رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إعداد: قسم التحرير 28 يناير، 2021 0 تعليق

الشيخ البدر: للإيمان الصّحيح والعقيدة السّليمة أثر عظيم في التغلب على الفتن

في خطبة مميزة له، بين الشيخ عبدالرزاق عبد المحسن البدر أن الأمور المدلهمة، والأحداث المتتالية على الناس، تكشف معادنهم، وتميِّز أحوالهم، وتبين أقسام الناس في طاعتهم لربهم -عز وجل-، وإن الناس عند نزول الفتن ينقسمون إلى أقسام: فمنهم {مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (الحج:١١)، ومنهم من يعبد الله على علم وبصيرة وإيمان راسخ وعقيدة سليمة؛ فإن أصابته مصيبة صبر فكان خيرا له، ثم جاهد نفسه بالإتيان بالوسائل الصحيحة والسبل الشرعية للتخلص منها والوقاية من شرها، وإن أصابته نعمة شكر فكان خيراً له، ثم استعملها في طاعة الله وما يقرب إلى الله، وهنيئاً لمن كانت حاله كذلك.

الإيمان الصّحيح

     ثم بين الشيخ البدر أن للإيمان الصّحيح والعقيدة السّليمة أثراً عظيماً ودوراً بارزاً في التغلب على الأحداث والمصائب والمحن والفتن التي تحل بالناس وتنزل بهم؛ ذلك أن صاحب الإيمان والعقيدة السليمة يتعلم من دينه أموراً مهمة، وقواعد عظيمة، تعينه -بإذن الله جلّ وعلا- على الثبات في الملمات، والوقوف وقوفاً صحيحا، ينطلق من عقيدة صحيحة، وإيمان بالله -عز وجل-، ولعلّي أشير إلى بعض هذه الأمور تذكيرا بها، وتنويها ليكون المؤمن على بصيرة فيما ينبغي أن يكون عليه عند حصول المحن والفتن:

الأمر الأول: الله خالق الكون وموجده

     المؤمن يعلم أن خالق هذا الكون وموجده هو الله -جلّ وعلا-، فهو -جلّ وعلا- المتصرف في خلقه كيف يشاء، يحكم فيهم بما يريد، لا معقِّب لحكمه ولا راد لقضائه، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (المائدة:١٢٠).

الأمر الثاني: الله تكفّل بنصرة المؤمنين

     المؤمن يعلم بأن الله تكفّل بنصرة المؤمنين، وحفظ هذا الدين وإعزاز أهله، وإعلاء كلمته -جلّ وعلا-؛ فهو القائل -عز وجل-: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (الروم:٤٧)، وقال -جلّ وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد:٧)، ولكن لابد من نصرٍ لدين الله، ولابد من انتصار على النفس والشهوات، وانتصار على الدّنيا وفتنها ومغرياتها.

الأمر الثالث:

 الله يملي للظالم ولا يهمله

الله -جلّ وعلا- وعد بخذلان الكافرين وقطْع دابرهم وقصْم ظهورهم، وجعْلهم عبرة للمعتبرين، فهو -جلّ وعلا- يملي للظالم ولا يهمله، وإذا أخذه أخذه بغتة {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (هود:١٠٢).

الأمر الرابع:

لن تموت نفسٌ حتى تستوفي أجلَها

     المؤمن يعلم علماً يقينيا لا شك فيه أن نفسا لن تموت حتى تستوفي أجلَها وتستتم رزقها {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} (الأعراف:٣٤)، فالآجال محدودة والأوقات مقدرة معدودة، ولن يتقدم أحد على منيّته ولن يتأخر، ولهذا إذا علم المؤمن بذلك فإنه دائماً وأبداً يستعد للموت، ويستعد للقاء الله -تبارك وتعالى-، ولا يفتتن بالدنيا، بل يعلم أنه عنها زائل، ومنها مرتحل، وأنه ملاقٍ ربه -جلّ وعلا- طال البقاء أو قصُر.

الأمر الخامس:

المؤمن لا تؤثر فيه الأراجيف

     المؤمن لحسن ثقته بالله وتمام اعتماده على الله فإنه لا تؤثر فيه الأراجيف، ولا تخوفه الدِّعايات؛ بل إنه إذا خُوِّف بالذين من دون الله زاد إيماناً بالله وثقةً به -جلّ وعلا- واعتماداً عليه، مثل الصحابة الذين نزل فيهم قول ربنا -عز وجل-:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (آل عمران:١٧٣-١٧٤). روى الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنها- قال: «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ؛ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ قَالُوا {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}».

الأمر السادس: المؤمن دائما

ً يعتمد على الله -جلّ وعلا

     المؤمن دائماً وأبدا يعتمد على الله -جلّ وعلا-، ويتوكّل عليه، ويفوض أموره كلَّها إليه، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق:٣)، {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (المائدة:٢٣)، ومن يتوكل على الله ويعتمد على الله، فإن الله -عز وجل- يحفظه ويقيه من الشرور كلها، والفتن جميعِها مهما عظمت واشتدت؛ فمن يتوكل على الله -جلّ وعلا- يحفظه الله ويقيه من كل شر وآفة، ولكن لا بد مع التوكل من فعل الأسباب الصحيحة والوسائل الشرعية التي دلت عليها شريعة الله؛ للوقاية من الفتن والسلامة من الشرور، وأهم ذلك حفظ الله -عز وجل- بالالتزام بطاعته والبعد عن نواهيه، وامتثال أوامره -جلّ وعلا.

الأمر السابع: المسلم حريص

 على اجتماع كلمة المسلمين

     المسلم بعيد عن أسباب الفتنة وموجبات الفرقة، حريصٌ -كل الحرص- على اجتماع كلمة المسلمين، وائتلاف قلوبهم، واتحاد صفهم على طاعة الله وامتثال أوامره -جلّ وعلا-، ومن الدعوات المأثورة العظيمة: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلامِ»، فالمؤمن صحيح الإيمان حريص على اجتماع كلمة إخوانه المؤمنين، بعيدٌ كل البعد عن الأمور التي توقع في الفرقة، وتسبِّب الشقاق والاختلاف وتَفرُّق الكلمة.

الأمر الثامن: التثبت في نقل الأخبار

     عدم الحرص على نقل كل خبر ولاسيما الأخبار التي تتعلق بأمن الناس وخوفهم؛ فبعض الناس -هداهم الله- عندما تقع الفتن يحرصون -تمام الحرص- على نقل الأخبار كيف كانت، وإلقائها على عواهنها كما سمعها، دون أن يستبين من صحيحها وسقيمها، ودون أن ينظر في غاياتها وعواقبها. ولهذا يقول الله -جلّ وعلا- في شأن هذه الأخبار: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء:٨٣)، فإذا جاء أمرٌ من الأمن أو الخوف الواجب ألا نتسارع في نشره وإشهاره وإذاعته بين الناس، وإنما الواجب رده إلى الرسول أي إلى سنته -عليه الصلاة والسلام-، وإلى أولي الأمر أي العلماء الراسخين (أهل العلم والبصيرة والرزانة والدراية)، فإذا كان في إشاعته ونقله مصلحة دلُّونا على ذلك، وإلا كففنا عن نشره لئلا نتحمَّل تبِعَته وإيذاء الناس بإذاعته ونشره بينهم.

الأمر التاسع: الرجوع

 إلى العلماء الراسخين

     يجب الرجوع إلى العلماء الراسخين بسؤالهم والصدور عن كلمتهم، والالتفاف حولهم وعدم الافتيات عليهم، فليس لكلِّ أحدٍ أن يتكلَّم في دين الله، وإنما الأمر في ذلك لأهل العلم الرّاسخين (أهل الدراية بدين الله، أهل المعرفة بالحلال والحرام والدراية بالأحكام)، الذين يبنون أحكامهم على قال الله -تعالى- وقال رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأجرأ الناس على الفتيا أجرأهم على النار؛ ولهذا - عباد الله - لا بد في الفتن من الرجوع إلى العلماء، والإفادة من علومهم والصدور عن كلمتهم وعدم خوض الإنسان فيما لا يحسِن، ومِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ وعدم خوضه فيما لا يحسن لئلا يضر نفسه ويضر غيره، وقد جاء في الحديث: «مَنْ أُفْتِيَ بِفُتْيَا غَيْرَ ثَبَتٍ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ» رواه ابن ماجه.

الأمر العاشر: الله -جلّ وعلا-

 قريب من عباده

     المؤمن يعلم أن ربه -جلّ وعلا- قريب من عباده، يسمع نداءهم، ويجيب دعاءهم، ويغيث ملهوفهم، ويكشف ضرهم {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} (النمل:٦٢)؛ ولهذا فالمسلم كثير الإقبال على الله، يدعوه بصدق وإلحاح بأن يجنّب المسلمين الفتن، وأن يصرف عنهم الفتن، وأن يرزقهم في بلادهم وأوطانهم الأمن والإيمان والسلامة والإسلام، والوقاية من الشرور كلها والآفات جميعها، والدعاء مفتاح كل خير في الدنيا والآخرة.

الفتنة في زمن التابعين

     لما وقعت الفتنة في زمن التابعين، جاء بعض الناس إلى طلق بن حبيب -رحمه الله- وسألوه: كيف نتقي هذه الفتنة ونتخلص من شرِّها ؟ قال: «اتقوا هذه الفتنة بتقوى الله -جلّ وعلا»، قالوا: أجمِل لنا التقوى، قال -رحمه الله-: «تقوى الله أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عذاب الله»، فما أعظم هذا المنهج! وما أعظم أثره وما أكثر عوائده الحميدة على أهله في الدنيا والآخرة! أن نلاقي الفتن بتقوى الله -جلّ وعلا-؛ بأن نلزم طاعته، ونحافظ على عبادته، وأن نجتنب معاصيه؛ لننال حفظه وعونه ونصره.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك