الشريعة الإسلامية وحماية حقوق المستهلك
- حَمَى الإسلامُ المستهلكَ من كلِّ إجحافٍ بحَقِّهِ فوضع له قواعدَ وضوابطَ تحميه من كلِّ ضررٍ يؤدِّي به إلى الخسارةِ صيانةً لمالِه وحفظًا لحقوقه
- من القواعد النبوية العظيمة في حسن المعاملة ونبل الأخلاق[: «خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ»
- قصدت الشريعة من وراء حماية المستهلك إلى تحقيق مقاصد سامية تتجاوز كثيرًا البعد المادي المرتبط بإشباع الحاجات المادية للمستهلكين
- من صور حِماية الإسلام للمستهلكِ تحريم التلاعبَ بالأسعارِ عن طريق النَّجَشِ وهو: أن يزيدَ الإنسانُ في ثَمنِ السلعةِ وهو لا يريدُ شِراءَها إنَّما فقط لدفعِ الآخرين لشرائِها
- حمى الإسلام المستهلك من خلال الحثِّ على إتقانِ الصّنعة وتحريم بيع السلع الرَّديئة والمنتجات المغشوشة
- الشارع حث على الحرص على توفير المنتج المباح الطيِّبَ ذي الجودة العالية دون غش أو تلاعب
- حمى الإسلامُ المستهلك من البيوع المحرَّمة والتداوُلات الممقوتة، كمساومةِ الإنسان على سوْم أخيه، أو أن يبيع على بيعِ ونحو ذلك
- من الطرائق التي شرعها الإسلام لحماية المستهلك تكليف من يقوم بوظيفة التفتيش على الأسواق والحرف والصُّناع والتُّجار منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده
- من مقاصد الفقه الإسلامي توفير حياة طيبة وهادئة وآمنة اجتماعيا واقتصاديا وصحيا ونفسيا
- الشارع حث على الحرص على توفير المنتج المباح الطيِّبَ ذي الجودة العالية دون غش أو تلاعب
- حمى الإسلامُ المستهلك من البيوع المحرَّمة والتداوُلات الممقوتة، كمساومةِ الإنسان على سوْم أخيه، أو أن يبيع على بيعِ ونحو ذلك
- من الطرائق التي شرعها الإسلام لحماية المستهلك تكليف من يقوم بوظيفة التفتيش على الأسواق والحرف والصُّناع والتُّجار منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده
- من مقاصد الفقه الإسلامي توفير حياة طيبة وهادئة وآمنة اجتماعيا واقتصاديا وصحيا ونفسيا
سعت الشريعة الإسلامية -عبر منظومتها الدينية والقيمية والحضارية- إلى الارتقاء بحياة الناس اليومية، فحرصت على أن يتناولوا الطيّب من الطعام، وألّا يتعرضوا للغش أو الخديعة، وأن ينعموا بالأمان الأخلاقي والنفسي الذي يحفظ عليهم دينهم وقيمهم وأبدانهم من الضرر والإيذاء.
لقد حَمَى الإسلامُ المستهلكَ من كلِّ إجحافٍ بحَقِّهِ، فوضع له قواعدَ وضوابطَ تحميه من كلِّ ضررٍ يؤدِّي به إلى الخسارةِ، فحماه حتى من نفسِه ونهاه صيانةً لمالِه من السَّرف والتَّبذير عند الشراء، فالله -تعالى- يقول: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف: 31)، وقال -صلى الله عليه وسلم -: «كُل ما شِئْتَ واشْرب ما شِئْت دون سَرَفٍ أو مَخِيلَةٍ».قاعدة نبوية في حُسنِ المعاملة
من القواعد النبوية العظيمة في حسن المعاملة ونبل الأخلاق قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ»، فهي قاعدة في كل ما ينفع المسلم في دينه ودنياه، فلا يبخس حقَّ أخيه ولا يُغَرِّر به أو يغُشّه في أي شأن من شؤون حياته، ولا سيما في البيعٍ أو الشراءٍ ولا يحتكِر بضاعتَه، قال - صلى الله عليه وسلم - فيمَن يحتكرُ: «لا يَحتكرُ إلاَّ خاطئٌ»، وفي بيعِ الغَرَرِ - وهو الخطرُ والخدعةُ، وهو البيعُ المجهول العاقبةِ فمبناه على الجهالةِ، إمَّا في المبيع أو في الثَّمن يقولُ أبو هُريرة - رضي الله عنه -: «نَهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن بيعِ الغررِ». ومن الغررِ ما جاء عن أنسِ بن مالكٍ - رضي الله عنه - قال: «إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نَهى عن بيعِ الثمارِ حتَّى تُزهي، أي: تَحمرّ»، ومن الغررِ أيضًا بيعُ الشَّيء دونَ تبيين عُيوبه، قالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «البَيِّعانِ بِالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقَا، أوْ قَال: حتَّى يَتَفَرَّقا، فَإنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لَهُما في بَيعِهِما، وإنْ كَتَما وكَذَبا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِما»، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحِلُّ لمسلمٍ باع من أخيه بيعًا فيه عيبٌ إلا بَيَّنَه»، وفي الغشِّ والتدليسِ يقول - صلى الله عليه وسلم -: «مَن غشَّ فليس منَّا».تحريم التلاعب بالأسعار
كما حرم الإسلامُ - حِمايةً للمستهلكِ - التلاعبَ بالأسعارِ عن طريق النَّجَشِ، وهو: أن يزيدَ الإنسانُ في ثَمنِ السلعةِ وهو لا يريدُ شِراءَها، إنَّما فقط لدفعِ الآخرين لشرائِها، وقد يكون ذلك بتواطُؤٍ بين البائعِ والنَّاجشِ، يقول - صلى الله عليه وسلم - ناهيًا عن ذلك: «ولا تناجشوا».المنتج المباح الطيِّب
ومن ذلك الحرص على توفير المنتج المباح الطيِّبَ ذي الجودة العالية، وذلك بالحثِّ على إتقانِ الصّنعة حال الإنتاج، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ يحبُّ من أحدِكم إذا عمِلَ عملاً أن يُتقِنَه»، فيتجنَّب به السلعَ الرَّديئة والمنتجات المغشوشة.تحريم البيوع المحرمة
كما حمى الإسلامُ المستهلك من البيوع المحرَّمة والتداوُلات الممقوتة، كمساومةِ الإنسان على سوْم أخيه، أو أن يبيع على بيعِ ونحو ذلك، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «لا يبِعْ بعضُكم على بيعِ أخيه»، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَسُمِ المسلمُ على سَومِ المسلمِ»، كما حرَّمَ الإسلام كلَّ ما من شأنه رفعُ الأسعارِ بلا مسوغ؛ ممَّا يسبّب الإضرار بالمجتمع المسلم.التفتيش على الأسواق
ومن الطرائق التي شرعها الإسلام لحماية المستهلك تكليف من يقوم بوظيفة التفتيش على الأسواق والحرف والصُّناع والتُّجار منذ عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء من بعده، من مبدأ أن الغش والغرر من الأمور التي تمقتها الشريعة، وكانت وظيفة مراقبة هذه الأسواق والمعاملات اليومية يقوم بها المحتسب، وكان معنى الاحتساب أولاً ينصرف إلى طلب الثواب الأخروي مثل حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن صامَ إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدَّمَ مِنْ ذَنبه»، أو إلى إنكار القبيح من الأفعال، لكن أصبح الاحتساب بمرور الوقت جزءا من النظام الإداري في الإسلام، على حسابات الدولة والمواريث ومراقبة الموازين والمكاييل والشرطة والآداب والأخلاق العام، فكانت نظامًا للرقابة على سير الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بطريقة تجعلها في إطار قواعد الشرع الإسلامي، وفي نطاق المصلحة العامة للمجتمع.ظهور وظيفة المحتسب (التفتيش على الأسواق)
وأول مَن مارسَ هذه المهمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد أنكر على بائع الطعام أن يجعل ما أصابه المطر وسط الصبرة، كما نهى عن تلقّي الرُّكبان، أي البيع قبل الدخول إلى الأسواق لِمَا تتضمَّنه صورةُ هذه المعاملةِ من تغرير وخداع بالبائع من جهة، وإضرارٍ بأهل السوق أو أهل البلد من جهة أخرى، فكانت عِلَّةُ النهي حاصلة في أمرين وهما: إزالةُ الضرر عن الجالب وصيانتُه ممَّن يخدعه من جهة، وإزالةُ الضرر عن أهل السوق وتحقيقُ النفع لهم تقديما للمصالح العامَّةِ على المصالح الخاصَّة من جهة أخرى، فمُنِعَتْ مصلحةُ المتلقِّي الخاصَّةُ نظرا لتعارُضِها مع مصلحة أهل السوق العامَّة، مع ما فيه من إزالةِ الغَبْنِ والضرر عن الجالب ودفعِه عنه. وعندما ظهرت مخالفات كثيرة أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعالج هذا الاعوجاج بصرامة وحكمة، فعيّن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على سوق المدينة، وسعيد بن العاص - رضي الله عنه - على سوق مكة، وعلى نهجه سار الخلفاء الراشدون والأمويون والعباسيون وولاة الأمصار حتى أزمنتنا الحديثة هذه، مع فارق في التسميات والوظائف وبعض التحديث بحكم اختلاف العصور، ومن هنا ظهرت وظيفة المحتسِب في المشرق، وصاحب السوق في المغرب والأندلس، ثم غلب عليهم اسم المحتسب مثل المشارقة.سمات المحتسب وصفاته
ولأن هذه الوظيفة كانت لصيقة الصلة بحياة الناس وأرواحهم ووعيهم وأذواقهم وأخلاقهم، وكانت تستهدف كفالة سعادتهم من أبواب الدين والدنيا، كان لابد من وجود سمات معينة يتحلى بها مَن يلي هذه الوظيفة؛ إذ ينبغي أن يكون فقيهًا نزيه النفس، عالي الهمة، ظاهر العدالة، معروفا بالأناة والحلم، يقظا، حاد الفهم؛ بحيث لا تُرتجى لشدة يقظته غفلته، ولا تُؤمَن على ذي منكَر سطوتُه، خبيرا بأحوال المجتمع وسياسة أفراده، لا يستفزّه مطمع، قويّ الشخصية؛ بحيث لا يجرؤ أحد على الاستهانة به، وفي الوقت نفسه لا تأخُذُه في الله لومة لائم.الفقه والعلم
وإذا كان القائم بهذه الوظيفة يجب أن يكون فقيها عالمًا، فإنه من باب أولى كان مَن القُضاة أو أرباب السلك القضائي من درجاته المختلفة، وهو ما تؤكده المصادر التاريخية التي يُشير بعضها إلى أن خمارويه بن أحمد بن طولون والي مصر قد فوّض النظر في وظيفة المظالم والأوقاف والحسبة إلى القاضي محمد بن عبده بن حرب سنة 277هـ، وقد فوّض والي مصر الجديد مؤنس الخادم القاضي محمد بن جعفر القرطي على الحسبة سنة 302هـ. والحق أن وجود المحتسب كان أمرًا ضروريًا أمام جشع التجار أو غلاء الأسعار أو غش المعروض أو انحلال الأخلاق، وكان التهاون في مثل هذه الوظائف من الأمور التي تُسبِّب اضطرابات اجتماعية في بعض الأوقات.مقاصد حماية المستهلك في الفقه الإسلامي
اهتمت الشريعة الإسلامية بموضوع الاستهلاك اهتمامًا شموليا، وقصدت من وراء حماية المستهلك إلى تحقيق مقاصد سامية، تتجاوز كثيرًا البعد المادي المرتبط بإشباع الحاجات المادية للمستهلكين، فهذه المقاصد -من هذا المنظور الإسلامي الشامل- تعد الإطار المذهبي الذي يوجه سلوك المسلم، استثمارًا كان أو استهلاكًا، ويربطه بالمنظومة الدينية، فتكتسي أفعاله وتصرفاته دلالتها الشرعية، فالمقاصد هي المحدد لقيمة أي نشاط اقتصادي، ومن مقاصد الشريعة في حماية المستهلك ما يلي:(1) حماية حاجاته وإشباعها
من مقاصد الشريعة في حماية المستهلك العمل على حماية حاجاته وإشباعها وفق منهج شرعي كامل وشامل، لجميع جوانب الحياة الاستهلاكية، فحاجات المستهلك في التصور الإسلامي تتعدد وتتنوع بحسب طبيعة الزمان والمكان، ومدى تقدم أهله أو تقهقرهم في سلم التنمية الاجتماعية والاقتصادية، كما أن مفهوم الحاجة نفسها يختلف اختلافًا جذريًا بين التصورين الإسلامي والوضعي، وبناء على ذلك فإن منهج إشباعها يختلف أيضًا، حسب محددات ومقومات كل تصور على حدة. إن الإسلام يروم من خلال حماية المستهلك، إلى إشباع الحاجات الأساسية لكل فرد في المجتمع من خلال إنتاج جميع المستلزمات والسلع والخدمات، التي تلبي رغبات المستهلكين على اختلاف مشاربهم، وفئاتهم، ودخولهم المالية، وكذا ضمان توزيعها بطريقة عادلة على المستهلكين كافة؛ لأن حاجة المستهلك هي التي تتحكم في آلية الإنتاج وتوجهه.(2) تحقيق التنمية الشاملة
إن الفقه الإسلامي يقصد من وراء حماية المستهلك إلى تحقيق تنمية شاملة في المجتمع، مما يسمح لأفراده بالعيش في كلفة حياة طيبة وهادئة، آمنين اجتماعيا، واقتصاديا، وصحيا، ونفسيا، ويعد مفهوم (الحياة الطيبة) جوهرة فكرة المصلحة بمعناها الشرعي، التي يتوخاها الإسلام من وراء حماية المستهلك، وعلى أساس ذلك تعد «الحياة الطيبة» أس كل تنمية وقوامها، ومنطلقها؛ فالإنسان كلما شعر بالاستقرار، وحقق الاطمئنان النفسي، والاجتماعي، والاقتصادي، قويت عزائمه، وتفتحت مداركه، وأصبح مصدرا للابتكار والاختراع، والإتيان بكل جديد في جميع مجالات الحياة، وهكذا جاء التصور الإسلامي للتنمية، ليعيد الأشياء في المجتمع إلى طبيعتها، وليرد قضية التنمية إلى عمادها، وهو الإنسان العابد لله -عز وجل-، والمستخلف نيابة عن الله في أرضه، لتحقيق مهمة العمارة والاستخلاف. إن الإنسان - وفقا للتصور الإسلامي- أهم مخلوق في الوجود وأسماه، ومن ثم فهو الوسيلة الرئيسة لعملية التنمية وغايتها؛ لذا فحماية الإنسان المستهلك، وتوفير الأمن له أساس كل تنمية وقاعدة كل تطور.(3) تحقيق الرشد الاقتصادي للمستهلك
يقصد الفقه الإسلامي من حماية المستهلك إلى تحقيق «الرشد» الاقتصادي أي: أن يصير سلوك المستهلك المسلم رشيدًا، يتصرف بعقلانية وحكمة في إشباع حاجاته الأساسية، وفق ما شرعه الله -عزوجل- ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من أحكام، وإن استهداف المستهلك للتوازن والاعتدال في الاستهلاك، هو من الرشد الاقتصادي، والتوازن ينفي الانطلاق نحو الحد الأقصى للإشباع، كما ينفي السقوط إلى الحد الأدنى. إن التوسط بين الشبع والجوع هو الاعتدال الذي يحقق التوازن، فالمستهلك الرشيد هو الذي لا يأكل حتى يجوع، وإذا أكل لا يشبع، وإن الوفاء الأمثل لاحتياجات المستهلكين هو بلوغ حد التوازن؛ لأن تجاوز هذا الحد، أو عدم بلوغه يسفر عن الاختلال، وليس هذا من الرشد الاقتصادي في شيء.
لاتوجد تعليقات