رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 21 ديسمبر، 2020 0 تعليق

الشيخ البدر: عقيدة أهل السنة والجماعة وسط بين الغلو والجفاء والإفراط والتفريط

 

في محاضرة للشيخ عبد الرزاق عبد المحسن البدر حول خصائص عقيدة أهل السنة والجماعة، وصفات أهل السنة والجماعة، بين الشيخ أن هذه العقيدة تختص بأمورٍ كثيرة، وبمزايا عظيمة تدل على جمالها وبهائها وصفائها وكمالها، وحُسن أثرها، وكثرة عوائدها وخيراتها على أهلها في الدنيا والآخرة، ونظرًا لأهمية الموضوع ولا سيما في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها الأمة، وما تشهده من ظهور كثير من الفرق التي جاهرت بتكفير عموم المسلمين، واستحلال دمائهم وأعراضهم، والخروج على حكامهم، تنشر الفرقان هذه المحاضرة.

أولاً: عقيدة مستقاةٌ من القرآن والسنة

     أول صفة ذكرها الشيخ من صفات عقيدة أهل السنة، أنها عقيدة مستقاةٌ من كتاب الله -عز وجل- وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، مصدرها ومنبعها الكتاب والسنة، ولا يدرك قيمة هذه الخصِّيصة لعقيدة أهل السنة والجماعة إلا من رأى ما في العقائد الأخرى من فسادٍ وانحلالٍ واضطرابٍ وتناقض؛ ولهذا قيل من ورد المورد الأول ونهل منه وجد بقية الموارد كدرة، وهذه الكدورة التي في موارد أهل الباطل وعقائد أهل الضلال لا يعرفها إلا من عرف صفاء العقيدة ونقاء الإيمان المستمد من كلام الله -سبحانه وتعالى- وكلام رسوله -صلوات الله وسلامه وبركاته عليه-، وهذا الصفاء والنقاء لهذه العقيدة من نقاء مصدرها وصفاء موردها.

ثانيًا: عقيدة توافق الفطَر السليمة

     ثم بين الشيخ أن من خصائص هذه العقيدة المباركة أنها توافق الفطَر السليمة والعقول المستقيمة؛ فلم تأتِ العقيدة الإسلامية بما يصادم الفطر ولا أيضاً بما تردُّه العقول -أعني العقول السليمة- أما من فسدت فطرته وفسد أيضاً عقله فإنه سيجد في العقيدة الإسلامية ما يناقض ما عنده.

     وأضاف، أن الدعوة إلى هذه العقيدة وتربية النشء عليها إنما هو تربية على شيءٍ يوافق ما فُطِروا عليه وجُبِلوا عليه، بخلاف من يربي أبناءه -والعياذ بالله- على عقائد باطلة، ولهذا يحتاج أولئك الذين يربون أبناءهم على عقائد باطلة يحتاجون إلى الكذب وتلفيق القصص والحكايات، وترويج المنامات المختلقات، ونحو ذلك حتى يقبل هذا الابن أو هذا الناشئ تلك العقيدة التي دُعي إليها وهي تصادم فطرته، أما الأب الذي يربي ابنه على الإخلاص وعلى التعظيم وعلى التنزيه، وعلى تحقيق العبودية لله، والمتابعة للرسول -عليه الصلاة والسلام- والصدق والوفاء إلى غير ذلك، هذه كلها تربية على معانٍ متوائمة مع فطرة الإنسان.

ثالثًا: سلامتها من التناقض والاضطراب

     ثم ذكر الشيخ الأمر الثالث من خصائص عقيدة أهل السنة فقال: من خصائص هذه العقيدة سلامتها من التناقض والاضطراب، فهي عقيدة متكاملة يشد بعضها بعضا، ويكمِّل بعضها بعضًا، وليس فيها شيء يعارض شيئا آخر أو يناقضه، وما ذاك إلا لكونها من عند رب العالمين، وما كان من عنده -سبحانه وتعالى- فلا تناقض فيه ولا اضطراب، وما كان من عند غيره -سبحانه وتعالى- فهو عرضة لكل تناقض واضطراب، قال الله -سبحانه وتعالى-: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (النساء:82)، وقال -سبحانه وتعالى-: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصلت:42)، ولهذا كانت العقيدة الإسلامية كلها متوائمة ومتلائمة ومتجانسة ومتشابهة {كِتَابًا مُتَشَابِهًا} (الزمر:23) أي متجانساً، ليس فيه أي تعارض، بخلاف تلك العقائد التي منشؤها العقول أو الآراء أو الأذواق ونحو ذلك، فهذه عرضة للتناقض والاضطراب، وقد شهد بتناقض تلك العقائد أساطين أهلها وكبراء معتنقيها، حتى إن بعضهم من كثرة تناقضها كثر شكُّه واضطرابه.

رابعًا: الوضوح وعدم الغموض

     ثم بين الشيخ أن الوضوح وعدم الغموض هو الأمر الرابع من خصائص هذه العقيدة، فهي عقيدة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، ليس فيها غموض ولا يكتنفها أي اشتباه والتباس، بل معالمها بيِّنة، وشواهدها واضحة، وقواعدها متينة، وركائزها ثابتة، وهي في غاية الوضوح، وضوحٌ في المسائل، ووضوح في الدلائل، أما مسائل الاعتقاد فهي أوضح المسائل وأبينها، فلا ترى في مسائل العقيدة وتفاصيلها شيء يكتنفه غموض أو يداخله عدم وضوح.

خامسًا: تؤلف بين القلوب المتنافرة

     الأمر الخامس الذي ذكره الشيخ من خصائص هذه العقيدة، أنها تؤلف بين القلوب المتنافرة، وتجمع بين القلوب المتعادية، فليس هناك ما يؤلف بين القلوب، ويجمع بين النفوس، ويحقق الرابطة الوثيقة غير العقيدة الصحيحة، فالعقيدة الصحيحة تجمع بين المفترق، وتؤلف بين المختلف، وتجمع بين النفوس المتعادية، والله يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران:103)، ويقول {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} (الأنفال:63)، فالتأليف بين القلوب لا يكون إلا بالاعتقاد الصحيح المستمد من وحي الله -جل وعلا- وتنزيله، ولهذا ليس هناك رابطة وثيقة غير منفصمة إلا رابطة لا إله إلا الله، فهي الرابطة الإسلامية التي لا انفصام لها {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} (البقرة:256)، وهذه الرابطة الوثيقة رابطة التوحيد هي الرابطة التي لا تنفصم، وهي باقية مع أهلها في دنياهم وأخراهم، {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (الزخرف:67)، قال الله -عز وجل-: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} (البقرة:166) أي أسباب المودة، فلا تبقى أسباب المودة إلا مع أهل الاعتقاد الصحيح.

سادسًا: تُكسب القلوب الطمأنينة والراحة

     ثم بين الشيخ أن من خصائص هذه العقيدة، أنها تُكسب القلوب الطمأنينة والراحة والأنس والسعادة بما لا يمكن أن يتحقق للإنسان بغير المعتقد الصحيح، واقرأ هذا المعنى في مثل قوله -تعالى-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل:97) وفي مثل قوله -تبارك وتعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} (الرعد:28-29) فالطمأنينة وانشراح الصدر وراحة القلب، وقرة العين وأنس النفس، إنما يكون بهذا الإيمان وهذا الاعتقاد، فمن كان من أهله سعد، ومن لم يكن من أهل شقي، قال الله -سبحانه وتعالى-: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (طه:123)، وضد الضلال الهداية، وضد الشقاء السعادة، وقال -جل شأنه-: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} (طه:1-2) أي إنما أنزلناه إليك أو عليك لتسعد، وقد ذُكر في بعض كتب التفاسير أن المشركين قالوا: إن هذا القرآن أنزل على محمد ليشقى به هو وأصحابه؛ فقال الله -تعالى-: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}، ولهذا فالقرآن هو كتاب السعادة، وأعظم ما في القرآن التوحيد والإخلاص لله -سبحانه وتعالى.

سابعًا: عقيدة وسط بين الإفراط والتفريط

     ثم ختم الشيخ خصائص عقيدة أهل السنة بأنها عقيدة وسط بين الغلو والجفاء والإفراط والتفريط، وقد قال الله -سبحانه وتعالى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة:143)، وقد قيل: خير الأمور أوساطها لا تفريطها ولا إفراطها، فالعقيدة الإسلامية عقيدة وسط، فهي حسنة بين سيئتين، وهدى بين ضلالتين، باطل الغلو وباطل الجفاء، فهي عقيدة لا غلو فيها ولا جفاء، لا إفراط فيها ولا تفريط بل هي وسطٌ وقوام بين ذلك، فهذا معْلَم من معالمها، وخصِّيصة من خصائصها، وما سواها من العقائد إما جانح إلى جانب الغلو، أو جانح إلى جانب الجفاء، ولهذا ما من مسألةٍ من مسائل الاعتقاد إلا وترى فيها هذا الأمر، ترى أناسا أهل غلو، وأناسا أهل جفاء، وأناسا قواما بين ذلك، وهم أهل الوسط أهل الاعتقاد الحق الذي لا إفراط فيه ولا تفريط ولا غلو فيه ولا جفاء.

  

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك