الشباب مرحلة البناء
مرحلة الشباب تعد زبدة العمر، وزهرة الربيع بل هي ربيع الحياة، ففيه تتكامل البنية الجسمية وتتمتع بالنظارة والحيوية والنشاط وتنضج رؤى الشباب وطاقاته العقلية والروحية، فقدرته على التحمل تكون أكثر وأقوى تحركا ونشاطا في هذه المرحلة، كما أن مسؤولياته تكثر وتكبر، ففي الحديث: «لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمله به، وعن زرقه من أين اكتسبه وفيم أنفقه».
فانظروا إلى أعلى منزلة أعدها الله للشباب الناشئ، كما جاء في الحديث: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله»... وذكر منهم: «وشاب نشأ في عبادة الله» ...، فمقامهم رفيع، والشاب الذي يكبح جماح شهواته ويجاهد نفسه لمعرفة الحق ويضبط سلوكياته وتغلب على شيطانه وهواه ليصبح عابدا خاضعا لله سبحانه، فإنه ينال مرتبة عالية في الدنيا والآخرة، وقال تعالى: {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى}؛ فالشباب هو لجسد الأمة القلب النابض، والعقل المفكر، والعنصر الفعال، والقوة المحركة.
لذلك تربص أعداء الأمة بشبابنا فأغرقوهم بالملهيات واستنزفوا قواهم، وأضاعوا أوقاتهم في الرياضة والفن، وأجهزة التواصل والمكوث في المقاهي، والنظر فيما حرمه الله عز وجل، والمطاردة في الشوارع، وعدم الاهتمام بالتعليم والإخلاص في العلم، وقسم منهم انحرف وراء أفكار التكفير والخروج والتطاول على العلماء المصلحين.
فالشباب الذي نريده هو الذي يبحث عن القدوة والوسطية في الدين، ولا نريدهم قنابل موقوتة يستخدمها الأعداء ويوجهونها إلى اتجاهات منحرفة وغير الصحيحة، فالخسارة الحقيقية تتمثل عندما نخسر شبابنا ونفشل في جذبهم إلى الحق والعدل والأخلاق الحسنة، ولكن عندما ننجح في تربيتهم فإننا نراهم يتنافسون في إنجازاتهم الحضارية، في التنمية ويشاركون ودفع عجلة التقدم في البلاد ويتسابقون في ميادين العلوم النافعة والمعارف المفيدة، ويقتدون بشباب سلف الأمة، ويهتدون بهديهم ومكارم أخلاقهم، ويحيون المساجد بالصلاة ومجالسة العلماء، والاجتماع على التلاوة والذكر والمذاكرة، وتجمع قلوبهم رابطة الأخوة والتعاون على البر والتقوى، ويشاركون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليكونوا خير خلف لخير سلف، ويفوزوا بسعادة الدارين.
نريد أن يكون لشبابنا أهداف كريمة ورؤية واضحة ليكونوا نماذج رائعة في إيمان الصدّيق، وعدالة عمر، وسخاء عثمان، وعلم علي وابن عباس، وشجاعة الزبير وإقدام خالد، وأمانة أبي عبيدة، وفطنة زيد، وحلم معاوية، رضي الله عنهم جميعا، جمعوا بين سعة العلم وكثرة العبادة والزهد وقوة الملك والسلطان، وعدالة الإمام وشفقة الراعي، وحنكة القيادة، وبطولة الحرب مثل عمر بن عبد العزيز وصلاح الدين ومحمد الفاتح رحمهم الله جميعا.
نسأل الله أن يصلح شبابنا ويهديهم سواء السبيل ويريهم الحق حقا ويرزقهم إتباعه، ويريهم الباطل باطلا ويرزقهم اجتنابه، ويجعلهم مفاتيح للخير مغاليق للشر.
لاتوجد تعليقات