رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر التربوي 24 نوفمبر، 2025 0 تعليق

الشباب المسلم 1286

حماية القلب والعقيدة في هذا الزمان

في زمنٍ تتزاحم فيه الفتن والأصوات، ويختلط الحقّ بالباطل، يصبح القلب أغلى ما يملك الشاب، وعقيدته هي الحصن الأخير الذي لا يجوز التفريط فيه؛ لذلك فإن حماية القلب والعقيدة ليست مجرد خيارٍ، بل هي المهمة الأولى، التي يجب على الشباب أن يولوها أهمية كبرى.

        قال الله -تعالى-: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}؛ فالقلب السليم ليس قلبًا خاليًا من الشهوات فحسب؛ بل قلبٌ محروسٌ باليقين، محاطٌ بسياج من نور العقيدة، وفي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تأكيدٌ على محورية القلب في صلاح الإنسان؛ إذ قال: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»، ومن هنا تتبيّن عظمة المهم؛ فصلاح القلب هو أساس صلاح الحياة كلها، وإهماله أول طريق الانهيار، وفي عصرٍ تتضاعف فيه المغريات، وتنفتح أبواب الشبهات على مصاريعها، يصبح الشاب أحوج ما يكون إلى أن يجعل عقيدته بوصلة طريقه، يحرسها بالعلم، ويقوّيها بالذكر، ويثبّتها بصحبة صالحة تُعينه على الثبات، يقول -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}؛ فالصادقون هم من يحيطون القلب بنور، ويحفظون الفكرة من الانحراف، والروح من التيه. إن حماية القلب تبدأ من لحظة صدق مع الله، ولحظة وعي بأن هذا العالم مهما اتسعت طرقه، فلا طريقَ أصدق ولا أأمن من طريق الحق -سبحانه وتعالى-، ويعلّمنا الحبيب - صلى الله عليه وسلم- هذا الدعاء العظيم الذي يكشف هشاشة القلب، وحاجته الدائمة إلى الرب: «يا مقلب القلوب، ثبّت قلبي على دينك»، إن الشاب الذي يحفظ قلبه من السُّقوط، ويحمي عقيدته من التلوّن، هو شابٌ يحمل شعلة النور في زمن الظلمة، ويثبت على مبادئه حين تنحني كثيرٌ من الرياح، ذلك أن العقيدة ليست معلومة تُحفظ، بل حياة تُعاش، وحصنا يليق بكل شاب يريد لنفسه الكرامة والثبات.  

المكاسب الصغيرة المستدامة

        في زحمة الأحلام الكبيرة التي تُغري الأبصار، وفي ضجيج الطموحات التي تتعالى كالأمواج، ينسى كثيرٌ من الشباب أن أعظم الإنجازات تبدأ بخطوة هادئة، متواضعة، لكنها ثابتة، إن قاعدة «المكاسب الصغيرة المستدامة» هي الطريق الأكثر واقعية للوصول إليها؛ فالثمر اليانع يبدأ ببذرة، والبناء الشامخ يبدأ بحجر، والنهر المتدفق يبدأ بقطرة، وكذلك الإنسان؛ ينهض بتدرّج، ويتقدّم بوعي، ويحقق أهدافه بصبرٍ لا يعرف التراجع؛ فالمكسب الصغير -مهما بدا ضئيلًا- إذا تكرّر، نما، وإذا استُدام، أثمر، فالتراكم اليومي البسيط هو سر كل الإنجازات العظيمة، وهناك ما يعرف بقانون الـ 1%: ويعني أنك إذا تحسنت بنسبة 1% يوميا، ستكون في نهاية العام أفضل بحوالي 37 مرة مما كنت عليه في البداية.  

مفهوم الرزق والتوكل

       من الأمور المهمة التي يجب على الشباب استحضارها أن الأرزاق والآجال والمناصب مقسومة ومقدرة؛ فنجاح غيرك لم يُكتب على حساب فشلك؛ لذلك عليك التحرر من الحسد، فإذا رأيت خيرًا عند غيرك، بارك له، وادعُ لنفسك أن يمنحك الله من فضله، هذا يطهر القلب ويوفر الطاقة التي كانت ستهدر في المقارنة، وتذكر أن الله يسير أمورك وفق حكمة لا تدركها، قد يكون تأخر وصولك لشيء خيرا لك، لتعلم شيئاً أو لتكتسب خبرة.

كيف تقوّي مناعة قلبك؟

تقوية مناعة القلب ليست عملاً لحظيًّا، بل هي بناءٌ هادئ يشبه ترميم قلعة من الداخل، والقلب -كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- هو الملك، فإذا قويَ ملكُه اشتدّت دولته، وإذا ضعف سقط أمام أول هجمة، ويمكن تقوية «مناعة القلب» عبر خمس وسائل أساسية:
  • تغذيته بالقرآن: فالقرآن هو الغذاء الأساسي للقلب، قال -تعالى-: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}، فكل آية تُتلى تُضيف طبقة حماية، وكل تدبّر يزرع يقينًا جديدًا.
  • الإكثار من الذكر والدعاء: فالذكر يُبقي القلب حيًّا، والدعاء يثبّته على الطريق، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك»، فهذا الدعاء أشبه بدعامةٍ تُثبت قلبك عند الاهتزاز.
  • صحبة صالحة تُنعش القلب: القلوب تتأثر بالقلوب، كما تتأثر المعادن بالمعادن، اجلس مع أصحاب الهمم العالية والإيمان العميق؛ فالصالحون لهم أثر يشبه «البيئة المعقّمة» التي تمنع تسلل الفساد إلى قلبك، قال -تعالى-: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.
  • الابتعاد عن أبواب الفتنة: لا يمكن لقلب ضعيف أن يصمد أمام سيل الفتن إذا فتح لها الباب؛ لذلك: قلل من متابعة المحتوى المفسد، واحمِ بصرك وسمعك.
  • بادر بأعمال الخير التي تُنقّي القلب وتثقّله: مثل الصدقة، وبرّ الوالدين، وخدمة الناس؛ فكلها أفعال تُنقي القلب من القسوة؛ فالقلب الذي يعمل خيرًا يزداد نورًا.
الخلاصة: إن تقوية مناعة القلب ليست مهمة جانبية، بل هي أصل كل صلاح، وسبب كل ثبات، وسرّ كل نجاح.  

تعظيم المناهي والسلامة منها

قال الشيخ عبدالرزاق عبدالمحسن البدر: مما يعين العبد على تعظيم المناهي والسلامة منها كما أفاده ابن القيم -رحمه الله- خمسة أمور:
  • الحرص على البعد عن مظانها، وأسبابها وكلِّ ما يدعو إليها.
  • مجانبة كلِّ وسيلة تقرب منها، كاجتناب الأماكن التي فيها الصور التي تقع بها الفتنة خشية الافتتان بها .
  • ترك مالا بأس به حذرًا مما به بأس.
  • مجانبة الفضول من المباحات خشية الوقوع في المكروهات.
  • مجانبة من يجاهر بارتكابها ويحسنها ويدعو إليها ويتهاون بها ولا يبالي ما ارتكب منها.
 

صيانة مرحلة الشباب وحفظها

أيها الشاب، اعمل على صيانة شبابك وحفظه بتجنب الشرور والفساد بأنواعه، مستعينا في ذلك بالله متوكلًا عليه وحده -جل في علاه-، وكلُّ باب أو مدخلٍ أو طريقٍ يفضي بك إلى شر أو فساد فاجتنبه واحذره غاية الحذر!

 

أسباب ذكر الله

       قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: من حكمة الله -عزوجل- أنه جعل لذكره أسبابا حتى يستيقظ وينتبه لذكر الله؛ لأن الإنسان قد تستولي عليه الغفلة وينسى ذكر الله؛ فجعل الله -تعالى- لذكره أسبابا كثيرة: فدخول المنزل فيه ذكر، ولبس الثوب الجديد فيه ذكر، والأكل فيه ذكر، والتخلي من الأكل فيه ذكر، حتى يكون الإنسان دائما على صلة بالله -عزوجل- بذكر الله -تبارك وتعالى-.  

متلازمة التصفح العشوائي!

متلازمة التصفح العشوائي، هي حالة ذهنية وسلوكية يعيشها كثير من الشباب اليوم، وتشبه تمامًا الدخول في متاهة بلا مخارج واضحة، تبدأ بدخولك إلى الإنترنت لهدف محدّد، ثم فجأة تجد نفسك تنتقل من فيديو لآخر، ومن رابط لآخر، ومن منشور لخبر، دون خطة أو وعي، حتى تمضي ساعات دون أن تتذكر: لماذا دخلت أصلًا؟ واجه هذه المتلازمة بما يلي:
  • تحديد أوقات ثابتة لمراجعة وسائل التواصل (5 دقائق كل ساعتين)، وامنح نفسك حقا في إغلاق الإشعارات.
  • قانون (الوقت المستهدف): لا تستخدم الإنترنت دون هدف، قبل فتح أي تطبيق أو موقع، اسأل نفسك: «ما المهمة التي أريد إنجازها في الدقائق العشر القادمة تحديداً؟» مثلاً: «سأبحث عن معلومة في كتاب كذا»، أو «سأرد على رسالة مهمة فقط».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك