رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر التربوي 10 ديسمبر، 2025 0 تعليق

الشباب المسلم 1288

الشّباب بين الإصرار والإيمان

الإصرار والإيمان هما جناحا النجاح؛ بهما يحلّق الإنسان فوق العوائق، ويعبر المدى نحو الحلم حتى يصير واقعًا؛ ففي قلب المؤمن شعلة لا تخمد، وقوة لا تنكسر، تُذيب العقبات وتحوّل التحديات إلى درجاتٍ في سلّم المجد، وكل خطوة شاقة تصبح يسيرة إذا أضاءها نور الله، وحملها عزم صاحبه، قال الله -تعالى-: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (الشرح: 6)، فما العسر إلا بابٌ يُفتح على صبرك، وميدانٌ يُظهر صدق توكلك، ودليلٌ على قوة نيتك في السعي نحو الهدف.

        إن الإيمان يبدّل المستحيل ممكنًا، ويجعل البعيد قريبًا، ومن الضعف قوةً متجددة؛ فمن وثق بالله، وأخلص في عمله، رأى من رحمته ما لم يخطر على قلب بشر؛قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أراد الله بعبد خيرًا، يفقهه في الدين»، وكذلك إذا أراد له نجاحًا، هيّأ له السبل، وأمدّه بالعزيمة، وألهمه الإصرار؛ فالإصرار روح لا تعرف الاستسلام، والإيمان سندٌ لا يخذل صاحبه. والمؤمن حين يتعثر لا يقف عند العقبة، بل ينهض من جديد، متوكلاً على وعد الله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (البقرة: 45)؛ فكل سقوط بداية، وكل عثرة درس، وكل حلم بعيد إنجاز ينتظر الصابرين المجتهدين، إن الإصرار والإيمان معًا يخلقان طاقة ربانية تحرّك بها الجبال، وتفتح بها الأبواب المغلقة، وتحوّل الظلمة إلى نور، واليأس إلى أمل، وتذكّر أن طريق النجاح لا يخلو من صعاب، وأن كل تحدٍّ هو امتحان لعزمك وإيمانك؛ فالذين ثبتوا، وعملوا بصدق، ووثقوا بالله، هم الذين يكتب الله لهم المعجزات، ويحوّل المستحيل إلى واقعٍ مشرق يضيء حياتهم وحياة من حولهم.  

طريق الاستقامة

         يا شباب الإسلام، إن أولَ خطوة في طريق النهضة أن تثبِّت قدمك على صراط الإيمان؛ فالقلب الذي عرف ربَّه لا تزعزِعه العواصف ولا تغرُّه الشهوات، قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ}، إنه وعدٌ سماويٌّ لكل شابٍّ قرَّر أن يمشي مستقيمًا ولو التوى من حوله الطريق، ويكفيك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لخص لك المنهج كلَّه في كلمة واحدة: «قل آمنتُ بالله ثم استقم»، فليكن شعار شباب الإسلام: إيمانٌ عميقٌ، واستقامةٌ ثابتة، وعملٌ نافعٌ يعمُر الأرض.  

اغتنم شبابك قبل هرمك

        مرحلة الشباب رأس مالٍ لا يعوَّض؛ فيها صفاء الذهن، وقوّة الجسد، واتقاد الحماسة؛ ولذلك يُسأل العبدُ عن شبابه سؤالًا خاصًّا يوم القيامة: «لن تزول قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسأَلَ عن أربعِ خِصالٍ: عن عُمرِه فيم أفناه؟ وعن شبابِه فيم أبلاه؟ وعن مالِه من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن عِلمِه ماذا عمِل فيه؟»، كما جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الشباب من أعظم مواسم الاغتنام فقال: «اغتنم خمسًا قبل خمس، وشبابك قبل هرمك»؛ لأن ما تستطيع أن تحققه في هذه السنوات قد لا تقدر عليه بعدها، فيا شابا يبحث عن ذاته: اجعل من عمرك مشروعًا لخدمة دينك وأمتك، وأدخل السرور على أهلك ومجتمعك بعملٍ، أو علمٍ، أو مبادرة خير، فخير الشباب من تشبَّه بالكهول في حكمتهم ووقارهم لا في شيب رؤوسهم فحسب.  

أثر العبادة في بناء الشباب

         للعبادة أثر كبير في بناء الشباب إيمانيًا ونفسيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا، فهي تدريب عملي على الإخلاص والإتقان والإجادة والتميز، فالعبادة شعور دائم بوجود الله، وإيقاظ مستمر للضمير والوجدان، وللعبادة آثار وقائية، وأخرى علاجية، تتمثّل في إنقاذ المتعبِّد من التعقيد واليأس والشعور بالذنب وتفاهة الذات؛ لأن وقوف الإنسان بين يدي الله -تعالى-، يشـعره بقربه من مالك الوجود، وحبِّه له، وعطفه عليه، كما يشعره بقيمته الإنسانية، وعلو قدره.  

نِعمة اللسان

          قال الشيخ عبدالرزاق عبدالمحسن البدر: الواجب على العبد المؤمن أن يذكر نعمة الله عليه بهذا اللسان، وأنَّ الله -عزوجل- منَّ عليه به، ولولا منَّة الله عليه به لما تكلَّم بحرفٍ واحد ولا بكلمة واحدة؛ فليذكر نعمة الله -عزوجل- عليه بلسانه، وليحرص على صيانته وحفظه من كل آفات اللسان التي تصل بالعبد إلى المآلات الأليمة والنهايات الأسيفة التي يبوء بها في دنياه وأخراه.  

قوةٌ وأمانة

        الإسلام لا يطلب من الشاب أن يعتزل الحياة، بل أن ينزل إلى الميدان بقلبٍ مؤمنٍ وجسدٍ قويٍّ وخلقٍ أمين، قال -تعالى- في وصف من يُستأمن على مصالح الناس: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}، وهي قاعدة فقهية وتربوية لكل شابٍّ يتصدَّر لخدمة أمّته أو يعمل في أي ميدان، ومن فقه الشباب أن يوازن بين حقوق ربِّه وحقوق بدنه وحقوق أهله، كما وجَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحاب الهمم العالية إلى الاعتدال في العبادة، حتى لا يملّوا ولا يكلّوا؛ فالشريعة تريد شابًّا دائم العطاء، لا شُعلةً تشتعل لحظات ثم تنطفئ.  

شاب نشأ في طاعة الله

         من أكرم صور الشباب عند الله شابٌّ نشأ في عبادة ربِّه؛ وقد جعله النبي -[- من السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه؛ فمرحلة الشباب ليست عذرًا للغفلة بل فرصةٌ للقرب والأنس بالله، بل جاء في الأثر أن الله يباهي بالشاب العابد الملائكة؛ لأن مقاومة الفتن مع قوة الشهوة واندفاع الجسد أبلغ في الصدق والإخلاص، هذا الشاب لا يعني أنه لا يخطئ، لكنه إذا زلَّ أسرع إلى التوبة، وإذا دعته شهوته قال كما قال يوسف -عليه السلام-: {مَعَاذَ اللَّهِ}، فيصير قدوةً لغيره، ونموذجًا حيًّا على أن الطهارة ممكنة في زمن الفتن.  

فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ..

         قال الله -تعالى-: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}، فالإيمان حين يسكن قلب الفتى يزيده الله رسوخًا وبصيرة، فما أعظم أن يرى الشباب نفسه امتدادًا لأولئك الفتية! ويعلنون بلسان الحال والمقال: ربُّنا ربُّ السماوات والأرض، ولن نبيع ديننا بثمنٍ بخس من متاع الدنيا.  

فقه الأولويات للشباب

        من فقه الشاب أن يعرف أين يضع جهده؟ فلا يستهلكه في أمور ثانوية، وانشغالات دنيوية، ويترك الواجبات الكبرى، قال -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}؛ فالعبادة بمفهومها الواسع هي مركز دائرة الأولويات، وما عداها يدور حولها بقدر ما يخدمها، فيتنوع وقته بين مناجاةٍ لله، وسعيٍ للمعاش، وبناءٍ للعلاقات الصالحة، وراحةٍ مباحة، إلى صناعة برنامج يومي متوازن لا يطغى فيه طلب الدنيا على أمر الآخرة.

يوسف -عليه السلام- مثال فريد للشباب

         يقدّم القرآن يوسف -عليه السلام- مثالًا فريدًا لشابٍّ جمع بين الجمال والطهر، واجه الفتنة في الغُربة، ومع ذلك قال في وجه الدعوة المحرّمة: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ}؛ فكانت هذه الكلمة درعًا يحمي قلبه وجسده. إن الشاب الذي يردِّد هذه الكلمة في خلواته أمام شاشة، أو في مكان عمل أو دراسة، إنما يكتب اسمه في سجلِّ الفتيان الذين عظّموا ربهم أكثر مما عظّموا أهواءهم ونظرات الناس إليهم.  

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك