رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 27 سبتمبر، 2016 0 تعليق

الشـيـخ الشريم: المسجد الحرام والآيــــاتُ البيِّنــات

المسجد الحرام فيه آياتٌ بيِّنات شاهدةٌ بفضلِه وقَداستِه وشُموخه لا يَمحُوها طولُ الزَّمن ولا تَقادُمُ العُهود

 آيات الصفا والمروة يستشعرَ الناسُ ما بذَلَته هذه الأسرة الصغيرة المُكوَّنةُ من أمٍ وطفلها في وادٍ غير ذي زرعٍ حيث جعلت شعارها السعيُ والبَذل والتوكُّل

 من أعظم الآيات نبيِّ الحكمةِ والصدقِ والأمانةِ - صلواتُ الله وسلامُه عليه - نبيٍّ يَجمعُ ولا يُفرِّق يرحَمُ ولا يقسُو يُصلِحُ ولا يُفسِد

 آية الحجر الأسود لا تعني أن له بركةٌ خاصَّة أو أنه يَضُرُّ أو ينفَع كما أنها لا تعنِي أن يقتَتِلَ الناسُ على تقبيله واستلامِه

ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله -  خطبة الجمعة بعنوان: (المسجد الحرام والآياتُ البيِّنات)، التي تحدَّث فيها عن بيت الله الحرام وما حبَاه الله من مكانةٍ ومنزلةٍ ليست لغيرِه من المساجِد، وقد عرَّج في خُطبتِه على نُبذةٍ يسيرةٍ من الآياتِ البيِّناتِ التي ذكرَها الله - جل وعلا - في سُورة آل عمران، وكان مما جاء في خطبته:

     مشهدٌ يتكرَّرُ كلَّ عامٍ بصورةٍ فريدةٍ، تتعاقَبُ عليه الأجيال قرونًا عَديدة، وأزمنةً تَليدة، تلبيةٌ وطواف، وسعيٌ ووقوف، ومَبيتٌ ورميٌ للجِمار، وعَرَصاتٌ قصَدَها أنبياءُ الله ورسُلُه، والخُلفاء، والمُلوك، والرؤساء، والعلماء، وخلقٌ من الناس لا يُحصِي عددَهم إلا الله، كلُّهم يَفِدُون إليها، مُشرئبِّين إلى ما عندَ الله من فَضْلٍ، استجابةً لنداءِ إبراهيمَ الخليل لمَّا أمره ربُّه: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}(الحج: 27).

     إنها مَكّة، وبَكّة، والبيتُ الحرام الذي أُسَّسَ للعبادة والتوحيد والطاعة، {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}(آل عمران: 95- 96)، لقد صَدق اللهُ، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}(النساء: 122)، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}(النساء: 87).

فيه آياتٌ بيِّنات

     لقد صدَقَ الله، فيه آياتٌ بيِّنات، نعم، إنها آياتٌ بيِّناتٌ لا يَمحُوها طولُ الزَّمن، ولا تَقادُمُ العُهود، آياتٌ بيِّناتٌ شاهدةٌ بفضلِه وقَداستِه، وشُموخه الذي يُطاوِلُ الزمان، فيه مقام إبراهيم الذي رفع منه القواعد، يُناوِلُه ولدُه إسماعيل - عليهما السلام -، {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(البقرة: 127)، مقامُه الذي به موطِئُه، رَطبًا حافيًا غيرَ ناعِل، شاهدًا على الهمَّة والإخلاص، والصدقِ في الاستجابةِ لأمرِ ربهِ.

في السعي بين الصفا والمروة

     فيه آياتٌ بيِّناتٌ بارزةً في السعي بين الصفا والمروة، ليستشعرَ الناسُ ما بذَلَته هذه الأسرة الصغيرة المُكوَّنةُ من أمٍ وطفلها، في وادٍ غير ذي زرعٍ، يُودِعُها فيه زوجُها، فتقولُ له: آللهُ أمَرَك بهذا؟، فيقولُ: نعم، فتقول: إذن لا يُضيِّعَنا، إنه السعيُ شِعارُ القوة والبَذل والتوكُّل، إنه الاعتمادُ على الله والتوكُّل عليه، الذي غمَرَ قلبَ هاجرَ - عليها السلام - ليُكرِمَها الله بجبريل يبحَثُ بجناحَيهِ في الأرض، حتى ظَهرَ لها الماءُ فشَرِبَت منه، وأرضَعَت وليدَها.

في الماء المبارك

     إنه الزمزمُ الماءُ المبارك، إنه طعامُ طُعم، وشفاءُ سُقم. إنه الزمزمُ الذي لا يَغيضُ ولا يَنضَب، الماءُ المُعجزة الذي أدهَشَ العُلماءَ والخبراءَ، إنه الماء الذي قال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم : «ماءُ زمزمَ لما شُرِبَ له»؛ رواه أحمد وابن ماجه.

في البركة

     إنه البيتُ الحرام الذي فيه آياتٌ بيِّنات، إنها آيةُ البركة التي وهَبَها الله بيتَه العتيق، بركةٌ في الأرض، وبركةٌ في العَيشِ، وبركةٌ في الطعام والشراب، فقد جاء عند (البخاري) وغيره، أن إبراهيمَ - عليه السلام - لما جاء إلى زوج إسماعيل - عليه السلام - سأَلَها: “ما طعامُكم؟” قالت: اللحم، قال: “فما شرابُكم؟” قالت: الماء، قال: “اللهم بارِك لهم في الماءِ واللَّحم”. قال: “فهما لا يخلُو عليهما أحدٌ بغير مكة إلا لم يُوافِقَاه”؛ أي: لا يخلُو أحدٌ فيقتصِرُ على الماء واللحم في غير مكَّة إلا اشتكَى بطنَه، {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}(إبراهيم: 37).

في المشاعِرِ والعرَصَات

     إنها آياتٌ في المسجد، وآياتٌ في المشاعِرِ والعرَصَات، يُقبِلُ الحاجُّ إلى البيت ليكونَ أوّلَ ما يبدأُ به الطَّواف، وليكون أولَ ما يبدأُ به من الطوافِ: الحجرُ الأسودُ الذي جعلهُ الله من آياتِه البيِّنات في بيتهِ الحرام، إنه الحجرُ الذي قال عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ مسحَ الحجرِ الأسودِ والركنَ اليمانيَّ يحُطَّان الخطايا حطًّا»؛ رواه أحمد، 

في النبي الكريم

     إنه لآيةٌ شاهِدةٌ على نبيٍّ كريمٍ، نبيِّ الحكمةِ والصدقِ والأمانةِ - صلواتُ الله وسلامُه عليه -، نبيٍّ يَجمعُ ولا يُفرِّق، يرحَمُ ولا يقسُو، يُصلِحُ ولا يُفسِد، فإن القبائل من قريش لما اجتمَعَت لبناء الكعبة، وأخذَت كلُّ قبيلةٍ تجمَعُ على حِدَةٍ، فبنَوها حتى بلَغَ البُنيانُ موضِعَ الرُّكن، فاختَصَموا فيه، كلُّ قبيلةٍ تُريدُ شرَفَ رفعه إلى موضِعِه دون الأخرى، حتى تحالَفُوا وأعَدُّوا للقتال، فقال أحدُ حُكماءِ قُرَيش: اجعَلُوا بينَكم فيما تختلفون فيه أوَّلَ من يدخلُ من بابِ هذا المسجد يقضِي بينكم فيه، ففعلوا.

     فكان أولَ داخلٍ عليهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبَرُوه الخبر، قال: «هَلُمَّ إلَيَّ ثوبًا»، فأُتِيَ به، فأخَذَ الرُّكنَ فوضَعَه بيده، ثم قال: «لتأخُذ كلُّ قبيلةٍ بناحيةٍ من الثوبِ»، ثم رفَعُوه جميعًا حتى بلَغُوا به موضِعَه، فوَضَعَه هو صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة، ثم بَنَى عليه.

     إنه لآيةٌ بيِّنة، يمُرُّ طيفُها على كلِّ من شاهَدَ الحجَرَ، أو استلَمَه أو قبَّلَه، آيةُ نبيِّ الرحمة، البشير النذير، والسِّراج المُنير صلى الله عليه وسلم ، الذي قال - وهو الصادقُ المصدوقُ -: «نزَلَ الحجرُ الأسودُ مِن الجنةِ وهو أشدُّ بياضًا مِن اللبنِ، فسوَّدَتْه خطايَا بني آدمَ»؛ رواه الترمذي.

في الحجر الأسود

     قال المُحبُّ الطبريُّ: “في بقائِه أسودَ عبرةً، لمن له بصيرة؛ فإن الخَطايا إذا أثَّرت في الحجر الصلبِ، فتأثيرُها في القلبِ أشدُّ”، وقال الحافظُ ابنُ حجر: “واعترَضَ بعضُ المُلحِدِين على هذا الحديث فقال: كيف سوَّدَته خطايا المشركين، ولم تُبيِّضه طاعاتُ أهل التوحيد؟ وأُجيبَ بما قال ابن قُتَيبة: “إن الله أجرَى العادةَ بأن السوادَ يصبَغ ولا يَنْصَبِغ، على العكس من البياضِ”. اهـ كلامُه.

     ولا تعنِي هذه الآية البينة - حُجَّاج بيت الله الحرام - أن هذا الحجرَ له بركةٌ خاصَّة، أو أنه يَضُرُّ أو ينفَع، كما أنها لا تعنِي أن يقتَتِلَ الناسُ على تقبيله واستلامِه، فقد قال الفاروق - رضي الله عنه -: “إني لأعلَمُ أنك حجرٌ لا تضرُّ ولا تَنفعُ، ولولا أني رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقبِّلُك ما قبَّلتُك”، لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للفاروق - رضي الله عنه -: «إنَّك رجلٌ قويٌّ فلا تُزاحِمْ فتُؤْذِي الضعيفَ، إنْ وَجَدتَ فُرجةً فاسْتلِمْهُ، وإِلَّا فاسْتقبلْهُ وهَلِّلْ وكَبِّرْ»؛ رواه أحمد.

     {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ  وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}(آل عمران: 95- 96).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك