني أن أُخَرّج مثل هذا الطالب، وأنا لن أمانع تمامًا إذا أتيحت فرصة كهذه، بحيث يتعرف الطالب على مناهج أخرى موافقة للمنهج السلفي وهذه فرصة عظيمة.

- كيف توفرون نفقات الـمعهد؟ وكم يتكلف الطالب الدارس لديكم؟

- نحن - بفضل الله - لا نكلف الطالب أي شيء، بالعكس نحن ننفق على الطلبة ولاسيما فيما يتعلق بالكتب والمراجع التي يحتاجونها، فعلى سبيل المثال كل سنة في معرض الكتاب الدولي ننفق أموالاً كثيرة على كتب الطلبة، ولا سيما أن طلابي ليسوا من محافظة كفر الشيخ فقط، وإنما موجودون في كل المحافظات، وهم ليسوا طلبة عاديين وإنما متميزون يقومون بالتدريس والتعليم، وبرغم هذا المبلغ الضخم إلا أننا أيضًا لا نستطيع توفير كل المصادر لهم، وإنما أهمها فقط، هذا بخلاف المعيشة الشخصية لهم، وهذه تتفاوت من طالب لآخر على حسب شعبيته وحب الناس له وإقبالهم عليه، وهذا لا شك له تأثير على الدعوة.

- ننتقل إلى قضية أخرى - بارك الله فيكم - وهي تخص الحركة العلمية للدعوة السلفية، هل تأثرت هذه الحركة بعد ثورة 25 يناير؟

- نعم، لا شك في ذلك، فقد تأثرت الصحوة العلمية كثيرًا بانصراف الناس عن التعلم والانشغال بالسياسة وأحوال البلد وما شابه ذلك، فعلى سبيل المثال مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية كنت لا تجد فيه مكانًا ولاسيما في أوقات الدروس، وحدث في رمضان قبل الماضي أن دخلت المسجد وكنت قد تغيبت عنه 10 أيام  بسبب ظروفي الصحية، وقد أخبروني أن المسجد فارغ وطلبوا مني الحضور لتنشيط المسجد من جديد.

     وقاموا بعمل إعلانات أنني سألقي محاضرة، ومع ذلك لم يتجاوز الحضور بالمسجد الثلثين فقط، وهو ما لم يحدث من قبل في يوم من الأيام منذ أن بُنيَ المسجد في 1413هـ، حتى صلاة الفجر عندما كنت إمامًا في بداية نشأته كان المسجد يمتلئ عن آخره.

     وقد اشتكى لي بعض الشيوخ المشهورين الذين يحضر لهم ألوف، أن العدد في دروسهم الآن لا يتجاوز 15 شخصًا، فلا شك أن الحركة العلمية تأثرت، ولا سيما بعد دخول بعض المشايخ في العمل السياسي دون سابق خبرة، وهذا لا شك لا يصلح، فأصبح الناس يسيئون الظن بهم وبعد أن كان للشيوخ مصداقية عند الناس وكلمتهم لا تسقط الأرض، فقدوا هذه المصداقية، ولكن بعض المشايخ أدركوا خطأهم بالدخول في السياسة وأعلنوا ذلك صراحة، ولكن بعد أن فسدت الأمور وشوهت صورتهم وبعد أن قام إعلام المسيخ الدجال الأعور بقلة الأدب المتناهية على هؤلاء المشايخ، وكذلك في مواقع التواصل الاجتماعي؛ ولذلك أنا أرى أننا بوصفنا سلفيين خسرنا كثيرًا من دخولنا في العمل السياسي.

- ما رؤيتكم في كيفية الخروج من هذا الـمأزق؟

- أنا أرى أن نرجع إلى الله تبارك وتعالى مرة أخرى، ونقوم بدعوة الناس إلى الله سبحانه وتعالى، وأنا أقول لك: إن الناس تنسى سريعًا، ولا سيما إذا رجع العلماء والمشايخ إلى الاهتمام بالدعوة، والعوام قد لا يفكرون في المعاني التي نفكر بها الآن.

     كذلك فأنا أرى أن الخروج من هذا المأزق يتمثل في تفعيل دور المسجد من جديد، ونحن ما علينا إلا أن نبذل ما بوسعنا والله هو الذي يهدي الناس إلى الحق، وفي هذا السياق أتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِىّ[ يَوْمًا فَقَالَ: «عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلُ، وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلاَنِ، وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّهْطُ ، وَالنَّبِىُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ....» الحديث، وكلمة: «ليس معه أحد» هذه ليس معناها أن النبي فشل في توصيل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، أو لم يوفق أو أن طريقته كانت خاطئة، لا، فالنبي مُعلَّمٌ من الله عز وجل؛ لأن الله إذا اصطفى أحدًا عَلَّمهُ وزكَّاه ووفقه لما كلفه به، فنحن ليس علينا سوى الدعوة إلى الله عز وجل.

     وأنا من خلال تجربتي أرى أنه كلما صدق المرء بينه وبين نفسه، واستخدم السنن النبوية، واستعمل ما ورد في كتاب الله عز وجل في خاصَّة نفسه، فذلك يعطيه صدقا، وهذا الصدق يخرج من القلب إلى القلب. لذلك أنا أرى أن رجوع العلماء للمسجد وتفعيل دوره مرة أخرى هو القوة الحقيقية الكامنة الساكتة التي لا يرى كثير من الناس قدرها الحقيقي.

     لقد فوجئ الناس جميعًا بعد الثورة أن الشعب المصري أغلبه سلفي، فأغلب من سمع محاضراتي وحضرها ورضي بها كلهم أصبحوا سلفيين، فالسلفية منهج وسلوك، وظهر ذلك جليًا في انتخاب الرئيس مرسي، فالسلفيون هم من أنجحوا مرسي وليس الإخوان؛ لأن عموم الناس كانوا تبعًا لشيوخهم وأنا أعتقد أن مصر مهيأة تمامًا لقبول الفكر السلفي.

     ولا شك أن المشروع السلفي الذي ظهر في الفضائيات قبل الثورة بسنوات أحدث زلزالاً ليس في مصر فقط، ولكن في العالم أجمع، فقناة الناس، وقناة الحكمة، وقناة الرحمة، هذه القنوات فتحت بلدانًا منها تونس على سبيل المثال، وذلك قبل الثورة التونسية، وأنا أعرف ذلك من التونسيين الذي قالوا إننا تعلمنا بأمان ونحن في بيوتنا، حيث لا رقيب على البث الهوائي، فتأثير القنوات المصرية على وجه الخصوص لا يساويه أي تأثير لقنوات أخرى، حتى كثير من السعوديين كانوا يقولون: إننا نحب سماع القنوات المصرية لأن حديثهم يتميز بالحرارة والعاطفة الجياشة التي تخترق القلوب.

- بارك الله فيكم، لاحظ الكثيرون لزومكم الصمت بعد الثورة والتريث كثيرًا في تحليل الأحداث، وبعضهم انتقد ذلك وبعضهم الآخر استحسنه، فما السبب في ذلك؟

- أنا حرصت بعد الثورة أن أكون قليل الكلام كثير الصمت كثير التأمل، وأتمهل في تحليل الأحداث برغم أنني كنت مشغولا بها ليلا ونهارا؛ لأنني خشيت على نفسي إذا دخلت هذا المعترك أن ألطخ تاريخي الدعوي، وبالتالي الناس لا تتقبل الكلام مني فأردت أن أحافظ على مصداقيتي؛ لأنه لا يعقل أنني كلما رأيت مشهدًا سياسيًا دخلت فيما لا أحسنه أو ربما قد أحسنه، ففضلت أن تبقى صورتي القديمة لدى الناس كما هي حفاظًا على نقاء الدعوة وصفائها.

- كيف تنظرون لدخول السلفيين في العملية السياسية؟

- رغم أن العمل السياسي أنا أراه شرا لابد منه، لكن رغم ذلك فأنا أراه ليس الطريق السديد للوصول إلى التمكين لدين الله عز وجل.

- هل يمكن توحيد جهود علماء الدعوة السلفية وإيجاد مشروع سلفي عالـمي من خلال عمل مؤسسي يكون مرجعية للأمة في الداخل والخارج؟

- أنا أرى أن هذا في العادة من الأماني؛ لاختلاف المشارب والرؤى بين كثير من علماء الدعوة، ولا يمكن تحقيق الأمر بهذه الصورة، ولكن يمكن تحقيقه من خلال اجتماع مجموعات متجانسة لديها رؤى متقاربة، فأنا أفضل اجتماع كل مجموعة تتواءم علميًا ونفسيًا واجتماعيًا، ويمكن بعد ذلك توحيد الرؤى وتجميع نقاط الخلاف، وأنا من خلال قراءتي للواقع أرى صعوبة تكوين مجلس يضم جميع علماء الدعوة السلفية ولا سيما في المرحلة الحالية.

- بارك الله فيكم، ذكرتم في بداية الثورة عبارة أحدثت أثرا كبيرًا لدى كافة التيارات وهي قولك «لا تتفاءلوا كثيرًا»؛ فهل ما زلتم على هذا القول بعد مرور أكثر من عامين على الثورة؟

- نعم ما زلت أرى صحتها؛ لأنني قلت إنهم جعلوا أسوأ ما في الثورة أحسن ما فيها، وهي أنها بلا رأس؛ لأن كل شيء بلا رأس لابد أن يموت، فأنا لست مُفرطًا في التفاؤل، ومن خلال قراءتي المتواضعة أرى أن مصر في حالة مخاض عسير، وأي كتلة كبيرة إذا اهتزت تظل فترة طويلة تهتز حتى تسكن، ومصر ليست بلدًا عاديًا، مصر بلد فوق العادة، وهي طول تاريخها مؤثرة، دعك من فترة مبارك وحكمه؛ لأنهم أسقطوها في الأرض؛ لأنهم امتهنوا كرامة الناس في الداخل، فشيء طبيعي أن يهان المصري في كل مكان حتى ولو كان قيمة فلا يلتفت إليه، ونحن في فترة اهتزاز وفترة مخاض، ولكن إذا سلَّم الله مصر وتخطت هذه المرحلة فسيختلف الأمر تمامًا، نسأل الله أن يسلم مصر وجميع بلاد المسلمين من الفتن.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك