السِّتِّير جل جلاله وتقدَّست أسماؤه
قال رسول الله [: «إن الله عز وجل حييُّ ستيرٌ يحب الحياء والستر؛ فإذا اغتسل أحدكم فليستتر».
السِّتير: اسم من أسماء الله الحسنى، وخلق عظيم يتخلّق به المؤمنون والصالحون وأكابر القوم، والله يحب أن يستر على عباده ويصونهم، ويحب من عباده كذلك الستر على أنفسهم وتجنب المجاهرة بالمعصية.
وكلما تبحّر المسلم في التعرف على ربه والعلم بأسمائه جل ثناؤه، وتشرب هذه الأسماء والصفات قلباً وقالباً، كلما ازداد العبد حباً وخشية وتوكلاً على الله وإنابة إليه.
ويجتهد المجتهدون وينشط الناشطون في حفظ وتكرار أسماء الله الحسنى؛ لنيل السعادة والفوز بالجنة، وليس هذا المطلوب شرعاً، بل لا بد من الإيمان والعمل بها، وأن يتشربها المسلم وينزلها على أرض الواقع. ولكن للأسف، المطلع على أحوال المسلمين في هذه الأيام يرى العجب العجاب في المجاهرة والمفاخرة بارتكاب المعاصي وتتبع العورات، فإذا كان الرب جل جلاله وتقدست أسماؤه يستر، فكيف بالعبد الذليل يهتك الأستار؟! فوالله إن ذلك لمن سوء الخلق مع الله عز وجل ومع العباد.
وقد جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «إن الله عز وجل يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه، ثم يسأله فيما بينه وبينه: ألم تفعل كذا يوم كذا؟ حتى إذا قرره بذنوبه وأيقن أنه قد هلك قال له: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم».
دعني -أيها القارئ الكريم- آخذك في جولة قصيرة لبعض المجالس النسائية ودواوين الرجال، فترى وتسمع ما يشيب له الرأس ويحزن له القلب في التلذذ والمباهاة بفضح الأسرار وهتك الأستار، فأصبحت مملؤة بالمنافسات والمراهنات على تتبع عورات الناس وفضح أسرارهم، بل يكون نجم المجلس من يتفنن في الخوض في عيوب وخصوصيات الآخرين والمباهاة بارتكاب المعاصي والمحرمات، فذاك يتباهى بأنه «رقّم وحدة» وصار يحادثها بالهاتف والمسنجر بالساعات، والآخر يفرد عضلاته ويعرض رجولته بأنه طلع مع «وحدة موت الحمر» وزنى بها، والثالث يبشر ربع الديوانية بأن المشروب وصل - أي الخمر– وصاروا مولعين بالمشروبات المسكرات!، وتلك تتفاخر بخيانة زوجها مع ذلك الشاب الأفدع طبق الأصل من مهند، وتلك الفتاة تشهق وتتلعثم إذا سمعت اسم «بويتها»، والأخريات يتسامرن في أحد المقاهي على دخان الشيشة والمسلسلات، وهلم جراً، نسأل الله السلامة والعافية.
نحن لا ننكر أن المجتمع الكويتي القديم كانت فيه هذه المعاصي والمنكرات مثل شرب الخمر والقمار والزنى وشرب «الشيشة» فمجتمعنا ليس مجتمعاً مثالياً، فهناك الصالح والطالح، كما هناك حياء وتستر ومروءة والحرص على السمعة الطيبة، فإذا ابتليتم فاستتروا. وللأسف، حتى وسائل الإعلام لم تسلم من هذا الداء المستشري، فالكل يريد السبق الصحافي والإعلامي والشهرة والكسب المادي وإرضاء الجمهور حتى لو كان على حساب مقت الله وغضبه وجرح مشاعر الآخرين وهدم بيوتهم وفضح أسرارهم، فالرسول [ يقول: «كل أمتي معافى إلا المجاهرون». وباعتقادي أنه لا بد من تأصيل العلم الشرعي في النفوس، وإنزاله على أرض الواقع وتعمير القلوب الخاوية بمحبة الله ومخافته وخشيته وغيرها من أعمال القلوب، ولا يفوتنا الحديث عن التربية الصالحة في الأسر الكريمة وإحياء القدوة الصالحة الجذابة في المجتمع، وتفعيل الرقابة والحزم في تطبيق القانون وحدود الله بالمساواة دون تفرقة، مع نبذ الواسطة التي ضيعت المهابة والاحترام لكل القوانين والمربين والمسؤولين عن أمن وسلامة البلد، فصدق من قال: «من أمن العقوبة أساء الأدب».
ولنلهج بهذا الدعاء تأسّيا بالنبي [ حيث كان لا يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: «اللهم أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، الله احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي».
لاتوجد تعليقات