
الشباب المسلم – 1258
قصة أصحاب الجنة.. دروس وعبر
تدور أحداث قصة أصحاب الجنة حول مجموعة من الإخوة، ورثوا بستانًا جميلًا عن والدهم الصالح، كان هذا الوالد يخرج حصة من محصوله للفقراء والمحتاجين، وبعد وفاته، اجتمع أبناؤه واتفقوا على عدم إعطاء الفقراء شيئًا، وخططوا لذلك، لكن الله -تعالى- أحبط خططهم؛ إذ أرسل عليهم بلاءً في الليل فاحترق البستان بالكامل، فشعروا بالندم على طمعهم، واعترفوا بذنوبهم وقرروا العودة إلى طريق والدهم، وفيما يلي بعض الدروس والعبر من تلك القصة:(1) خطورة الجشع وحب النفس
كان الجشع هو السبب الأساسي في دمار جنة هؤلاء الإخوة، فقد أرادوا الاحتفاظ بكل المحصول لأنفسهم، متجاهلين حق الفقراء، ولا شك أنَّ حب المال والجشع من الأمور التي تجرُّ الإنسانَ إلى الهاوية، وللطمعِ عواقِب وخيمة لمن لم يُسيطر عليه، ويكبح جماحه، ويربّي نفسهُ على القناعة.(2) أهمية إخراج الصدقة
من أهم دروس القصة ضرورة الإنفاق على الفقراء؛ فالله هو من يرزق الإنسان ويبارك في ماله، ولما قرر هؤلاء الإخوة منع الفقراء من حقهم، أنزل الله عليهم عقوبة شديدة، مما يظهر لنا أن الخير يزيد عند العطاء، وأن الأنانية قد تودي بالنعمة، قال -تعالى-: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (إبراهيم: 7).(3) التعاون على البر والتقوى
عندما خطط هؤلاء الإخوة لمنع الفقراء من حقهم، تعاونوا على فعل غير محمود، والأصل أن يتعاونوا على الخير، قال -تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: 2).(4) الندم والتوبة إلى الله
بعد أن رأى الإخوة خرابا بجنتهم، اعترفوا بذنبهم وندموا على فعلهم السيئ، وأدركوا أن الله هو مالك الرزق، وهذا يعلمنا أن التوبة الصادقة هي طريق الإنسان للعودة إلى رحمة الله ومغفرته، مهما ارتكب من أخطاء، قال -تعالى- في سورة القلم عنهم: {قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}.تعظيم المناهي والسلامة منها
مما يعين الشاب على تعظيم المناهي والسلامة منها كما قال ابن القيم -رحمه الله- خمسة أمور: 1- الحرص على التباعد من مظانها، وأسبابها وكلِّ ما يدعو إليها. 2- مجانبة كلِّ وسيلة تقرب منها كاجتناب الأماكن التي فيها الفتنة خشية الافتتان بها. 3- ترك ما لا بأس به حذرًا مما به بأس. 4- مجانبة الفضول من المباحات خشية الوقوع في المكروهات. 5- مجانبة من يجاهر بارتكابها ويحسنها ويدعو إليها ويتهاون بها ولا يبالي ما ركب منها.رسالة عميقة لكل مسلم
الجشع والطمع له آثارٌ مدمرةٌ على الفردِ والمجتمع، فتقديسُ المال، والحرصُ الزائدُ عليه، ولو على حساب الآخرين، والتحايل عليهم، وخداعهم، والكذب عليهم، وغشهم، مهلك للإنسان، ومهلك للمجتمعات، فيصبح الإنسان لا يفكر إلا في نفسه، وقد قص الله علينا قصة شعيبٍ -عليه السلام- وكيف أن الله أهلك قومه، بسبب شركهم وجشعهم وطمعهم، وكذلك قصة أصحاب الجنة.
خير الناس أنفعهم للناس
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خيرُ الناس أنفعهم للناس»، هذا الحديث يحث على تقديم النَّفع للناسِ من خلال الإحسان إليهم، وتقديم المساعدة والنَّفع لهم، وإبعاد الضَّرر عنهم سواء في دينهم أم دنياهم، لكنَّ الأمور التي تُفيدهم في دينهم أبقى أثراً وأدوم نفعاً وأعظم أجراً، وهذه الصفات من صفات المؤمن، فالمؤمن يُقدِّم النفع لغيره على الدوام مهما كان هذا النفع بسيطًا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ، كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ، أوِ القائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهارَ»، ويُعدُّ ذلك مما يزيد من المحبَّة بين الناس، ويُقوّي أواصر الأُلفة والمودَّة بينهم، كما يُعزّز مبدأ التكافل الاجتماعي في الإسلام، ويُساعد على تكوين مجتمع يتخلّق بالأخلاق الحميدة.الإنسان مسؤول عن قوله وفعله
تفكَّر في كلامك
الصحابة قدوتي - حمزة بن عبدالمطلب - رضي الله عنه -
لم يجد نورُ الإسلام صعوبة في دخول قلب حمزة الرّحيم - رضي الله عنه -، الممتلئ بالشهامة والحنان، حمزة بن عبدالمطّلب عُرف بالشّجاعة والفروسيّة، واشتهر بالرحمة ومساعدة المحتاجين، ونُصرة المظلومين؛ فلو سأل طفلٌ صغيرٌ حمزةَ عن حاجة لفزعَ له ملبّياً حاجته، كان يَصِلُ الرّحم، ويُكثرُ من فعل الخير ويدلّ عليه، خفقَ قلبه بالرحمة والمحبّة عندما سمع بإيذاء أبي جهل لابن أخيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، سرعان ما انتقمَ للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ورفعَ قوسه، فضرب به أبا جهل وشجّ رأسه. أعلنَ إسلامه في السنة الثانية من بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان إسلامه درعاً واقية وحصناً منيعاً للإسلام والمسلمين، كان قويّ الشخصية، ضخم البنية، راجح العقل، قويّ الإرادة، ومع هذا كلّه كان رحيماً، شَفوقًا، كان أمير أول سريّة خرج فيها المسلمون للقاء العدو، وكما أنّ أول راية عقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت له، وأبلى بلاءً حسناً في غزوة بدر، وقاتلَ ببسالة؛ إذ قاتلَ بسيفين، وبارزَ شيبة بن ربيعة فأرداه قتيلاً، فسمّاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسد الله، وأسد رسوله. أصابته حربة وحشيّ الغادرة فصار شهيداً يعطّر ثرى أُحُد الظامئ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه: «سيّد الشهداء عند الله -تعالى- يوم القيامة حمزة».
لاتوجد تعليقات