رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ياسر برهامي 10 ديسمبر، 2017 0 تعليق

السَّلَفيَّة ضد الإرهاب والتطرف

منذ بدايات العمل الإسلامي في مصر في السبعينيات مِن القرن الماضي، ظهر اسم (السَلَفيّة) بعد الانشقاق الذي تعرضتْ له (الجماعة الإسلامية) التي كانت تعبر عن الصحوة الإسلامية في مصر، وكان اسم (المدرسة السلفية)، التي اختارت لها اسم (الدعوة السلفية) بعد سنواتٍ يسيرة مِن تأسيسها، مُنفَصِلَةً في منهجها وتأصيلها عن باقي الاتجاهات الإسلامية في مصر، وعن التحالف الصدامي -قبْل انقسامه وبَعدَه- المُمَثَّل في الجماعة الإسلامية في الصعيد، وتنظيم الجهاد.

     وكان اسم (السلفية) في ذلك الوقت يتعرض للسخرية المستمرة مِن كلٍّ مِن الاتجاهين: (الإخواني، والصدامي)؛ فتارة يقولون: «السلف تلف والرد خسارة!»، وتارة يقولون: (الدعوة التلفية)، وتارة يقولون: (فلسفة الجُبن)، وتارة يقولون: «عملاء أمن الدولة!»، وغير ذلك مِن أنواع التهم والاستهزاء!، ولسنواتٍ طويلة لم يفكر أحدٌ منهم في أن يتسمى بـ (السلفية)، وسارت (الدعوة السلفية) في طريقها، وحققتْ -بحمد الله- نجاحاتٍ في الدعوة إلى الله، كانت بها رائدة كل مَن انتمى إليها بعد ذلك، وإن لم يكن مُنتميًا لإدارةِ الدعوةِ، ولا بطريقة تعليمِها ومنهجِها في القضايا المختلفة.

تقسيمات سلفية

     ولأول مرة أسمع مصطلحات، مثل: (السلفية الجهادية)، و(السلفية التكفيرية)، و(السلفية القطبية) في أثناء التحقيقات التي تمتْ في اعتقال سنة 2002م، وأنكرتُ معرفتي -أمام مُحَقِّقي أمن الدولة- بهذه الأقسام؛ وإن كانت هناك فِعلًا على أرض الواقع اختلافات بيْن التوجهات، لكن لم تكن تنتسِب إلى السلفية ولا ترفع اسمها؛ فكان طبيعيًا أن أنكر انتساب هذه التوجهات للسلفية؛ فلا هي تَرفَع رايتَها، ولا تتفق مع منهجها، وإن اجتمعت معها في بعض المرجعيات، وبعض العقائد -تكثر وتقل.

     ثم بعد هذه الفترة انتشرتْ بقوةٍ هذه الأسماء، وصار أصحاب التوجهات المختلفة مِن: (تكفيرية، وصدامية، وقطبية، وسرورية) التي ظهرتْ أولًا باسم السلفية الجديدة للتميز عن (الدعوة السلفية) يعلنون جميعًا الانتساب للسلفية، وصار هذا الاسم يسمع به العالم كله!

أبحاث غربية

     ثم اطَّلَعْت في حوالي سَنة 2006م -أو نحوها- على أبحاثٍ لمراكز بحثية غربية تقسِّم (السلفية) إلى سلفية تقليدية، وسلفية علمية، وسلفية سرورية، وسلفية جهادية، وسلفية تكفيرية، وسلفية مدخلية أو جامية، والعجب أني علمتُ أن هذه الأبحاث كان تاريخها في التسعينيات مِن القرن الماضي، وليس بعد ظهور هذه المصطلحات والتوجهات، ولكن للإنصاف كان اسم (المَدَاخِلَة والجَامِيَّة) منتشرًا قبْل ذلك، وكان شديد النقد والمُهاجَمَة لـ(الدعوة السلفية)، والاتهام لها بأنها مِن الخوارج، والقطبيين، والإخوان، وكان هذا مِن العجب؛ لأن كل هذه الاتجاهات تَسُبُّ (الدعوة السلفية) وتهاجمها على أنها العدو الأول؛ فبَدَأْتُ ساعَتَها أفْهَم مِن أين جاء الانتساب للسلفية مِن جهة هذه الاتجاهات التي ظَلَّتْ عُقودًا تسخر مِن الاسم وترفضه، ولا تنتسب له!

تشويه اسم السلفية

     فقد كان أصل الإطلاق مِن هذه المراكز الغربية لتشويه اسم (السلفية)؛ لأنها الوحيدة التي ما زالتْ قادرة على استعمال النصوص في مخاطبة الناس التي بهذا مَثَّلَت قَلْب (الصحوة الإسلامية)؛ وسبب قوتها ونفوذها في المجتمع، بل وفي المجتمعات الغربية وغير الغربية التي يُمَثِّلُ المسلمون فيها أقلية، وفي الوقت نفسه لا تصطدم مع الدولة والمجتمع، بل تعيش بسِلْمِيَّة، ونَصيحَةٍ للناس، وحِرْصٍ على مصلحة البلاد والعباد، ودفع الفساد عنهم؛ فتكَوَّنَت لها قَاعِدةٌ عَريضةٌ مِن الشباب، والرجال والنساء والأطفال؛ فكانت بمثابة عامل إغراء للجماعات الصِداميّة أن تَقْبَل مِن أجلها رفع اسم: (السلفية)، فضلا عن اسمها الأصلي، وتتوقف عن السخرية مِن هذا الاسم الذي صار عَلَمًا على هذه التنظيمات؛ فوُجِدَت السلفية الجهادية، والقطبية، وغيرها، وصارتْ مِن أعظم أسباب المِحَن في بلاد العالم الإسلامي وغير الإسلامي، وجَلَبَتْ أنواعَ الخراب والتدمير والتشويه للإسلام وللسلفية بطبيعة الحال، وصارتْ فرصة عظيمة للاتجاهات الغربية المعادية للإسلام أن تجعل (السلفية) غَرَضًا لها، وكذا الاتجاهات العلمانية الكارهة للإسلام أصلًا، وكل الاتجاهات الاشتراكية والثورية والليبرالية والقومية الرافضة للتعايش مع التدين!

تُهْمَة يجب استئصال أصحابها

     كل هؤلاء صارت (السلفية) عندهم تُهْمَة يجب استئصال أصحابها؛ وذلك لأنها عندهم مصدر الإرهاب ومنبعه، والدليل عندهم هو أن الجماعات الصدامية التي تُعلِن اسم الجهاد والخلافة والشريعة تأخذ مِن (ابن تيمية - ومحمد بن عبد الوهاب)، ما يوافق أهواءهم ويؤيد أفكارهم المنحرفة، ونسي هؤلاء تاريخ (الدعوة السلفية) المُشَرِّف، ومواقفها المحافِظة على البلاد وأمنها وسلامتها، التي تَحَمَّلَت في سبيل ذلك أنواع الأذى مِن كل المُخالِفين لها بما لم يتعرض له أحدٌ، فقد أتتها السهام مِن كل اتجاه، وجَرَّحهَا الخصوم مِن كل حدب وصوب، وبالفعل يتم إقصاء أبنائها وتعريضهم للأذى والتعصب العكسي لمجرد وجود الهيئة مِن لِحْيَةٍ أو نِقَابٍ حتى يصبح هذا الفرد موضع التهمة، وموضع الإبعاد، وموضع التنفير! بل والعزل مِن الوظائف، ومنع التعيين ابتداءً! وكل ذلك باسم محاربة الإرهاب النابع مِن (السلفية) -زَعَمُوا.

محاربة الإرهاب

     وأقول: محاربة الإرهاب لا يمكن أن تتم إلا بمواجهةٍ فكرية؛ فالفكر لا يُقَاوَم بالأمن فقط، بل يُقَاوَم بالفكر، ولن يتمكن مِن مواجهته إلا مَن له معه قدر مشترك، ومرجعية مشتركة، وإن اختلف الفهم والعمل والسلوك أَشَدَّ الاختلاف، ومن يُحاوِل مصادمة السنن الكونية يُعَرِّض مصلحة المجتمع للخطر، ويُدَمِّر مستقبل التعايش السلمي بين طبقاته.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك