الشيخ البدر: الإيمان بالله -تعالى من أجلِّ المطالب وأعظمها
في خطبة مميزة له بين الشيخ عبد الرزاق عبد المحسن البدر حقيقة الإيمان؛ حيث أكد أنَّ أجلَّ المطالب وأعظمها وأرفع المقاصد وأنبلها، الإيمان بالله وبكل ما أمر عباده -تبارك وتعالى- به، وأشار إلى أن الله -عز وجل- ضرب في القرآن للإيمان مثلًا عظيما يجلِّي حقيقته ويبين معناه، قال الله -تعالى-: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَـيِّـبَـةً كَشَجَرةٍ طَـيِّـبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّـهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (إبراهيم:24-25).
أصلٌ ثابت
ثم بين الشيخ البدر أن الإيمان له أصلٌ ثابت وفرعٌ قائم وثمارٌ متنوعات، أما أصل الإيمان الذي عليه قيامه ولا قيام للإيمان إلا به، فهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره، قال الله -تعالى-: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللهِ وَالْـيَـوْمِ الآخِـرِ وَالْمَـلَآئِـكَـةِ وَالْـكِـتَـابِ وَالـنَّبِـيِّـينَ} (البقرة:177)، وقال الله -تعالى-: {يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} (النساء:136)، وقال -جل وعلا-: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِاللهِ وَمَلَآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة:285).
الأعمال الصالحة
وأضاف الشيخ البدر أنَّ الأعمال الصالحات والطاعات الزاكيات وأنواع القربات التي يُتقرب بها إلى الله كلها من الإيمان وداخلةٌ في مسمَّاه، قال الله -جلَّ وعلا- عن الصلاة: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (البقرة:143) أي: صلاتكم، فسمى -جل وعلا- الصلاة إيمانا، وفي الحديث -حديث وفد عبد القيس وهو مخرج في الصحيحين- قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «آمُرُكُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ، أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللهِ؟» قَالُوا: «اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ»، قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْمَغْنَمِ»؛ فعدَّ - صلى الله عليه وسلم - هذه الأعمال الصالحات من الإيمان.
البُعد عن الحرام
وعن الأعمال التي تدخل في الإيمان قال: من الأعمال التي تدخل في الإيمان البُعد عن الحرام وترك الآثام طاعةً للرب العظيم -سبحانه وتعالى-، ولهذا جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ أَبْصَارَهُمْ فِيهَا حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ»، وقد أفاد هذا الحديث العظيم أن البُعد عن الحرام وترك الآثام كل ذلك داخلٌ في مسمى الإيمان، والأخلاق الفاضلة والآداب الكاملة والمعاملات الرفيعة كلها داخلةٌ في مسمى الإيمان، قال - صلى الله عليه وسلم -: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا».
الإيمان شعب كثيرة
كما بين الشيخ البدر أن الإيمان شعبٌ كثيرة وخصالٌ عديدة، قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلاهَا شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ»، فالإيمان عقيدةٌ وشريعة، علمٌ وعمل، طاعةٌ وثبات، وفي حديث سفيان بن عبد الله الثقفي لما قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: «أخبرني في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك» قال: «قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثم اسْتَقِمْ».
الإيمان يزيد وينقص
إنَّ الإيمان قد تعتريه في هذه الحياة أمورٌ تُضعِفه وتُذهِب جِدَّته وتوقِعه في نقصٍ وربما خلل، ولهذا فإن العبد المؤمن الناصح لنفسه ينبغي عليه أن يكون في مجاهدةٍ تامة لتقوية إيمانه، وتمتين دينه، وتقوية صلته بربه -تبارك وتعالى-، ثبت في الحديث الصحيح أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ الإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الْخَلِقُ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ»، جدَّد الله الإيمان في قلوبنا أجمعين، وأصلح لنا شأننا كله إنه سميعٌ مجيب.
لاتوجد تعليقات