![](https://al-forqan.net/wp-content/uploads/2024/10/شباب-تحت-العشرين-40.jpg)
الشباب المسلم – 1252
أثر التسامح على الفرد والمجتمع
اعلموا يا شباب، أنَّ التسامح ليس مُجرَّد أداة لتحسين علاقة الفرد بالآخرين، وإنّما وسيلة للوصول إلى السلام الداخلي والسعادة الحقيقية؛ إذ يضمن لصاحبه طهارة الروح، ونقاء القلب، ورقة النفس، ويعزز مشاعر العطف والمودة والرحمة والأمل لديه، ويُهذِّبه ويجعله قادرًا على الإحساس بمشاعر الآخرين والتعاطف معها وتقديرها وأخذها في الاعتبار.
وقد أمر الله -تعالى- نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالتسامح والعفو والإحسان، فقال -سبحانه-: {وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}(فصِّلت: 34-35)، قال ابن كثير: «وقوله: {وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} أي: فرق عظيم بين هذه وهذه، {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي: من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه، وقوله: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} وهو الصديق، أي: إذا أحسنتَ إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إلى مصافاتك ومحبتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنه ولي حميم لك أي: قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك، ثم قال: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} أي: وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك، فإنه يشق على النفوس، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} أي: ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والأخرى».التسامح مع الجاهل والمسيء
عن أنس - رضي الله عنه - قال: «كنت أمشى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه (جذبه) بردائه جبذة شديدة، نظرت إلى صفحة عنق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك ثم أمر له بعطاء»، قال النووي: «فيه احتمال الجاهلين والإعراض عن مقابلتهم، ودفع السيئة بالحسنة، وإعطاء من يتألف قلبه، وفيه كمال خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحلمه وصفحه»، وفي الحديث بيان حلمه - صلى الله عليه وسلم -، وصبره على الأذى في النفس والمال.الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص
قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-: الحق أن الإيمان يزيد وينقص كما دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في مواضع كثيرة، فإذا اجتهد في طاعة الله زاد إيمانه، وإذا أتى بعض المعاصي أو ترك بعض الواجبات نقص إيمانه، والحب في الله والبغض في الله من الإيمان: «ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجَدَ حلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يكونَ اللهُ ورسولُهُ أحبَّ إليه مِمَّا سِواهُما، وأنْ يُحِبَّ المرْءَ لا يُحبُّهُ إلَّا للهِ، وأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفرِ بعدَ إذْ أنقذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَما يَكرَهُ أنْ يُلْقى في النارِ»، هذا اعتقاد أهل السُنَّة والجماعة، وهكذا الأقوال والأعمال كلها من الإيمان، أقوال العبد وأعماله الشرعية، فالإيمان: قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، يزيد وينقص.الشباب والعقيدة الصحيحة
صلاح الشباب وسلامة أفكارهم مرهونٌ بسلامة عقيدتهم؛ فالعقيدة الصحيحة هي الركن القويم، وهي دعوة الأنبياء والرسل لأقوامهم، وهي توحيد الله -سبحانه-، ودونها تفسد الأعمال، فقد مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة المكرمة بعد بعثته ثلاث عشرة سنة، يدعو الناس لتصحيح العقيدة وإلى التوحيد، ولم تـنزل عليه الفرائض ولا التشريعات إلا في المدينة، قال -تعاالى-: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الزمر: 65، 66).أبرُّ الأصحاب
قال الشيخ عبدالرزاق عبدالمحسن البدر: إنَّ أبرَّ الأصحاب وخير الرفقاء عمل المرء الصالح، ولن يدخل معه في قبره إلا هذا الصاحب، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ ابْنِ آدَمَ وَمَالِهِ وَعَمَلِهِ مَثَلُ رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَخِلَّاءَ، قَالَ لَهُ أَحَدُهُمْ: أَنَا مَعَكَ مَا دُمْتَ حَيًّا، فَإِذَا مُتَّ فَلَسْتَ مِنِّي وَلَا أَنَا مِنْكَ، فَذَلِكَ مَالُهُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا مَعَكَ، فَإِذَا بَلَغْتَ إِلَى قَبْرِكَ فَلَسْتَ مِنِّي وَلَسْتُ لَكَ، فَذَلِكَ وَلَدُهُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا مَعَكَ حَيًّا وَمَيِّتًا فَذَلِكَ عَمَلُهُ».أخطاء يتساهل فيها الشباب
من الأخطاء التي يقع فيها الشباب استصغار صغائر الذنوب التي يعملونها واحتقارها، وقد قال أنس -]-: «إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، ترونها تافهة، كنا نعدها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الموبقات»، وكما وقع لابن مسعود - رضي الله عنه - في معنى قوله: «إنَّ المؤمن يرى ذنوبه كجبل يوشك أن يقع عليه، وإنَّ المنافق يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به: هكذا فطار»، وهذا معنى أن الناس اليوم يحتقرون الذنوب، وقد يقترن بالذنب الصغير، -ويكون صغيراً فعلاً- من التهاون به واحتقاره وتكراره والإصرار عليه ما يجعله كبيرة من الكبائر، وهذا معنى قول علمائنا: «لا صغيرة مع الإصرار، فإنها مع الإصرار تصبح كبيرة، ولا كبيرة مع الاستغفار؛ إذ إن التوبة تمحو الذنوب».الشيطان قاعد لابن آدم بأطرقه
يا شباب احذروا الشيطان! فما من طريق يسلكه ابن آدم إلا والشيطان قاعد فيه، سواء كان الطريق طريق خير أم طريق شر، فإن كان طريق خير قعد فيه ليصده عن المضي فيه، وإن كان طريق شر قعد فيه ليستحثه على المضي فيه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ» فلنكن على حذر يا شباب من كيد الشيطان ومكره.التحذير النبوي من الاختلاف والخصام
حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الاختلاف والخصام فقال: «تُفتح أبواب الجنة يومَ الاثنين ويوم الخميس، فيُغْفَر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلاً كانت بينَه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظِروا هذين حتى يصطلحا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حتى يصطلحا»، قال النووي: «(أنظروا هذين) أي: أَخِّرُوهما حتى يرجعا إلى الصلْح والموَدَّة»، وعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَحِلُّ لرجُلٍ أن يَهجُر أخاه فوق ثلاثِ ليالٍ، يلتقيان: فيُعرِض هذا، ويُعْرِض هذا، وخيرهما الذي يبدأُ بالسَّلام»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من هجر أخاه سَنَةً فهو كسفكِ دمِه».التسامح من صفات الأنبياء
من الأخلاق التي يجب على الشباب التمسك بها، خلق التسامح، فالتسامح من صفات الأنبياء الكرام؛ إذ حثّنا خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - على التسامح والعفو عند المقدرة والتعامل مع الناس بمكارم الأخلاق، بقوله: «أن تعفو عمّن ظلمك، وتصل من قطعك، وتعطي من حرمك».معاذ بن جبل - رضي الله عنه -
معاذ بن جبل - رضي الله عنه - هو الصحابي الجليل أبو عبدالرحمن الأنصاري الخزرجي المدني، شهد العقبة شابا وشهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، جمع القرآن في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أحد الأربعة الذين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأخذ القرآن عنهم وهم ابن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، وهو من كبار علماء الصحابة فقد قال عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «.. وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ..»، ومناقب معاذ كثيرة لا يتسع المقام لذكرهها، توفي - رضي الله عنه - في طاعون عمواس سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة وهو ابن ثمان وثلاثين وقيل أربع وثلاثين.
لاتوجد تعليقات