
الشمري: اللجنة نفذت 350 دورة علمية منذ تأسيسها – لجنة مسلمي آسيا الوسطى أكثر من ربع قرن في خدمة العمل الخيري والدعوي
بعد أن تحررت الجمهوريات الإسلامية من قيود الشيوعية عام 1990م، عادت شعائر الإسلام لتظهر من جديد في تلك الجمهوريات، ولكن هذا التحرر كشف الواقع الأليم الذي تحولت إليه؛ حيث الفقر الشديد المستولي على غالبية المسلمين، الجهل وفساد العقائد وغلبة الخرافات، وانتشار الفرق المنحرفة كالصوفية، وغيرهم، مع وجود آلاف المساجد المهدمة، وآلاف حولت إلى أغراض أخرى: (مراقص، وحانات، ومخازن)، ولا حول ولا قوة إلا بالله! انتشار إذاعات وجماعات تنصيرية موجهة إلى مناطق المسلمين لتحويلهم عن دينهم، بناء على هذا الوضع المعقد والمأساوي، تلمست لجنة آسيا الوسطى طريقها، وتركزت جهودها في هذه البقعة من أرض الله في جانبي الدعوة والتعليم، تراعي الحكمة في خطواتها، والرفق في تعاملاتها.غايتها رضا الرب -تعالى- سلاحها الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، لا تستغني عن توجيهات علماء الأمة المعاصرين الربانيين وإرشاداتهم وفتاويهم، بهذه الكلمات بدأ رئيس اللجنة -الشيخ محمد الشمري- حواره مع (الفرقان) عن جهود اللجنة وإنجازاتها، وأهم التحديات التي تواجه عملها.
- ما أهم الأهداف الرئيسة التي تسعى اللجنة لتحقيقها؟
- تسعى اللجنة -فضلا عن نشر العلم النافع، وإعداد الدعاة والعلماء- إلى بناء المدارس والمعاهد والجامعات، وكفالة طلبة العلم والمحفظين، ورعاية حلقات تحفيظ القرآن، وإيجاد جيل جديد من أبناء المسلمين، يحمل علمًا صحيحًا ينهض بأمته، ويصلح الدنيا والدين.
- ما مناطق عمل اللجنة؟
- تمتد مناطق عمل اللجنة في آسيا الوسطى ما بين أوكرانيا والقرم وتركيا غربًا، وجمهوريات روسيا الاتحادية شمالاً، إلى قرقيزستان، وطاجيكستان جنوبًا وشرقًا، ويبلغ عدد مسلمي آسيا الوسطى ما يزيد عن 170 مليون نسمة، من عرقيات مختلفة كالروس والتتر والترك والمغول.
- ما أهم المشاريع التي تقوم اللجنة بتنفيذها؟
- تقوم اللجنة بالعديد من المشاريع الدعوية والعلمية، ومنها على سبيل المثال: ترجمة كتب العقيدة الصحيحة وطباعتها ونشرها، بناء المدارس والمعاهد والكليات وكفالتها، استقطاب الدعاة المتميزين والشيوخ المعتبرين للدعوة وكفالتهم، وبناء المساجد والمراكز الإسلامية.
- ما الفلسفة التي يقوم عليها عمل اللجنة في مجال الدعوة في آسيا الوسطى؟
- تركزت فلسفة اللجنة في عملها الدعوي في بناء كوادر دعوية وتعليمية، تحمل على عاتقها النهوض بالعمل الدعوي والتعليمي هناك؛ لتحصين النشء والشباب بالعلم النافع والفكر الوسطي، ولاسيما في ظل وجود طوفان من الملل والنحل المنحرفة في هذه البلاد، وتركزت تلك الجهود في ثلاثة محاور أساسية وهي: الإنسان، والمكان، والوسائل.
- ماذا عن المحور الأول؟
- المحور الأول هو الإنسان، وهو الشخص المستهدف ببرامج اللجنة إصلاحًا وتقويمًا وإعدادًا وتدريبًا، واللجنة تقسم المستهدفين من دعوتها إلى فئات مختلفة وقق الآتي:
الدعاة
الداعية هو الإنسان القائم بإيصال دين الإسلام إلى الناس كافة، وفق الأسس والمنهج الصحيح؛ لذلك اهتمت اللجنة بالدعاة اهتماما كبيرا؛ لأنهم الذين يدعون الناس إلى الخير، يأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، ويدعونهم إلى الإيمان بالله، وبما جاءت به رسله.
محفظ القرآن
حرصت اللجنة على أن يكون المحفظ قد أتم حفظ القرآن كاملاً، أو ممن حصّلوا الجزء الأكبر من القرآن الكريم حفظًا وتجويدًا، مع خبرة في تدريس القرآن الكريم لغيره، ويكون ملتزماً بالأخلاق والفضائل الإسلامية، معروفًا بذلك لدى المشايخ والدعاة وطلبة العلم، ولديه حصيلة من العلم الشرعي تؤهله لتعليم الطلاب وإفادتهم.
الإمام والخطيب
اهتمت اللجنة بإمام المسجد، وحرصت على أن يكون قادرا على توجيه عامة الناس، وتعليمهم أمور دينهم ولاسيما في التوحيد، والعقيدة، وفقه العبادات والمعاملات، مع الإلمام بشيء من علوم اللغة، والتفسير، والحديث التي تمكنه من فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وحرصنا أن يلتزم الإمام بمحاسن الأقوال والأفعال، كي يكون قدوة يحسن به التأسي والاقتداء.
المدرس
تحرص اللجنة على أن يكون هذا الشخص مؤهلا علميًا في مادة من المواد الدراسية، يقوم بتعليمها للطلاب، ويتوجب على مدرسي المواد الشرعية أن يجعلوا من تدريسهم منطلقًا للدعوة إلى الكتاب والسنة، وتصحيح العقائد، وبيان المفاهيم الخطأ عن دين الإسلام.
طالب العلم
وهذه الفئة من أهم الفئات التي تحرص عليها اللجنة، وهم الدارسون للعلوم الشرعية وغيرها، وهم المنقطعون لهذا السبيل المتفرغون، لتحصيل العلم النافع في الفصول، والحلقات، والدروس، والدورات الشرعية، والمدارس والجامعات.
الأيتام
اهتمت اللجنة بهذه الشريحة بالرغم من الصعوبات التي اكتنفت عملها، والمعوقات التي واجهتها في القيام بهذا العمل الجليل من كفالة أيتام المسلمين؛ حيث يوجد تحت كفالة اللجنة في عام (2018م) ما يزيد عن (2305) أيتام في الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى، والعدد في ازدياد ونمو بعون الله -تعالى.
عامة الناس
وهم المستهدف الأصلي من جهود اللجنة، وفيهم الكبير والصغير والمتعلم والجاهل، قطاعات عدة، ودرجات متفاوتة في الثقافة والاستيعاب، يكتفون في معرفة دينهم بسؤال أهل العلم، واستفتاء العلماء، والاستماع للخطب والدروس بالمساجد والمناسبات العامة.
- وماذا عن المحور الثاني؟
- اهتمت اللجنة بإيجاد البيئة والمحاضن التي يتم من خلالها التواصل بين اللجنة والمستهدفين ببرامجها إصلاحًا وتقويمًا وإعدادًا وتدريبًا، وقد اهتمت اللجنة بإيجاد العديد من البيئات الإيمانية والتربوية ومنها ما يلي:
الحلقات
يزيد عدد الحلقات التي أنشأتها اللجنة عن (100) حلقة، وأغلب الحلقات بمناطق عمل اللجنة، يكون مقرها في المساجد العامرة، وقليل من الحلقات تكون مفصولة عن المساجد في مقر خاص بها، كما تقوم اللجنة بتثبيت محفظ متقن براتب شهري، يجمع بين الحفظ وحسن السمت، ليكون محفظًا وقدوة في آنٍ واحد.
المدرسة
اهتمام اللجنة بالمدارس انطلق من كونها بيئة تربوية تؤهل الدارسين في هذه المدارس للالتحاق بالمستوى التعليمي الأعلى، كالمعاهد والجامعات، ويزيد عدد المدارس التي أنشأتها اللجنة منذ بدء عملها إلى الآن عن (37) مدرسة، موزعة على مناطق عملها في جمهوريات آسيا الوسطى.
المسجد
لم يكن غريبًا أن توجه اللجنة عنايتها لبناء المساجد، والاعتناء بها، ومتابعتها لتبقى منارة للعلم والتعليم والدعوة إلى الله، وقد بلغ عدد مشاريع المساجد والمدارس(334) مشروعاً.
الجامعة
تستهدف اللجنة من هذا المستوى في التعليم إلى تأهيل الخريجين منها، لتبوء المكانة المتميزة في الدعوة إلى الله، أو التدريس، أو الترجمة؛ ولذلك تبذل اللجنة الجهود الكبيرة للعمل على قبول الطلاب سنويا في إحدى الجامعات العريقة، كجامعة المدينة النبوية، وجامعة الإمام محمد بن سعود بالسعودية، وجامعة الأزهر في مصر، ويتبع ذلك مواصلة المتميزين من الطلاب دراساتهم العليا بعد الجامعة.
دور الأيتام
للجنة ترتيبات عديدة مع المؤسسات المحلية مثل مؤسستي إيثار والشباب الزاهر في جمهورية قرغيزستان لكفالة الأيتام الذين تشرف عليها اللجنة وترعاهم في النواحي المعيشية جميعها، من طعام، وشراب، وتعليم، وتأهيلهم تأهيلا كافيا يغنيهم عن سؤال الآخرين.
الشابكة
وانسجامًا مع تطورات العصر الذي نحيا معه، ومواكبة للتقدم الهائل في مجال الاتصالات؛ فقد اهتمت اللجنة بإيصال الدعوة إلى الكثيرين عبر الشابكة، من خلال المواقع المتميزة التي تقدم الفهم الصحيح، والعلم النافع، وترد على شبهات المنحرفين، وتجيب عن أسئلة الحائرين والمسترشدين، بواسطة نخبة من أفاضل العلماء والمشايخ أصحاب العقائد السليمة، والفكر الراقي الموافق للكتاب والسنة بفهم سلف الأمة .
- ماذا عن الوسائل التي تسلكها اللجنة لتحقيق الأهداف السابقة؟
- تقوم اللجنة بكفالة الفئات التي ذكرناها سابقًا، حتى نضمن استمرارية العمل والعطاء، ونضمن تحقيق تلك الأهداف، ومن هؤلاء الدعاة؛ حيث تقوم اللجنة بكفالة الداعية، ويدخل فيها المدرس، والإمام، والخطيب، وطالب العلم؛ فيكفلون ويُفرغون بمخصصات مالية شهرية تسد حاجاتهم، وتعينهم على القيام بمهمتهم الجليلة في دعوة الناس وإرشادهم وتعليمهم.
ويبلغ عدد طلاب المدارس المكفولة 400 طالب تقريبًا، وطلبة الدراسات العليا (ماجستير ودكتوراه) 7 طلاب، وأكثر من 136 طالبًا يدرسون في المملكة العربية السعودية، و20 طالبًا يدرسون في جمهورية مصر العربية بالأزهر، و20 طالبًا يدرسون بالجمهورية التركية، و5 طلاب بالكويت، وطلاب آخرون متفرقون في أماكن شتى.
- ما المعايير التي يُبنى عليها تقييم الدعاة العاملين باللجنة؟
- من أهم المعايير المتابعة الدورية لعطاء الدعاة والأئمة والخطباء والمدرسين؛ حيث تطّلع اللجنة على مدى التقدم في مستويات الدعاة والمدرسين، ومعرفة قدرتهم على التواصل مع الطلاب والعامة، وتوصيل المعارف الصحيحة لهم، وهو المقصد الأسمى لخطة الدورات الشرعية في سِنِيِّها المتعددة، ومن خلال هذه المتابعة الدورية للعمل الدعوي يتم استثمار جهود الدعاة على النحو الأكمل، ونتمكن من الوقوف الحقيقي على البيئة الدعوية، والتعرف على مكوناتها، وخصائصها المميزة؛ مما يحسن معه إعداد الدعاة وتدريبهم وتثقيفهم، والوصول في نهاية المطاف إلى تحقيق أهدافنا، وإيصال رسالتنا إلى الشرائح المستهدفة جميعها.
أعظم الوسائل
كما التقت الفرقان برئيس قسم الدعوة والتعليم باللجنة -د. عاطف رفاعي-، الذي أكد على أن من أعظم الوسائل لتحقيق الأهداف الدعوية والعلمية للَّجنة الدورات الشرعية؛ حيث تجني ساحة الدعوة من ورائها فوائد جمة وثمرات يانعة منها: الارتقاء بمستوى الأئمة والخطباء والدعاة والمدرسين علميًا، وتصحيح المفاهيم والتعريف بحقائق دعوة الإسلام، ونبي الإسلام -عليه الصلاة والسلام-، وتوفير البيئة المناسبة للتحصيل العلمي المكثف، وتأليف القلوب والتعارف بين الأئمة والخطباء والدعاة والمدرسين،و توحيد الجهود الدعوية والاستفادة من الخبرات المشتركة، وإعداد الدعاة ليكونوا عونًا وهداةً للمسلمين في بلدانهم، الاطلاع على المشكلات والمعوقات في طريق الدعوة عن قرب وتدارس الحلول لها.
- أين تقام هذه الدورات؟
- دوراتنا الشرعية تقام في مناطق عمل اللجنة مثل (قرغيزستان – جورجيا – تركيا )، وقد بلغ عدد الدورات التي أقامتها اللجنة منذ التأسيس عام 1992 (337 دورة شرعية تقريبًا)، وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ فقد شهدت اللجنة طفرة ملحوظة في تنظيم الدورات الشرعية خلال الأعوام الثمانية الأخيرة من 2011 إلى 2018؛ فنفذنا حوالي 246 دورة علمية.
- ما أهم المناهج والمحاور التي تقوم عليها هذه الدورات؟
- تتركز الدورات الشرعية حول ستة محاور: محور القرآن الكريم، ومحور العقيدة، ومحور الدعوة، ومحور التزكية والارتقاء الإيماني، محور الارتقاء الفكري والمنهجي، وأخيرًا محور الكتب المنهجية والأصولية، ولكل قسم من هذه المحاور تفصيلاتها التي قد لا يتسع المجال هنا لذكرها.
- ذكرتم أن للجنة جهودًا في مجال الترجمة والمطبوعات؛ فما هذه الجهود؟
- أفضل ما نواجه به الحملات المشبوهة على الإسلام والمسلمين، نشر العلم النافع والعقيدة الصافية بلا بدع ولا خرافات، ونستمد ذلك كله من كتاب الله والسنة النبوية الصحيحة، وشروح علماء الأمة الثقات لها، وقد اتجهت اللجنة بقوة ونشاط إلى مجال الترجمة لسد النقص في الكتب المؤلفة بألسنة المسلمين في جمهوريات آسيا الوسطى، ولاسيما باللغات الروسية، والأذرية، والتركية، والطاجيكية؛ فترجمت كتب العقيدة، والتوحيد، والتفسير، والفقه والحديث، وترجمت الرسائل اللطيفة في تزكية النفوس وفضائل الأعمال، حتى تكونت لدينا -بفضل الله- مكتبة عامرة، تحوي 309 كتاب من الموضوعات والعناوين المفيدة القيمة.
- ماذا عن الأنشطة الاجتماعية والترفيهية، هل لها نصيب في أنشتطكم؟
- لا تكاد تجد عنصرًا أعظم تأثيرًا في استنهاض الهمم وتقدم الأمم من عنصر التشجيع، ومن أبواب التشجيع التي لها كبير الأثر في النشء والطلاب إجراء المسابقات، وأجواء المنافسات، وقد دأبت اللجنة ومنذ إنشائها على رعاية المسابقات السنوية والفصلية في حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية، ورصد الجوائز المادية والعينية للفائزين؛ مما كان له كبير الأثر في انتشار حلقات التحفيظ في مناطق عملنا؛ فلا تكاد تجد مسجدًا من مساجدنا إلا وفيه حلقة أو حلقتان لحفظ كتاب الله العزيز.
ومن أبواب التشجيع التي لها كبير الأثر في النشء والطلاب أيضًا، إقامة المخيمات في الإجازات، ومن أمثلة المخيمات السنوية، مشروع المخيم الصيفي للأيتام فى جمهورية قيرقيزستان.
- ما أهم التحديات التي تواجهكم في عمل اللجنة وتحقيق رؤيتها في العمل الدعوي في آسيا الوسطى؟
- لا شك هناك تحديات كثيرة تواجه العمل الدعوي في آسيا الوسطى، أهمها انتشار الجهل والخرافات ببلاد المسلمين، الحاجة الماسة لجهود الدعاة والعلماء في تصحيح المفاهيم، توفير الحواضن المناسبة لتخريج الكوادر العلمية والدعوية، الحالة الاقتصادية، تأثر العمل بالتقلبات السياسية، حملات التشويه والتشكيك، عزوف الكثيرين عن الانخراط في العمل؛ مما يقلل الكفاءات والكوادر العاملة من المتميزين، بالقياس إلى اتساع سوق العمل الخيري.
لاتوجد تعليقات