رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد الراشد 30 أبريل، 2012 0 تعليق

السياسة الشرعية (3) اختيار الأمثل فالأمثل

 

        بعد تحديد كيفية اختيار ولاة الأمور, فمن الطبيعي أن الحاكم لن يحكم بمفرده ولن يستطيع معرفة أحوال العامة؛ لذلك فهو يحتاج إلى من يعاونه من وزراء ومحافظين وأمناء... وغيرهم, لذلك من الواجب عليه اختيار الأمثل فالأمثل لمثل تلك المناصب التي تنوب عنه في الحكم والفصل بين عامة الناس.

        وإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام, وأخذه للولاية بحقها؛ فقد أدى الأمانة, وقام بالواجب في هذا, وصار في هذا الموضع من أئمة العدل والمقسطين عند الله. فإذا اختار الأمثل فالأمثل لكل منصب بحسبه، فوجب عليه أن يراقبه وأن ينصحه وليس معناه أن يوليه ويتركه؛ لأنه ليس أهلاً, وإنما نُصِّب للضرورة.

        ويجب على من ينوب عن الحاكم أن تتوافر فيه القوة والأمانة:, القوة في كل وظيفة أو ولاية بحسبها, فمثلاً في باب الحروب القوة هنا تتمثل في شجاعة القلب وقوة البدن, والخبرة الميدانية بالحروب والكر والفر...., وفي ولاية أخرى كالحُكم بين الناس «القضاء» القوة فيها بالعلم, وقوة الشخصية, والمقدرة على تنفيذ القانون وعدم التهاون فيه. ولو أن صاحب الولاية الثانية وضعناه مكان صاحب الولاية الأولى لصار جباناً وفر من ظله, وفشل في مهمته؛ لأن كل شيء يكون بحسبه, حتى في الأمور الحسية, فالنجار قوي في النجارة والحداد في حدادته, فيعطى كل إنسان ما يليق به, والأمانة والعدل في ذلك.

        ولا تكون شروط المنصب وفق الشهادات العلمية فحسب, فلو وظف إنساناً قد أخذ شهادة الدكتوراه في الفقه, ثم ولاه ولاية القضاء, وتبين له عدم تمكنه من تخصصه وعجزه فيه بالرغم من حصوله على أعلى الشهادات فيها, فيجب عليه عزله وتولية من هو أصلح منه؛ فالوظائف ليست بالشهادات العلمية فقط, وليست هي التي يقاس بها الرجل, فربما حصل عليها بالغش أو بالرشوة, فكم من إنسان ليست عنده هذه الشهادات, لكنه جيد ويصلح لتلك الوظيفة, فالواجب أن نولي الأمر من هو أهله بالمعنى الحقيقي, لا بالدرجات الوضعية والشهادات الحاصل عليها وهنا يقول القائل: أليست تلك الشهادات تُعين صاحب الأمر على اختيار الأمثل؟

        نقول: نعم، هي وسيلة مساعدة لحسن الاختيار, ولكن إذا تبين له أنه ليس بأهل لتلك المهمة فوجب على ولي الأمر إقالته, حتى ولو احتج قائلاً: عندي الدكتوراه منذ عشرين سنة.

فنقول له: مادام ظهر عجزك وفشلك, فلا يجوز أن نوليك أمور المسلمين, لا في القضاء ولا في التدريس ولا في غيرها.

        ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «القضاة ثلاثة:, قاضيان في النار, وقاض ٍ في الجنة, فرجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار, ورجل قضى بين الناس على جهل فهو في النار, ورجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة». أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.

        فوزارة التربية على سبيل المثال لا الحصر, تنشر الإعلانات لشغل وظيفة معلم، ثم تضع الشروط الواجب توافرها في المتقدمين لشغل تلك الوظيفة؛ وبناءً على شهاداته العلمية وخبراته العملية يتم توظيفه، فالأمانة تقتضي متابعة هذا المعلم باستمرار, فإذا ثبتت كفاءته لتلك المهمة استمر فيها, وإلا وجب عزله وتولية من هو أصلح منه وهكذا.

والله الموفق والمستعان. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك