رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 16 ديسمبر، 2020 0 تعليق

الشيخ البدر: من صور الجفاء في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- الإعراضُ عن سنته الغراء

 

في خطبة له بين الشيخ عبدالرزاق عبد المحسن البدر بعض مظاهر الجفاء في حق النبي - صلى الله عليه وسلم  -وبدأ حديثه برواية الإمام البخاري في كتابه الصحيح عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ فَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ وَكَانَ عليه -صلوات الله وسلامه عليه- فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ».

     وبين أن هذا الحديث العظيم يحرك القلوب الغافلة والنفوس المعرِضة، مبيِّناً المكانةَ العظمى والمنزلةَ العالية لرسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم -؛ حتى إن جذع نخلةٍ كان يقوم إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -فيسمع ذلك الجذعُ حديثَه - صلى الله عليه وسلم-، فلما ابتعد - صلى الله عليه وسلم -عن ذلك الجذع وأخذ يخطب على المنبر حنّ ذلك الجذع وصار له صوتٌ كصوت العشار، والعشار هي النوق الحوامل، وجاء في بعض الأحاديث أن الجذع «جَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ» جذعُ نخلةٍ يحن إلى أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فكيف عباد الله بالإنسان المؤمن؟!

أنتم أحق أن تشتاقوا إليه

     ثم أشار إلى أن الحسن - رحمه الله تعالى- (وهو من أئمة التابعين)، كان إذا حدّث بهذا الحديث بكى، ثم قال -رحمه الله-: «يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -شوقاً إليه لمكانته من الله -عز وجل-، فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه «نعم أيها المؤمنون أنتم أحقُ أن تشتاقوا إليه، إن من عرف سيرة هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - العطرة، وخصائصَهُ الكريمة، وشمائلَهُ الفاضلة، ومكانتَهُ العلية، ومنزلتَه الرفيعَة؛ لابد أن يشتاق إليه، وأن يشتاق إلى أحاديثه - صلى الله عليه وسلم -، ولكن عندما شُغِل الناس عن هذه السيرة العطرة والشمائل الكريمة، وانشغلوا بأمورٍ برزت في أوساطهم صورٌ من الجفاء في حق هذا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وما كان ينبغي لمؤمن أن يكون على شيء من الجفاء تجاه سيد ولدِ آدم وخيرِ عبادِ الله -صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

صور الجفاء

ثم عدد الشيخ أنواعا من الجفاء في حق النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -التي ظهرت وبرزت في بعض الناس تحذيراً منها وتذكيراً بمقام نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم - وبما يجب علينا أمة الإسلام تجاهه -صلوات الله وسلامه عليه:

ضعفُ محبتِه - صلى الله عليه وسلم

     ثم بين الشيخ أن أول أنواع الجفاء ضعفُ محبتِه - صلى الله عليه وسلم - في القلوب، وتقديمُ محبةِ دنيا زائفة وأهواءٍ زائلة وملذاتٍ فانية على محبتِه - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ»، وجاء في صحيح البخاري: «حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ». ولمعرفة هذا الضعف يمتحن المرء نفسه في ضوء قول الله -تبارك وتعالى-: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (آل عمران: 31).

الإعراضُ عن سنته - صلى الله عليه وسلم

     وعن الصورة الثانية من صور الجفاء قال: الإعراضُ عن سنته الغراء ومحجَتِه البيضاء وهديه القويم - صلى الله عليه وسلم -، والانصرافُ عن ذلك بالانشغال بآراءٍ وأهواءٍ ونحوِ ذلك من أمورٍ صرفت الناس عن سنة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - وهديه القويم.

عدم تعظيم أحاديثه - صلى الله عليه وسلم

     وأضاف، ومن ذلكم عدم تعظيم أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتلقى أحاديثُه - صلى الله عليه وسلم -المنِيفَة وكلماتُه الشريفَة في بعض المجالس فلا يكون لها هيبة، ولا يُرفع لها رأس، ولا تُعرَف لها مكانة، بل إنها تمر كأحاديث غيره - صلى الله عليه وسلم -، بل ويُعترض عليها بـ «لِم ولكن وكيف؟»ونحو ذلِكم من الاعتراضات، فأين التعظيم لهذا الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -؟! وأين المعرفة بقدره - صلى الله عليه وسلم -؟! إذا كان حديثه - صلى الله عليه وسلم -يكون شأنه عند الناس كأحاديث غيره -صلوات الله وسلامه عليه-، وقد قال الله -تعالى-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم: 3-4).

الانصراف عن قراءةِ سيرتِه المباركة

     كما بين الشيخ أن الانصراف عن قراءةِ سيرتِه المباركة وأخبارِه الشريفةِ المجيدة - صلى الله عليه وسلم -فإن سيرته - أيها المؤمنون – من صور الجفاء؛ حيث سيرته - صلى الله عليه وسلم -هي أزكى سيرةٍ على الإطلاق لأفضلِ وأكملِ العبادِ سريرة؛ إنها سيرةُ سيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم -، فترى في الناس من هو معرِض عن هذه السيرةِ المجيدةِ العطرةِ، منشغلٌ بقراءة سيَرِ تافهين لا قيمةَ لهم ولا وزنَ في عزِ الأمةِ ورقيها، بل وفي قراءةِ سير أقوام لا خلاق لهم عند الله -تبارك وتعالى-، فتمضي أوقات وتُزهق ساعات في قراءة سيَرٍ لا قيمة لها مع غفلةٍ تامة وإعراضٍ عن سيرةِ سيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم -، ولاشك أن هذا من الجفاءِ في حقه وعدمِ المعرفة بقدره ومكانته -صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

الإقبال على البدعِ

     كما بين الشيخ أن من مظاهر الجفاء الشنيعةِ الإقبال على البدعِ المحدثات، والأهواءِ المخترعات، وتعظيمُها والذبُّ عنها والاستدلالُ لها، في مقابلِ إعراضٍ عما جاء عن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وقد صح الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم -أنه قال: «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»، وقال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»، وكان إذا خطب الناس يوم الجمعة يقول - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَإِنَّ أَفْضَلَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».

عدم العناية بالصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم

     ومن صور الجفاءِ في حق النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: عدم العناية بالصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم -ولاسيما عند ذكره - صلى الله عليه وسلم -، وقد صح الحديث عنه في مسند الإمام أحمد وغيره أنه - صلى الله عليه وسلم  -قال: «الْبَخِيل مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وكفى في هذا الباب قولِ ربِنا -جلَ شأنُه-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب: 56) - .

انتِقاصُ مقام أصحابه الكرام

     كذلك عدَّ الشيخ البدر أن انتِقاص مقام أصحابه الكرام، وتابعيهم بإحسان، وأئمة الحق والهدى من حمَلَةِ السنة وأنصار دين الله -تبارك وتعالى- من صور الجفاء في حق نبينا الكريم -صلوات الله وسلامه عليه-؛ فإن الانتقاص لأقدار هؤلاء من الجفاء في حق النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم .

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك